مختارات من كتاب مداواة النفوس لابن حزم

تكبير الخط تصغير الخط

‏كل أمل ظَفرت به فعقباه حزن إِمَّا بذهابه عنك وإما بذهابك عنه وَلَا بد من أحد هذَين الشبلين إِلَّا الْعمل لله عز وَجل فعقباه على كل حَال سرور في عاجل وآجل.

فطرد الْهم مَذْهَب قد اتّفقت الْأُمَم كلهَا مذ خلق الله تَعَالَى الْعَالم إِلَى أَن يتناهى عَالم الِابْتِدَاء ويعاقبه عَالم الْحساب.

 

وَلَيْسَ فِي الْعَالم مذ كَانَ إِلَى أَن يتناهى أحد يستحسن الْهم وَلَا يُرِيد طرده عَن نَفسه

بحثت عَن سَبِيل موصلة على الْحَقِيقَة إِلَى طرد الْهم الَّذِي هُوَ الْمَطْلُوب للنَّفس الَّذِي اتّفق جَمِيع أَنْوَاع الْإِنْسَان الْجَاهِل مِنْهُم والعالم والصالح والطالح على السَّعْي لَهُ فَلم أَجدهَا إِلَّا التَّوَجُّه إِلَى الله عز وَجل بِالْعَمَلِ

 

وباذل نَفسه فِي عرض دنيا كبائع الْيَاقُوت بالحصى

لَا مُرُوءَة لمن لَا دين لَهُ

الْعَاقِل لَا يرى لنَفسِهِ ثمنا إِلَّا الْجنَّة

لإبليس فِي ذمّ الرِّيَاء حبالة وَذَلِكَ أَنه رب مُمْتَنع من فعل خير خوف أَن يظنّ بِهِ الرِّيَاء

 

من قدر أَنه يسلم من طعن النَّاس وعيبهم فَهُوَ مَجْنُون

من حقق النّظر وراض نَفسه على السّكُون إِلَى الْحَقَائِق وَإِن آلمتها فِي أول صدمة كَانَ اغتباطه بذم النَّاس إِيَّاه أَشد وَأكْثر من اغتباطه بمدحهم إِيَّاه

 

 

فالسعيد من أنست نَفسه بالفضائل والطاعات ونفرت من الرذائل والمعاصي والشقي من أنست نَفسه بالرذائل والمعاصي ونفرت من الْفَضَائِل

 

فالعاقل لَا يغتبط بِصفة يفوقه فِيهَا سبع أَو بَهِيمَة أَو جماد وَإِنَّمَا يغتبط بتقدمه فِي الْفَضِيلَة الَّتِي أبانه الله تَعَالَى بهَا عَن السبَاع والبهائم والجمادات وَهِي التَّمْيِيز الَّذِي يُشَارك فِيهِ الْمَلَائِكَة فَ

لَو لم يكن من فضل الْعلم إِلَّا أَن الْجُهَّال يهابونك ويجلونك وَأَن الْعلمَاء يحبونك ويكرمونك لَكَانَ ذَلِك سَببا إِلَى وجوب طلبه

 

وَلَو لم يكن من نقص الْجَهْل إِلَّا أَن صَاحبه يحْسد الْعلمَاء ويغبط نظراءه من الْجُهَّال لَكَانَ ذَلِك سَببا إِلَى وجوب الْفِرَار عَنهُ

أنظر فِي المَال وَالْحَال وَالصِّحَّة إِلَى من دُونك وَانْظُر فِي الدّين وَالْعلم والفضائل إِلَى من فَوْق

 

وقف الْعقل عِنْد أَنه لَا ينفع إِن لم يُؤَيّد بِتَوْفِيق فِي الدّين أَو بِسَعْد فِي الدُّنْيَا

 

لَا تضر بِنَفْسِك فِي أَن تجرب بهَا الآراء الْفَاسِدَة لتري المشير بهَا فَسَادهَا فتهلك

 

 

لا آفة على العلوم وأهلها أضر من الدخلاء فيها وهم من غير أهلها فإنهم يجهلون ويظنون أنهم يعلمون ويفسدون ويقدرون أنهم يصلحون

 

إحرص على أن توصف بسلامة الجانب وتحفظ من أن توصف بالدهاء فيكثر المتحفظون منك

 

أول من يزهد في الغادر من غدر له الغادر وأول من يمقت شاهد الزور من شهد له به وأول من تهون الزانية في عينه الذي يزني به

