ماذا قال لنا محمد بن عبدالوهاب؟

تكبير الخط تصغير الخط

هذه مداخلة الدكتور محمد السعيدي في قناة المستقلة في الحلقة الثالثة من ندوات المستقلة عن محمد بن عبد الوهاب رحمه الله .

 

لا شك أننا حين نتحدث عن مصلح ما ونريد أن نثبت أثره لا بد أن ننظر في الأمر كيف كان قبله ليتضح لنا ما هو الإصلاح الذي قدمه , ومن أراد أن يتعرف على نجد موطن الشيخ محمد وكيف كانت قبله فما عليه إلا أن يتصور عددا من المعطيات تكفل له تصوير الواقع حتى و لم يقرأ في ذك حرفا واحدا .

بلد صحراوي الطبيعة قليل المطر طارد للسكان لا حكومة جامعة له تقوم بمصالحه بل يعيش أهله في افتراق واحتراب حتى القرى المستوطن أهلها ربما وجدت في القرية الواحدة أميرين أو ثلاثة بينهم احتراب وتنازع على السلطة في هذا المكان المحدود , الجهل هو الطابع العام على السكان الدول الإسلامية من حولهم لا تقدم لهم شيئا سوى غارات حربية يقوم بها الهاشميون بين الفترة والأخرى القصد منها مطاردة أعراب نجد وتأديبهم ولم يكن هناك أي قصد لتنمية هذا البلد أو تثقيف أهله ظل أهل نجد على هذا الوضع منذ سقوط دولة بني أمية حتى قيام الدولة السعودية الأولى ؟

فكيف يظن المرء بالمستوى الديني والعقدي في تلك البلاد ؟

إذا علمنا أن البلاد الآمنة التي تعيش تحت إدارة دول قوية كالشام ومصر والعراق , تك البلاد قد شاع فيها الجهل والانحراف العقدي فكيف سيكون حال أهل نجد ؟

لا شك أنك أخي المشاهد ستتصور مشهدا مظلما في غالبه والحقيقة أنه هكذا كان ؟
سأعرض الصور ة إجمالا ولعل أخي أبا المنتصر يقدم صورة أكثر تفصيلا

الصورة الإجمالية : أن الناس إذ ذاك انقسموا في شهادة التوحيد إلى قسمين :

القسم الأول وهم السواد الأعظم يقرون بلا إله إلا الله محمد رسول الله ولكنه إقرار خاوي عن معناه فالصلاة مضيعة والزكاة معدومة والصيام مجهول والحج موسم للسلب والنهب والنذر لقبور الأولياء وغير الأولياء والذبح لهم ودعاء الجن والخوف منهم والتحاكم إلى الطواغيت سائد بينهم كما حكى ذلك غير واحد ممن عاصر هذه الدعوة من الثقات .

وقسم آخر وهم محصورون في سكان القرى قليلة العدد والعدة يعرفون معنى الشهادتين ويقيمون أركان الإسلام لكنهم لا يقدمون شيئا فيما يتعلق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بل ربما حاربوا الداعي إلى إصلاح الناس كما فعل عدد منهم مع دعوة الشيخ .

أما الشيخ رحمه الله فلم يدع إلى أمر خطير كما يوهم كلام أعدائه كل ما دعا إليه ببساطة أن نحقق معنى لا إله إلا الله محمد رسول الله في أنفسنا وفي حياتنا العملية , هذه خلاصة دعوته فلماذا الغضب منها ؟

دعا محمد بن عبد الوهاب إلى مراجعة سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وماذا دعا الناس إليه ؟

وحين نصل إلى جواب نعلم أن ما دعا إليه رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم هو ما يجب علينا أن ننصاع له .

كيف نعرف حقيقة ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟

يقول لنا محمد بن عبد الوهاب إن ذلك سهل ميسور بإمكان كل مسلم فعله , وهو الرجوع إلى القرآن مباشرة , القرآن الذي هجر الناس تلقي العقيدة منه وأوكلوا ذلك إلى المشايخ والملالي , كل مؤلفات محمد بن عبد الوهاب يحاول فيها أن يربط المسلم بالقرآن مباشرة , هذا كتاب التوحيد لا يتكلم فيه الشيخ كثيرا يذكر الآية فقط أو الحديث ثم يذكر ما يمكن أن يستفيده كل إنسان منها سواء أمام عالما أم أميا , إن الأمية في نظر محمد بن عبدالوهاب لا تحول بين العبد وبين تعلم حقيقة ما عليه الرسول صلى الله عليه وسلم من القرآن مباشرة لأن الأمي من البشر والرسول أرسل إلى كل البشر فمن المحال أن ينزل الله القرآن ويجعل فهمه في أصول العقيدة مقصورا على العلماء فقط

محمد بن عبد الوهاب يحارب الوصاية على العقول باسم الدين ويدعوا إلى احترام العالم لأنه أكثر علما بالكتاب والسنة وطرق الاستنباط لأن لديه سلطة من الله على عقول البشر .

