أبو دلامة السعودي

تكبير الخط تصغير الخط

النكت والملح من الإنسان على ذاته وقبيلته ومنطقته وشعبه ممارسة معهودة لا ينفك عنها أحد غالبا,وهي تأتي تارة للنقد الذاتي وحينا للمزاح وربما لمجرد الضحك وخفة الدم.ولكن النكت تتحول حينا آخر إلى جريمة منظمة ولعبة استخباراتية وصناعة حربية تستهدف المجتمع لتحقيق أهداف محددة وذلك بصناعة النكتة وتوظيفها من خلال منظومة من مفاصل المجتمع يتم استهداف النكت نحوها بمشاركة مجموعة من العملاء ويتبعهم آلاف من الأبرياء الذين أمتعتهم هذه النكت المسلية.

وعالم النكت ليس بريئا كما يتوقع الكثير فهو عالم وجهه ضاحك ولكن خلفه في أحيان كثيرة أجندات جادة ربما تفوق جدية الأبحاث والدراسات والمؤتمرات, ونؤكد بألفاظ التمريض والتبعيض حتى لا نبالغ أيضا في دور النكتة ونجعلها أماً جديدة لقضايانا.

ومن يطلع على الدراسات النفسية والاجتماعية وعلم الاجتماع السياسي والحروب النفسية العسكرية والعلوم الاستخباراتية يجد النكتة حاضرة بوضوح في هذه العلوم الجادة , وأن النكتة استخدمت كثيرا في الحروب الباردة وحروب الاستعمار والاستقلال , وأن رؤساء دول وقيادة جيوش خاطبوا شعوبهم صراحة في التحذير من أثر النكتة على معنويات الجيش والشعب وأن النكت تؤثر سلبا أو إيجابا بحسب طبيعتها وطريقة صنعتها ومدى انتشارها.

وتصنع النكت علنا حين تثار قضية بين شعبين وتنشط الحملات الإعلامية بين الطرفين ,وتكتب المقالات التحليلية والمقالات الاستفزازية.. ولكن النكتة تبقى الأكثر أثرا حينما تصنع ضد شعب أو ضد قبيلة أو ضد أشخاص محددين, وفي المنافسات الرياضية رب نكات أغنت في وصفها وتأثيرها عن حوارات وتحليلات رياضية ,وفور انتهاء المباريات الرياضية تشتعل حرب النكت بين المتنافسين تحمل من الإبداع والقوة والتأثير ما يتجاوز إبداع وقوة وأثر محلل رياضي عميق خبير.

 

ومجتمعنا السعودي بتاريخه وجغرافيته وطريقة تكوينه وطبيعة مكوناته لا يعتبر من المجتمعات العميقة بتشكله الحالي فهو يحتفل بسنته الثالثة بعد الثمانين في سبتمبر القادم في حين أن شعوبا تعيش آلاف السنين بذات المكونات وذات الجغرافية, هذه الحداثة في تكون المجتمع له إيجابيات كثيرة يمكن استثمارها وتحقيق نجاحات كبيرة كما حدث للمجتمع الأمريكي مثلا ,ولكن له سلبيات كثيرة أيضا , أهمها هشاشة العظام في التركيبة السكانية وترابطها مما يجعلها عرضة للتأثر المتسارع أمام الأزمات المفاجئة.

مجتمعنا مر بأطوار متعددة تجاه نظرته لنفسه الأولى منذ نشأته حتى نهاية السبعينات الميلادية ,وهي نظرة دونية للنفس وتعظيم لشعوب عربية أخرى فضلا عن شعوب عالمية, وهذا الشعور مبرر جدا في ظل الفقر والجهل النسبي الذي يعيشه غالب السكان في السعودية وكذلك الحالة السياسية التي شعارها ” للجدران أذان” في حين تعيش الجارة الكويتية حرية بهيجة وانتخابات برلمانية نزيهة.وبعد الثمانينيات الميلادية انتعش الشعب السعودي اقتصاديا وتعليميا في ظل تراجع كثير من الشعوب العربية, فالعراق في حرب مع إيران وسوريا تقبع تحت حزب طائفي قضى على مكتسبات شعبه ومصر تنحدر سريعا اقتصاديا ,وتشيخ من جميع أطرافها, حينها بدأ السعوديون بالثقة بالنفس ,وربما وصل للكبر والغطرسة بحيث لا يسمح لأحد بنقد المجتمع أو تعييره بل كل خطأ بسبب هؤلاء الوافدين ولخصها بيت الشعر المليء بالكبر والغطرسة : ( ارفع راسك أنت سعودي.. غيرك ينقص وأنت تزودي ).