 

ما رأينا شيئا فسد فعاد إلى صحته إلا بعد لأي فكيف بدماغ يتوالى عليه فساد السكر كل ليلة

 

لا شيء أضر على السلطان من كثرة المتفرغين حواليه فالحازم يشغلهم بما لا يظلمهم فيه فإن لم يفعل شغلوه بما يظلمونه فيه

 

 

من قبيح الظلم الإنكار على من أكثر الإساءة إذا أحسن في الندرة

 

 

وأبلَغَ في مدٌحِك من ذَمَّك بما ليس فيك لأنه نَبَّه على فضلك ولقد انتصر لك من نفسه

 

من طوى من إخوانك سره الذي يعنيك دونك أخون لك ممن أفشى سرك

 

لا ترغب فيمن يزهد فيك فتحصل على الخيبة والخزي لا تزهد فيمن يرغب فيك فإنه باب من أبواب الظلم

 

لا تنصح على شرط القبول منك فإن تعديت هذه الوجوه فأنت ظالم لا ناصح.

 

ثق بالمتدين وإن كان على غير دينك ولا تثق بالمستخف وإن أظهر أنه على دينك.

 

والاكفهرار وقلة الانبساط ستائر جعلها الجهال الذين مكنتهم الدنيا أمام جهلهم

 

العتاب للصديق كالسبك للسبيكة فإمَّا تصفو وَإِمَّا تطير

 

وَلَا تنصح على شَرط الْقبُول مِنْك.

 

 

كُنَّا نظن أَن الْعِشْق فِي ذَوَات الْحَرَكَة والحدة من النِّسَاء أَكثر فَوَجَدنَا الْأَمر بِخِلَاف ذَلِك وَهُوَ فِي الساكنة الحركات أَكثر مَا لم يكن ذَلِك السّكُون بلها.

 

ما رَأَيْت الْعجب فِي طَائِفَة أقل مِنْهُ فِي أهل الشجَاعَة فاستدللت بذلك على نزاهة أنفسهم ورفعتها وعلوها.

 

إن أعجبت بنسبك فَهَذِهِ أَسْوَأ من كل مَا ذكرنَا لِأَن هَذَا الَّذِي أعجبت بِهِ لَا فَائِدَة لَهُ أصلا فِي دنيا وَلَا آخِرَة

فَكلما نقص الْعقل توهم صَاحبه أَنه أوفر النَّاس عقلا.

 

وَإِيَّاك وذم أحد لَا بِحَضْرَتِهِ وَلَا فِي مغيبه فلك فِي إصْلَاح نَفسك شغل.

 

الْحَكِيم لَا تَنْفَعهُ حكمته عِنْد الْخَبيث الطَّبْع بل يَظُنّهُ خبيثا مثله وَقد شاهدت أَقْوَامًا ذَوي طبائع رَدِيئَة وَقد تصور فِي أنفسهم الخبيثة أَن النَّاس كلهم على مثل طبائعهم لَا يصدقون أصلا بِأَن أحدا هُوَ سَالم من رذائلهم بِوَجْه من الْوُجُوه وَهَذَا أسوء مَا يكون من فَسَاد الطَّبْع.

 

الاستهانة نوع من أَنْوَاع الْخِيَانَة إِذْ قد يخونك من لَا يستهين بك وَمن استهان بك فقد خانك .

 

من أَرَادَ الْإِنْصَاف فليتوهم نَفسه مَكَان خَصمه.

كم رَأينَا من فاخر بِمَا عِنْده من الْمَتَاع فَكَانَ ذَلِك سَببا لهلاكه فإياك وَهَذَا الْبَاب الَّذِي هُوَ ضرّ مَحْض لَا مَنْفَعَة فِيهِ أصلا.

 

أعدل الشُّهُود على المطبوع على الصدْق وَجهه لظُهُور الاسترابة عَلَيْهِ إِن وَقع فِي كذبة أَو هم بهَا.

يَنْبَغِي للعاقل أَن لَا يحكم بِمَا يَبْدُو لَهُ من استرحام الباكي المتظلم وتشكيه وَشدَّة تلويه وتقلبه وبكائه.

وَإِذا ورد عَلَيْك خطاب بِلِسَان أَو هجمت على كَلَام فِي كتاب فإياك أَن تقابله مُقَابلَة المغاضبة الباعثة على المغالبة قبل أَن تتبين بُطْلَانه ببرهان قَاطع.

 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.