آخر الأخبار

هل لا زال استهداف أهل السنة قائماً
أهل السنة ولا شك عندي في ذلك هم المستهدفون بكثير من الخطط التي تدار على الشرق الأوسط ، وقلت ذلك من قديم ، وقبل أن أقرأ كتاب استهداف أهل السنة للدكتور نبيل خليفة ، وهو عبارة عن مجموعة مقالات كتبها في الصحافة اللبنانية قبل تاريخ ٢٠١٥ ليعبر من خلالها عن قراءته للصراع الحديث في الشرق الأوسط ، وكانت قراءة في مجملها صحيحة لولا أنه قرر في هذه الدراسة كونَ السعودية دولةً لم يكن لها مشروع في لبنان كما قرر أن من الحلول تبني طرح أمثال الدكتور محمد أركون ووثائق الأزهر التي صدرت في عهد الدكتور أحمد الطيب ، ونحن نخالفه في هذه التقريرات وأمثالها ، كما نعذره في تبنيها إذ إنه ينطلق في قراءته من خلفية مسيحية ، وهي خلفية لا تتيح له فهم الفكر السني كما ينبغي فالخطأ في قراءته متصور ومثله يُعذر ، وتبنيه لطرح استهداف أهل السنة وحثُّه أساقفة الكنائس في المنطقة العربية على اتخاذ مواقف تناصر أهل السنة في المجال السياسي يُعَدُّ موقفاً حاسما ورائعاً .
وهذا المقال أطرح فيه سؤالاً أراه مُلِحاً ، وأحاول الإجابة عليه بما تيسر ، والإجابة القاطعة لن تكون حتى نراها بأعيننا، لكنّ توقعها وعمل الدراسات العاجلة لذلك أمر ضروري لاسيما لمتخذي القرار في العالم السني ،العربي وغير العربي .
فنحن في هذه الأيام نعيش واقعاً جديدًا تُهزم فيه إيران ممن كُنَّا نقول إنهم هم من يعملون على تقويتها لكي يندحر مذهب أهل السنة ، فقد تم استهداف من كان يسمى بحزب الله ، وقُتل كثير من قياداته ، بل لم يبق ممن كان يُسَمى بالصف الأول أحدٌ يؤبه له ، ثُمَّ سقط الأسد ، وتولى السلطة من لم نتوقع أن العالم سيسكت على توليه ، وهم الجهاديون الذين أثبتوا للعالم بتوليهم بعد تراجعات عن عدد من تخبطاتهم قدرة فائقة ومرونة في اتخاذ القرار ومعرفة من يصلح للصداقة في هذه المرحلة ، والتعامل مع دول الاتحاد الأوروبي بنفعيَّة محضة كما تتعامل معه هي بهذا المستوى من النفعية .
وتمكين الله لهم لم يكن مخططاً له ، بل كان المخططُ له وقوع سوريا في فوضى كاملة بعد هروب الأسد ـ هذا ما أتصوره حتى الآن ـ، إلا أن الله سلم وحقق أسباب النصر الكامل لجبهة تحرير الشام
وكذلك الحوثيون وضربهم من قِبل اليهود وبريطانيا والولايات المتحدة ، وأعظم من هذا كله إيران وضرب اليهود لها عدة مرات ضربات موجعة وعدم ردها كما توعدت على هذه الضربات .
كل ذلك يشي بأن استهداف أهل السنة قد انتهى وأنه حل محله إبراز السنة ووضعهم في مكانهم الطبيعي من العالم ، فهل هذا صحيح ومعقول ؟
الجواب كما أتصور : أن هذا الاستهداف لازال باقياً كهدف غائي [استراتيجي] وأن ما يحدث من حملة على إيران هي عبارة عن تغير في الأهداف المرحلية[التكتيكات]التي يكون من الطبيعي بل من الضروري تغييرها متى ما حدثت عوائق تؤثر على الأهداف الغائيّة .
وشاهدي على ذلك بقاء حزب اللات وعدم استئصاله مع إمكانية ذلك ، وبقاء حماس مع إمكان استئصالها ، مع تجدد ثنائها على إيران على لسان خليل الحية بالرغم من خذلان إيران لها في الوقت الحرج ، وبقاء الحوثي والدعم الإيراني له مع إمكان استئصاله أو تمكين الشرعية من الاستيلاء على ميناء الحديدة تمهيداً للقضاء عليه ، وكذلك قطع المساعدات الآتية إليه من طهران .
والأمر الأكبر هو عدم السعي [وهو ما نلحظه] إلى تغيير نظام الملالي مع وجود البدائل المتاحة له .