بعد أحداث سبتمبر 2001م بدأ عصر سعودي جديد شعاره : ” جلد الذات حتى الموت بكل عنف وبلا شفقة” .ولكن هذا الشعار ظل حديث صحفي ورأي مثقف ,يرى الأحداث فرصة للانتقام من المجتمع أومتحول متلون يرى الوقت مناسبا للانسلاخ ,أومنتفع يركض خلف الشهرة والمال وربما بعض الصادقين المصدومين من الأحداث والحرب على الإرهاب.

لكن الشعب كان بعيدا عن هذا التحطيم الهمجي في غالبه ضد المجتمع ومكوناته ومؤسساته وكان أعقل بكثير من مثقفيه وأعدل من بعض مفكريه وأوعى من صحافته, سوى أنه بعد تجاوز كابوس حرب المتطرفين البوشيين على العالم عاد على نفسه في 2008م ناقما ضاحكا ساخرا شاتما من خلال وسائل التواصل المتعددة والمتجددة.السنوات الخمس السابقة شهدت نكات محمومة من المجتمع السعودي تجاه نفسه ,واستثمرت وسائل التواصل والشبكات الاجتماعية لإيصال النكت والطرائف.. منها الناقدة بلطف ومنها الناقدة بعنف ومنها الشاتمة ومنها الشامتة, واللافت للنظر أن هذه النكت تتميز بالكثافة وطول النفس وتتقصد نقاطا محددة تعاود التأكيد عليها مرة بعد أخرى, وعند التفصيل سيتضح أن النظرة البريئة لهذه النكت والطرائف ليس في مكانها ,وأن شبهة الجريمة المنظمة غير بعيدة عنها.

ويمكن أن نضع لهذه النكت والطرائف سمات ترتكز عليها تتلخص فيما يلي:-

1) أنها تتحدث عن لفظ “السعودي” و”السعوديون” و” السعوديات”.. دون تحديد منطقة أو مدينة أو قبيلة.. وتربط دائما بين “السعودي” والمادة المضحكة.

2) أنها تعتمد المقارنة بين شعوب العالم وهذا “السعودي”.. وتضع موقف شعوب العالم المتسم بالرقة والعدل والجمال والتسامح ثم تختم بالسعودي المناقض لهذه الشعوب.

3) الصفات المشتركة للسعوديين من خلال هذه النكت : القبح, الغباء, النذالة, العنف, الجهل, الحمق.

4) أنها ذات أشكال متنوعة (طويلة ومتوسطة وقصيرة) وأيضا (عميقة وسطحية) وكذلك (سياسية واجتماعية واقتصادية).

5) أنها تعتمد السخرية المحضة فقط ,فلا تناقش مشكلة حقيقية ولا تعالج قضية كما هي أهدف النكت المعتادة.

هذه الصفات المشتركة توحي للمتتبع أن استهدافا للشخصية السعودية نابع من هذه النكت والطرائف وأن النكت في غالبها صنعت خصيصا لذلك.

هذا رأي للكاتب في قضية محددة من الممكن أن توصف بالاتزان أو المبالغة ,ولكنها محاولة لقراءة ظاهرة اكتساح أبي دلامة للسعوديين وهو الشاعر العباسي الذي بقى من شعره ما سخر به من نفسه :

ألا أبلغ لديك أبا دلامـــه…فلست من الكرام ولا الكرامه
جمعت دمامة وجمعت لؤما….كذاك اللؤم تتبعه الدمامه
إذا لبس العمامة قلت قردا.. و خنزيراً إذا نزع العمامه
فإن تك قد أصبت نعيم دنيا…. فلا تفرح فقد دنت القيامه
د.عادل الماجد

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.