أشهر كتب الشيخ هو كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد استمع إلى الشيخ ما يقول في كتابه :

وقول الله تعالى : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) ، وقوله : ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن أعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) الآية ، وقوله : ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) الآية ، وقوله : ( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا) الآية ، وقوله : ( قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا) الآيات.

قال ابن مسعود رضي الله عنه : من أراد أن ينظر إلى وصية محمد صلى الله عليه وسلم التي عليها خاتمة فليقرأ قوله تعالى : ( قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم) ؟ إلى قوله ؟ ( وأن هذا صراطي مستقيماً..) الآية.

وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار فقال لي: ( يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟ ) ، فقلت: الله ورسوله أعلم. قال: ( حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا ) ، فقلت: يا رسول الله أفلا أبشر الناس؟ قال: ( لا تبشرهم فيتكلوا ) . أخرجاه في الصحيحين.

فيه مسائل :

الأولى : الحكمة في خلق الجن والإنس.

الثانية : أن العبادة هي التوحيد؛ لأن الخصومة فيه.

الثالثة : أن من لم يأت به لم يعبد الله، ففيه معنى قوله تعالى : ( ولا أنتم عابدون ما أعبد) .

الرابعة : الحكمة في إرسال الرسل.

الخامسة : أن الرسالة عمَّت كل أمة.

السادسة : أن دين الأنبياء واحد.

السابعة : المسألة الكبيرة أن عبادة الله لا تحصل إلا بالكفر بالطاغوت ، ففيه معنى قوله : ( فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله000 ) الآية.

الثامنة : أن الطاغوت عام في كل ما يعُبِد من دون الله .

التاسعة : عظم شأن ثلاث الآيات المحكمات في سورة الأنعام عند السلف. وفيها عشر مسائل، أولها النهي عن الشرك.

العاشرة : الآيات المحكمات في سورة الإسراء، وفيها ثماني عشرة مسألة، بدأها الله بقوله : ( لا تجعل مع الله إلهاً ءاخر فتقعد مذموماً مخذولاً ) ، وختمها بقوله : ( ولا تجعل مع الله إلهاً آخر فتلقى في جهنم ملوماً مدحوراً) ، ونبهنا الله سبحانه على عظم شأن هذه المسائل بقوله : ( ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة) .

الحادية عشرة : آية سورة النساء التي تسمى آية الحقوق العشرة ، بدأها الله تعالى بقوله : ( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً) .

الثانية عشرة : التنبيه على وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته.

الثالثة عشرة : معرفة حق الله تعالى علينا.

الرابعة عشرة : معرفة حق العباد عليه إذا أدوا حقه.

الخامسة عشرة : أن هذه المسألة لا يعرفها أكثر الصحابة.

السادسة عشرة : جواز كتمان العلم للمصلحة.

السابعة عشرة : استحباب بشارة المسلم بما يسره.

الثامنة عشرة : الخوف من الاتكال على سعة رحمة الله.

التاسعة عشرة : قول المسؤول عما لا يعلم: الله ورسوله أعلم.

العشرون : جواز تخصيص بعض الناس بالعلم دون بعض.

الحادية والعشرون : تواضعه صلى الله عليه وسلم لركوب الحمار مع الإرداف عليه.

الثانية والعشرون : جواز الإرداف على الدابة.

الثالثة والعشرون : فضيلة معاذ بن جبل.

الرابعة والعشرون : عظم شأن هذه المسألة

يذكر محرر مركز الأبحاث العقائدية : أن محمد بن عبد الوهاب تلميذ بليد لابن القيم لأنه سطحي في الاستنباط من النصوص , والحقيقة أن ما يسميه ذلك المحرر سطحية هو سر عظمة الشيخ محمد لأنه يريد أن يقرب القرآن للجميع بعد أن حاول الكثير من العلماء إيهام الناس أنه حكر على العلماء وأن استنباط العقيدة منه أمر بعيد المنال بل جعلوا حتى تفسيره أمرا معقدا .

محمد بن عبد الوهاب يقول بيسر وسهوله لا تدع إلا الله لأنه تعالى يقول ( وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ) لا تذبح إلا لله لأنه تعالى يقول (إن صلا تي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين )أين المشكلة إذا لماذا يكرهون محمد بن عبد الوهاب ؟

هل لأنه يقول إن الله أقرب إليك من البدوي والعيدروس والسقاف وابن علوان وسيدي بوزيد وسيدي موسى وعبد السلام بن مشيش ؟

هل لأنه يقول ذلك يكرهونه ؟ إن الله تعالى يقول ذلك فماذا تقولون في قو اله تعالى (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون )

محمد بن عبد الوهاب دعانا لنزع الخوف من قلوبنا الخوف الذي ينتاب الإنسان بشكل فطري حين يبتعد عن ذكر الله كما قال تعالى {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى }طه124 {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ }الزخرف36