كل ذلك يؤكد لنا عدم الجدية في إنهاء استهداف أهل السنة ، ولكن لماذا تحدث كل هذه الأمور التي تشير إلى عكس ذلك ؟
في تقديري أن هذه الأحداث استجدت لما يلي :
أولا : يلاحظ أن إيران قد تجاوزت الحد المسموح لها به من إظهار العداوة للصهاينة ، وذلك بأعمالها أثناء اجتياح سوريا ، وذلك بتقديمها سُكاناً يحلون محل السكان السوريين السُّنة المهجرين ، والعجيب أن هؤلاء السكان الجدد من الشيعة الأفغان والباكستانيين والإيرانيين ، وكان ترك سوريا فارغة من مقاصد اليهود ، وتجرؤ إيران على اقتحام هذا المقصد يُعَد في نظر اليهود جرأة لا تُحتمل ، وقد كان هناك تحذير من كيانهم لإيران من هذا التجاوز عبر القصف الجوي الذي أُعلِن عنه عدة مرات بأنه قصف لمعسكرات إيرانية في سوريا .
ثانيا: كثير من الشيعة ولا سيما اللبنانيون والعراقيون صدقوا العداء بين حزب اللات والكيان الصهيوني ،فتجاوز اللبنانيون منهم تجاوزات كبيرة على اليهود الصهاينة ولم يكن بيد الحزب إلا تبني هذه التجاوزات ، ولم يكن في وسع اليهود السكوت عنهم ، لاسيما وأن ذلك كان تياراً قويا في الحزب ربما يشكل في وقت لاحق أغلبيةً ، ولا يمكن الاطمئنان له أبدا ، أما الشيعة العراقيون المصدقون بهذا العداء فقد بدأت كلماتهم ومواقفهم تنبئ عن كونهم قد أصبحوا تياراً لم يكن له من مانع من الخروج إلى قتال اليهود إلا صدور الفتوى ، وقد تم امتصاص هؤلاء في العراق بطرق شتى ، كان آخرها إشغالهم بالثأر للسيدة زينب التي يتوهمون أنها دفنت هناك ، وهو وهم وُلِد وكبر في القرنين الأخيرين ، ولو لم يتم امتصاصهم لنالتهم باكرا حركة التصفية التي بالفعل نالت بعضا منهم . ويبدو أن الإيرانيين خرجوا عن النص كثيراً في أرض اليمن أو أن غباء الحوثيين أخرجهم عما رسمه لهم الإيرانيون ، أو لسبب لا أعرفه ، فقاموا بادعاء مناصرة غزة وادعاء ضرب إسرائيل المزعومة ، وقاموا بعمليات قرصنة في البحر الأحمر تعرض لها سفن تحمل العلم الأمريكي والبريطاني والإسرائيلي ، وهذا ما دعا الدول الغربية إلى إنشاء تحالف ضد الحوثي وقاموا بضربه جوياً ، إلا أنهم لا زالوا يَسْتَبْقُون على الحوثي ولم نسمع بغير ضرب المدنيين من اليمنيين.
وبخصوص ما حصل في غزة لم يكن جديداً ، أو مجهولاً من اليهود ؛ بل كان معلوماً لديهم كما تقول أجهزة المخابرات الصهيونية ، وقد ذَكَرتُ في مقالات سابقة أن إخراج كامل الفلسطينيين من الضفة والقطاع كان مخططاً له في سنة ٢٠٢٠ إلا أنه تأخر بفضل من الله ، ولعله لا يتم أبداً إن شاء الله تعالى ووفَّقَ لذلك ، وكان ما حدث في غزة مقصوداً لأجل ذلك .
أنتهي من ذلك إلى أن استهداف أهل السنة غاية باقية لدى الغرب ، ولكن هل كل غايات الغرب وما يخططون له يقع كما يتمنونه ؟ الواقع أن لا ، فالعالم لا يسير وفق تخطيط أحد سوى إرادة رب العزة والجلال ، لكن كثيراً مما يخطط له مُنَظِّرُوهم يقع لامتلاكهم أسباب القدرة ، وضعف العالم أمامهم ، وفي هذه الواقعة لن يكون الأمر كما يريدونه بحول الله ، فالمملكة العربية السعودية قوة سياسية واقتصادية وعسكرية تقوم برفع العلم الراية الإسلامية السنية وتدافع عنها ، وما تقوم به الآن من دعم سوريا ولبنان ، والوقوف مع جميع دول العالم الإسلامي في أزماتهم إلا من تمكين الله تعالى لأهل السنة ورفع مكانتهم في العالم أجمع ، وبقي الدور الكبير الذي على أهل السنة القيام به ، وهو الرجوع إلى السنة الحقة كي يؤدي دعمهم إلى انتصار لا إلى خراب ودمار وفرقة .
التعليقات