شيء مما يجب

تكبير الخط تصغير الخط

يبدو لي أن إيران ترى في سقوط النظام المصري السابق نهاية حليف قوي لا يمكن لها السير باطمئنان في خطتها الخليجية مع وجوده، وترى في اضطراب النظام اليمني أيضًا زوال عقبة كأداء تحول بينها وبين جيوبها الناشطة في الجبهة الجنوبية للمملكة العربية السعودية.
لم يبقَ بينها وبين مطامحها إلاّ أن تنشغل السعودية بلملمة أطرافها، وسد جبهتها الداخلية حتى ينتقل عملها إلى مرحلته التالية، وهي تقسيم الخليج على النحو الذي يطيب لها ولشريكتها في المنافع الولايات المتحدة الأمريكية.
لكن الشعب السعودي أثبت في الحادي عشر من مارس، أنه أفقه شعوب المنطقة في السياسة وألاعيبها، وأكثرها قدرة على تقدير المواقف بعيدًا عن مؤثرات الإعلام واستفزازاته، كما أثبت أنه شعب يؤمن بخصوصيته السياسية كإيمانه بخصوصيته الدينية والاجتماعية، بل إن إيمانه بالأولى نتاج إيمانه بالأخريين.
فسدت خطة دهاقين السياسة في إيران على يد المواطن السعودي، وقدرت الدولة هذا الدور للمواطن فشكرته قولاً وعملاً، لكن هذا كله ليس أهم ما في حديثنا.
مرت أيام على خطاب الملك وقراراته التي نشرت الفرحة في جنبات الوطن الآمن، وأيدت ثقة الحاكم والمحكوم بجبهتهم الداخلية، إلاّ أن الانشغال بالفرح عن العمل بما يجب لاستدامته ليس من شأن الحكماء، والواقع المشهود يؤكد أن الخطر ما زال ماثلاً.
لا زالت إيران كما هي بخططها وأطماعها، ولا زالت الولايات المتحدة وربيبتها من وراء كل علّة وعاهة.
فماذا علينا أن تفعل ؟
قدمت القرارات الملكية عددًا من الخطوات الضرورية لردع الخطر المحدق، وأعني بها ما يتعلّق بحفظ الجبهة الداخلية عن طريق تعزيز الأمن العام بستين ألف عنصر جديد من شبابنا، وحفظ جبهتنا الفكرية عن طريق حماية الهيئات العلمية الشرعية من التجاوزات الإعلامية، وإمداد الهيئات الشرعية بالمال والطاقات الوظيفية والإدارية.
كل هذه القرارات خطوات ممتازة في سبيل درء الخطر وتأمين البلاد من كل سوء بعون الله سبحانه وتعالى، قدمتها الدولة ولا أشك أن لديها المزيد ممّا تقدمه قد لا تقتضي المصلحة عدم الإعلان عن كثير منه.
فما أتوقعه من الأنشطة مستقبلاً دعم مكاتب الدعوة في الخارج، وتفعيل دورها الريادي في نشر الإسلام وفق الفهم السلفي الواضح، والذي قامت عليه هذه البلاد، وكذلك زيادة نشاط المنظمات الدولية التي تشرف المملكة العربية السعودية عليها كالندوة العالمية للشباب الإسلامي، ورابطة العالم الإسلامي، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وتبني بعض المؤسسات التي قامت على أكتاف أبناء هذه البلاد كرابطة علماء المسلمين، فإن هذه الهيئات والمؤسسات إذا فُعِّل دورها وفق خطط جديدة تتناسب والتحدي القائم سيكون لها أبلغ الأثر في توسيع النطاق الفكري المنتمي للمملكة العربية السعودية، الأمر الذي يكفل بالتأكيد تحطيم الحصار العقائدي الذي يُراد فرضه على بلادنا من كل اتجاه.
كما يبدو لي أيضًا أننا سنشهد توجهًا نحو دعم القنوات الفضائية الدعوية، وإنشاء أخريات بلغات أُخر أهمّهن اللغة الفارسية بلهجاتها المختلفة الفهلوية والآذرية والأفغانية وغيرها، وذلك لأمر إلهي، وهو وجوب دعوة الناس إلى العقيدة الصحيحة التي لا لبس فيها ولا خرافة، وسوف يكون امتثال هذا الأمر بمثابة إحباط للمخطط الصفوي من داخل أراضيه، فضلاً عمَّا في هذا الأمر من الفضل العظيم من الله سبحانه وتعالى الذي قال (ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة).
لا يخفى أننا في مملكتنا نمتلك أعظم سلاح فكري في العالم وهو العقيدة السهلة الميسرة التي تلبي مطالب الروح والعقل والجسد على حد سواء، وتمثل إغراءً عظيمًا لسائر شعوب الأرض ولا سيما تلك التي تُحكم بعقائد تمتزج فيها الخرافة بالمادية، إضافة إلى التعقيد ومصادمة الروح والعقل والجسد.
لكنه سلاح لم يتم استغلاله على الوجه الممكن، الممكن فقط وليس المستطاع.

التعليقات

التعليقات مغلقة.