شبهة تحريم الحج وشبهة تحريم الزيارة فيه

تكبير الخط تصغير الخط

جاء كلامٌ يظهر على أنه فتاوى بتحريم الحج هذا العام ،وبعضها يحرمه منذ أعوام وبعضها لا تحرم الحج وإنما تفتي بحرمة المال الناتج عنه. 

وهو كلام لازلنا نسمعه منذ تأسيس الدولة السعودية الأولى حين لم يكن هناك سوى ما تروج له الدولة العثمانية ، ومن يتصدرون لتأليف الكتب على ما تريد ، كأحمد زيني وابن عبدالشكور وابن جرجيس وابن سند وغيرهم ، أما الآن فقد أصبح بإمكان كل فرد أن يكون إعلاما بذاته ، ولذلك فحينما يكثر المعارضون للسعودية تكبر معه جماهيريتهم وتشيع دعايتهم ، وهكذا كان .

 وقلةٌ ممن تحدث في هذا الموضوع من طلبة العلم بشكل علمي رصين، يرجو الحق، ويبتعد عن التَّسيِيس ؛ وقد اطّلعت على رد أحد هؤلاء وهو مبادرة طيبة جزاه الله خيرا لكنه أهمل كثيرا من الجوانب الهامة جدا والتي يكتمل رده لو أضافها . 

وهنا أقول كان الكثيرون يقولون إن السعودية كدولة تأخذ كثيرا من المال على الحجاج عند إصدار التأشيرة ؛ وإن كان الكلام ليس جديدا ، فقد كان يقال مثله منذ أسست مع أنها كانت تصدر تأشيرات الحج مجانا ، فلا غرابة أن يأتي الكلام عليها حين جعلت رسم تأشيرة الحج مبلغ ٣٠٠ ريال أي أقل من المائة دولار وبالتحديد حوالى ٨٠ دولاراً وهو السعر نفسه لتأشيرة الزيارة ولتأشيرة السياحة ، أي أن من يدخل السعودية لأي غرض سواء أكان حجاً أم عمرة أم سياحة سيدفع المبلغ نفسه .

 وهذا المبلغ لا يقتضي هذه الفتوى الشنيعة بتحريم الحج أو تأثيم فاعله أو غير ذلك ،لأمور منها : أنه مبلغ أقل بكثير جداً من المبلغ الذي تأخذه من الحجيج دولهم، إذ تأخذ الدول مبالغ ،إذ تتفاوت ما بين أربعة آلاف دولار وخمسمائة في بعض الدول العربية ، إلى خمسة عشر ألف دولار في دول أخر. 

إذاً هل يصبح أن يكون دفع ثمانين دولاراً مؤدياً إلى القول بالتحريم ؟

أمر آخر: أن الحج واجب على القادر عليه أياً كان وأينما كان؛ ولو بُلي الناس بحاكم لا قدر الله يأخذ المال الضخم على الحجاج لوجب الحج مع وجود هذا الحاكم ،ومع إثمه،فيما إذا كان ما يأخذه فوق ما يكلفه عمل الحج وخدمته بكثير ،فإن كان ما يأخذه الحاكم دون ما يكلفه عمل الحج أو مثل ما يُكلفه عمل الحج أو فوقه بمقدار يعادل ربح العمل فهذا أمر مباح وليس محرماً ومن قال بالتحريم فإنما هو من السفهاء حقا. 

نعم هم السفهاء حقاً ،وليسو بعلماء ولا بطلاب علم على الحقيقة ؛وذلك أنهم يقولون مثلاً : إن الأموال التي يدفعها الحاج تعود إلى الكيان الصهيوني ، وهذا أولاً زعمٌ مخالف للحقيقة كما أنه زعم يَتَصَور صاحبه لجهله أن الثلاثمائة ريال التي يقدمها الحاج كأنها تصير بمجموعها ثلاثة تريليونات أو أكثر،وهذا تصورٌ لا نقول إنه طفولي؛ بل الأطفال يتصورون أفضل منه؛ لأن الثلاثمائة ريال تصير إذا حَسَبْنا الحجاج بملوني نسمةٍ إلى ستمائة مليون ريال أي مائة وستون مليون دولار، وهو مبلغ لا يصل إلى قيمة طائرة حربية من الطائرات التي يستخدمها الصهاينة ؛ كما أن السعودية وهذا هو الكلام الحق ليس بينها وبين الكيان الصهيوني أية علاقة، وقد حاول خصوم المملكة إثبات ذلك بكلام استطاعوا به تأليب الشعوب غير المتعاطفة مع السعودية ،لكنه غير صحيح، وليس لديهم شاهد على ذلك صورة واحدة بين مسؤول سعودي في موقع المسؤلية وأي مسؤول صهيوني؛ مع أن الصهاينة ينشرون الصور بشكل مريب كما نشروا صور بعض من زارهم من كبراء العرب ولهم معهم علاقات وطيدة ، وحاول هؤلاء العرب ستر تلك الصور؛ لكن ولع الصهاينة بالفضائح فوق كل اعتبار عندهم. 

على أي حال هذا رداً علي القول بوجود علاقة بين السعودية والكيان الصهيوني ،مع أنه في حال وجود علاقة لا يمكن القول بتحريم الحج ؛ فليست العلاقة تعني الإمداد المالي، وليست أموال الحج هي التي تغني العدو بالسلاح، ومعروفة مصادر العدو من الأسلحة ؛وعلى افتراض كون العدو يشتري الأسلحة بمال السعودية ،وهذا افتراض أبعد من الشمس ولكننا نقوله جدلاً فلا يجعل ذلك الحج محرماً،لأن الله أمرعباده بالحج إلى مكة ،ولم يكلف أحداً بتتبع ما يدفعه من مال وأين يصير؛لأن الله إذا شاء نَصْرَ المسلمين نَصَرَهُم ولو كانت الدنيا تُمِد عدوهم كما فعل عز وجل بالمسلمين الأوائل فانتصروا في اليرموك والقادسية وغيرها. 