هذه المعيشة الضنكة التي أشار إليها القرآن تتمثل في شعور الإنسان بحاجته للأموات وخوفه منهم يخاف من الجيلاني, والجيلاني عبد ميت في قبره ويخاف من العيدروس والبدوي والحسين يقدم القربات لهم بدلا أن يقدمها لله , لماذا يقول محمد بن عبد الوهاب لماذا لا تقدم قرباتك ونذورك لله وهو كفيل بأن يحقق ك ما تريد من الأمن والرضا كما قال تعالى : {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }البقرة245الله الذي يقبض ويبسط وليس صاحب القبر ولا صاحب الزمان فلماذا لا تقدم قرضك له خفية بأيدي الفقراء بدلا من صناديق النذور في المساجد {إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }البقرة271

قال لنا محمد بن عبد الوهاب إن الإنسان يشعر بعزته وإنسانيته الحقه وتكريم الله له حين يكون عبدا خالصا لله ولن يتم استعباده لله تعالى وهو خاضع للملا ولشيخ الطريقة , شيخ الطريقة والملا يجب أن ينظر إليهما العبد كندين له يشتركان معه في العبودية لله كما لهما بقدر خضوعهما لأوامر الله واجتنابهما لنواهيه , قد يكون العبد الأمي أفضل بمراحل من الشيخ العالم إذا كان أكثر التزاما بأوامر الله تعالى واجتناب نواهيه

قال لنا لا تجعلوا عقولكم بأيدي الكتاب والمفكرين والملالي , أنتم وهؤلاء الكتاب والملالي أقربكم من الله هو أتقاكم له كلكم سواء عند الله تعالى راجعوا القرآن وانظروا كما ينظر الملا {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }الحجرات13

أنا محمد السعيدي وسماحة مفتي المملكة العربية السعودية عيال على الدليل في مسائل أصول الدين ليس هو أولى بها مني أما فروع الفقه وما يسوغ فيه الخلاف فهو أكثر إحاطة بأقوال العلماء وأعظم قدرة على الاستنباط بحكم ما آتاه الله من علم

أفتش في القرآن هل يأمرني القرآن بالذبح والنذر والاستغاثة بغيره ؟

إذا كان الجواب نعم فأين هذا الخطاب الذي يأمرني فيه الله تعالى بالتوسل والاستغاثة بغيره

إذا كان الجواب لا فلماذا أعادي محمد بن عبد الوهاب

كل من رد على محمد بن عبد الوهاب يوافقه أن الذبح لله أفضل من الذبح لغيره والتوسل بالله مباشرة أفضل من التوسل , وإنما يخالفونه في أمر واحد وهو أنهم يرون أن التوسل والاستغاثة بغير الله تعالى مشروعة وهو لا يراها مشروعة .

ويقول لهم محمد بن عبد الوهاب أين الدليل على مشروعيتها من كتاب الله فلا يحيرون جوابا .

قال لنا محمد بن عبد الوهاب لا تعبدوا الله إلا بما شرع الله لا تؤلفوا عبادات من تلقاء أنفسكم لأن ابتدع عبادات جديدة مناف لكما الدين ولا يعبد الله إلا بما شرع والله قد أكمل الدين( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً }المائدة3

فمن رأى أنه يتقرب إلى الله تعالى بهذه الموالد والعزاءات والمآتم والتطبير وشد الرحال إلى القبور وسؤال الله عندها أو سؤال أصحابها من دون الله فقد أحدث في دين الله ما ليس منه وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة

قال لنا الشيخ رحمه الله إن من أعظم أضرار الإحداث في الدين والابتداع فيه أن الإنسان يتعلق بالبدعة أكثر من تعلقه بالسنة ولهذا نجد هذه المحدثات يحرص عليها أصحابها ويوالون فيها ويعادون فيها أكثر من حرصهم على الموالاة والمعاداة في الفرائض , فنجد مثلا رجلا لا يصلي ولكنه يقر المآتم والعزاءات لا يجافيه أهله ولا يعادونه ورجلا يمنع المآتم والعزاءات ويقيم الصلاة نجد أن أهله يعادونه ويبغضونه
لذلك يبغض الكثيرون محمدا بن عبد الوهاب لأنه يمنع من البدع ويدعوا إلى إقامة السنن وهذا من شدة شؤم البدعة وعظيم ضررها وشرها

أختم بالقول من أراد أن يعرف عن محمد بن عبدالوهاب فليقرأ كتبه مباشرة ولا يقرأ ما كتب عنه فيس في كتبه رحمه الله سوى آيات الكتاب المنير وهي كتب صغيرة الحجم عظيمة القدر في متناول فهم الكبير والصغير العالم والجاهل وكل من يكتب عن كتب الشيخ من خصومه إنما يريد أن يصد الناس عنها لتستمر وصاية العباد على عقول العباد

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.