كسل وصمت العلماء.. أين المشكلة؟

تكبير الخط تصغير الخط

بكل تلقائيته وعفويته، التفت خادم الحرمين الشريفين إلى العلماء وقال لهم معاتبا: “ترى فيكم كسل وفيكم صمت، وفيكم أمر ما هو واجب عليكم. واجب عليكم دنياكم ودينكم، دينكم، دينكم. وربي فوق كل شيء”.
تفرّست في وجوه العلماء الذين كانوا في المجلس، والذين عاتبهم مليكنا على تقصيرهم؛ فألفيتهم كبار العلماء في السعودية. وأزعم أنني في صميم الساحة الفكرية والشرعية، وأعرف لهم أشرطتهم ودروسهم التي تحارب الإرهاب والتطرف والتكفير، ولا تمرّ مناسبة إلا ويصدحون بفتاواهم التي لا تجيز الخروج على ولاة الأمور، ويعتبرونها من كبائر الذنوب، بل إن الفئة الضالة والتكفيريين والدواعش حاليا يعتبرونهم علماء سلطان باعوا دينهم بعرض من الدنيا قليل، ويحذرون أتباعهم منهم، ومن الاستماع إليهم والجلوس لدروسهم.
أين المشكلة إذًا؟!
ولي الأمر الذي لم يقل هذا العتاب العفوي والصريح، إلا بعد اطلاع ومعرفة بالوثائق عن مدى شيوع فكر التطرف والإرهاب، ويعرف أيضا أن الجزء الأكبر من الحل في يد شريحة العلماء والدعاة، وهم إن قاموا بواجب التربية والتوجيه والنصح على أكمل وجه؛ انحسرت حالة التطرف التي تسود المجتمع العربي، فعلماؤنا الأجلاء هؤلاء يمتد أثرهم إلى كل الدول العربية والإسلامية.
من وجهة نظري أن أحد الأسباب الكبرى يكمن في آليات الخطاب الذي يستخدمه العلماء الشرعيون في توجيههم الشباب، وطرائق التربية والتلقي التي نشأ عليها علماؤنا الحاليون مع أشياخهم وممن تلقوا عليهم العلم؛ لم تعد صالحة مع شباب “تويتر” و”الفيس بوك” و”الواتس آب”، والطريقة التلقينية المتبعة في وضع المريد مع شيخه، ليتلقى منه حرفيا كل أقواله دون مراجعة؛ تحتاج إلى إعادة نظر مع شباب اليوم.
ثمة فجوة عميقة، وهوة بيّنة بين أجيال الشباب وعلمائهم، أسهم الإعلام في توسيعها أيضا عبر تشويه صورة العالم والداعية في مجتمعنا، ولنكن صرحاء إن أردنا الحلول، فشباب “داعش” الذي يتكاثر يوما بعد يوم من المحيط إلى الخليج، شوّه إعلامنا بهجومه وتحيّزه صورة العالم الذي يسمع له هذا الشاب، وأسقط معظم الرموز الشرعية التي يصيخ لها، ومع هذه الأحداث السياسية المتقلبة، ترتفع عقائر دعاة التطرف والإرهاب، مبرهنين على صحة أدبياتهم في موالاة الكفار ومعاداة المسلمين والحرب على العلماء، فلا يملك هذا الشباب – الذي هو في عمر تغلب عاطفته عليه ويحلم بتغيير العالم- إلا أن ينقاد، واطئا بقدميه كل مقولات العلماء والدعاة في “داعش” و”القاعدة” و”النصرة” وبقية الفصائل المتطرفة.
كنت في حوار مع طالب علم شهير- من الذين أعتز وأثق بعلمهم- عن انجفال بعض الشباب إلى أدبيات “داعش” رغم كل توحشهم وفكرهم المتطرف، فأخذ يحوقل، والرجل في صميم حوارات قديمة مع بعض من التاث بذلك الفكر، فقال لي: “أتدري يا أبا أسامة، أن ما يخيفني في شباب هذه المرحلة؛ عدم انقيادهم أبدا للعلماء. الجيل الأول كان لديه بعض الاحترام للمشايخ ابن باز وابن عثيمين وغيرهما من العلماء الموجودين، وكنا نحصرهم ببعض مقولات أولئك العلماء ويقفون، ولكن هذا الجيل لا يعترف أبدا بالعلماء ولا بأي طالب علم معتبر، بل ينال منهم، وهنا الخطورة الكبرى”.
أدعو مركز الحوار الوطني وأخي الخلوق فيصل المعمر إلى أن يقوم المركز بعقد مؤتمر، أو حتى ورشة خاصة عبر متخصصين، حول كيفية تفعيل دور العلماء والدعاة، من خلال رصد مكانتهم لدى أجيال الشباب اليوم، والعناصر التي أسهمت في هذا الوضع الذي توجّه مليكنا بعتابه الأبويّ لهم، وكيفية الانطلاق بدورهم في المجتمعات الإسلامية قاطبة، وليس في بلادنا. فأي حلول لمشكلة هؤلاء الشباب المتطرف بعيدا عن العلماء، هو حلّ أعور ناقص، فصحيح أن الأميركان يمكن لهم إرسال “الأباتشي” لاصطيادهم، وتصويب “التوماهوك” لتفريق حشودهم في الموصل والرقة، ولكن لا الأميركان ولا جيوش العالم كلها، ستمنع انبجاسهم أخرى، وتوالدهم سريعا عبر فكر متناسل، قبل أن ترتد أطرافهم التي سملها التعصب والانحياز، يغذي ذلك التوالد أوضاع الأمة البائسة.
عتاب مليكنا للعلماء ضوء أحمر، ينبغي أن ندرسه ونبني عليه، ونعيد البريق والأثر لدور العلماء في المجتمع.

د.عبدالعزيز قاسم

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.