وقضية أخرى يذكرها المسيسون ضد السعودية ولم نر عالماً بذل نفسه للعلم ـ لا للسياسة ـ ذكرها؛ وهي إنكارهم على المملكة اشتراط التصريح للحج؛ وأَعْلَمُ أن هؤلاء المنكرين  لو تولى من يُحِبونه -لأقدر الله- شأن الحج، ونسأله أن يزيد عزنا بمن ولاه الله حكمنا، لأقر التصاريح ،وربما زاد عليها ؛ولكن حديثنا هنا سيكون للبعيدين عن تأثير السياسة والحقد والحسد فيهم ؛ فنقول لنفرض صحة ما قالوه من عدم ضرورة التصاريح وجواز الاحتيال [نعوذ بالله من ذلك ] وهذا ما قاله بعض أدعاياء العلم واستدلّ بقوله تعالى {سبيلا} الواردة في قوله تعالى { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً} وقال إنها نكرة في سياق الإثبات فتعم كل سبيل ، سواء بتصريح أو غير تصريح أو احتيال أو غيره ؛ فأولا : النكرة في سياق الإثبات لا تعم وهذا وهم منه ؛ ثانيا :لو فرضنا صحة ذلك هل سيكون الإسلام هو الإسلام ؟ هل الإسلام الذي يدعو إلى الصدق والسماحة والعدل والانضباط والوقار والاعتدال وحفظ المروءة والكرامة ، هو الإسلام الذي يبيح الكذب والحيلة والتزوير والاندساس والتذلل للبشر،وكل هذه الصفات هي التي لابد للمحتال من اقترافها ، فهل هذا هو الإسلام ، لا والله لا يكون الإسلام بهذا الشكل أبدا.

واستدلال هذا المتمشيخ معارض بالكتاب ومعارض بالمصالح ، أما معارضته بالكتاب فقوله تعالى ﴿يَسأَلونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُل هِيَ مَواقيتُ لِلنّاسِ وَالحَجِّ وَلَيسَ البِرُّ بِأَن تَأتُوا البُيوتَ مِن ظُهورِها وَلكِنَّ البِرَّ مَنِ اتَّقى وَأتُوا البُيوتَ مِن أَبوابِها وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُم تُفلِحونَ﴾ [البقرة: ١٨٩] فقوله تعالى { ليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها } وقوله {وأتوا البيوت من أبوابها }ظاهر في أن دخول البيوت من ظهورها زيادة مبتدعة في أعمال الحج، وكان الأحمسيون وهم قريش يعملونها، وكذلك الأنصار، فنهوا عن ذلك ، فإذا كان دخول البيوت من ظهورها منهي عنه في ذلك الزمن ففي هذا الزمن أولى ألا تدخل للحج بالحيلة وهي تقتضي الكذب والكذب محرم في الإسلام ،وهو أشد تحريما إذا كان في عبادة يرجو المرؤ منها أن يخرج من سيئاته كيوم ولدته أمه ،فكيف يفتتحها بالحيل والأكاذيب.  

هذا وإن  الحكومة السعودية ترجوا أن تضخم من أعداد الحجيج ،ولكن كيف تُضَخِّمُهم ومنهم من يحجون دون تصريح فيصلون بذلك إلى ضعف عددهم، وربما إن أتيح الأمر دون رقابة كما يطالب هؤلاء أن يتضاعف العدد أضعافاً أخرى ، لذلك فضبط هذا الأمر مما لا شك في ضرورته واتخاذ كافة الوسائل لفعله ، فلولا ضبط عدد الحجاج لبطل حج كثير من الناس وذلك لأن عرفة لن تستغرقهم وسوف يبقى الكثيرون خارج عرفة والحج كما يعلم الكل : عرفة ، وكذلك الأمر في منى ومزدلفة ، وقد وجدنا هذا الأمر حدث فعلاً في المشاعر الثلاثة ووجدناه في منى بشكل فضيع ، فهل يريد هؤلاء المتهورون المتهوكون في ما يبثونه على المسلمين من فتاوى ألَّا يحج الناس أم يريدون مكسبا سياسياً في وهمهم حين تقع السعودية في هذه العقبات وتسقط المسلمين .  

أضف إلى ذلك أمراً هو الأهم ، وهو أن منع الحج دون تصريح بل وتحريمه يسهم في تأمين الحجاج وسلامتهم من كثير من الأمور ، ومنها : الفوضى وما تؤدي إليه ، وقد علمنا ما نتج عن الفوضى في أزمان سابقة من موت المسلمين وما حل ببعضهم ، ومنها : أن مكة في أيام الحج يعتبرها كبار قادة المخدرات في العالم مكاناً مناسباً للتبادل ، ولا أعني هنا أن القادمين للزيارة من هذا النوع حاشا لله فكثير منهم بل والغالب عليهم حسن الديانة إلا أننا نجد استخدام الحج غير النظامي وسيلة لانتهاك الحج بكثير من المعاصي ومنها هذه المعصية أمراً  مقبولاً عند هؤلاء أجارنا الله وإياكم .

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.