الأزمة في مصر بين حسن التدبير وسوء التقدير

تكبير الخط تصغير الخط

بِسْم الله الرحمن الرحيم

الأزمة في مصر بين حسن التدبير وسوء التقدير

الحمد لله وحدة والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. وبعد:

بداية أقول إنني لم أقرأ في التسبيبات المختلفة التي انتشرت هنا وهناك لأحكام الإعدام والمؤبد بحق قيادات الإخوان في مصر ورئيسها الأسبق ما يمكن أن يُقنع رجلاً بسيطاً ساذجاً ، فضلاً عن أن يقتنع به حقوقيون وشرعيون وسياسيون منحازون أو محايدون ، التسبيبات التي اطَّلعتُ عليها غير مجدية في إقناع أحد ، وآخرها ما ورد في بيان وزارة الخارجية المصرية ، فكُلُّه حشد من التكلفات غير قادرة على جلب التعاطف أو العذر ، فما بالك بعجزها عن جلب القناعات .
ومع ذلك فهي أحكام صادرة من دولة قوية ممسكة بزمام الأمور قادرة على تنفيذ تلك الأحكام دون أي مبالاة بأحد ، وقد فعلت ما هو أكبر من تلك الأحكام وقتلت دون محاكمة عدداً أكبر بكثير ممن تم الحُكم عليهم .
لذلك فإنني أعتقد أن أي معالجة جادة لهذا الأمر ليس طريقها الضغط الدولي على القيادة المصرية ولا محاولة التجييش الشعبي او التهديد باستمرار الثورة والانتقام الشعبي من النظام ، وكذلك ليس بافتعال قصص ليس لها أساس من الصحة عن عزلة النظام وتخلي دول الخليج عنه وسعيها لإيجاد بديل له في الحكم …
كل ذلك ليس سبيلاً في تقديري مُوصِلاً لحل الأزمة،فالنظام العسكري أو النظام المدني المعتمِد على قوة عسكرية لا يزيده التهديد والوعيد والإرعاد والإزباد إلا إصراراً ، وَمِمَّا يزيد في إصراره شعوره بالتمكن والسيطرة وتحقيقُه نجاحات كبيرة على الأرض في مجالات شتى منها الأمني والاقتصادي والعمراني والاجتماعي ، نجاحات حقيقية وليست مجرد دعاية ، وقد لمسها المواطن المصري بيده ورآها بعينه ، صحيح أن الإعلام المصري الرسمي وغير الرسمي أصبح من التهافت بالقدر الذي يعجز فيه عن إبراز هذه النجاحات لنا في العالم العربي ، وصحيح أن الدعاية الإخوانية ضد السيسي ونظامه ملأت الأسماع والأبصار وجعلت الكثيرين خارج مصر يظنون أنها دولة عاجزة ومتهالكة ، لكن كل ذلك ليس الحقيقة ، كما أن الحقيقة أنه نظام يعتمد على قدر غير قليل من الشعبية بين مختلف طبقات وشرائح المجتمع ، وليس نظاماً منبوذاً مكروهاً من شعبه كما يحلو للكثيرين أن يتصوروا ، أو كما يُصَوِّر لنا الإعلام المتعاطف مع الإخوان، أقول ذلك ليس دفاعاً عن السيسي كما قد يحب البعض أن يتكلم ، لكنْ حكايةً للواقع الذي لا يمكن لتصرفاتنا أن تكون صحيحة مالم تكن منطلقة من فهمه .
هذا هو الواقع ، نظام قوي ، حقق نجاحات ، مدعوم شعبياً، وعسكرياً ، ونظام كهذا لا يستجيب للتهديد والوعيد والضغط ، لأنه يعلم أن استجابته تعني فتح المجال لسلسلة من الضغوطات لن يكون بإمكانه الاستجابة لها ،ولن يستطيع إسقاطها .
إذا كُنَّا جادين في رغبتنا تخليص هؤلاء الإخوة من أحكام الإعدام وإنقاذ مصر بأسرها مما قد يُصيبها من بلاء لو تم فعلاً تنفيد هذه الأحكام ، فعلينا أولاً إقناع الكُتاب ليس من الإخوان وحسب ، بل من كل الاتجاهات التي ترى في أحكام الإعدام انتهاكاً للشرع والقانون والقضاء المستقل ، إقناعهم بالتخلي عن لغة التصعيد والتهديد والوعيد التي هي حتى الآن اللغة المستخدمة والتي أجزم أنها إن استمرت فلن تنتهي إلَّا إلى نتائج مأساوية ربما لا تتوقف عند إعدام المحكومين بل تتجاوزه إلى أمور لا تُحمد عقباها .
أما ثانياً: فإقناع قادة الإخوان داخل السجون وخارجها أن أوراقهم الباقية معهم ضعيفة جداً ، وأبرز من يُمكنه إقناعهم بذلك أكثرُ الناس معرفة بذلك ، وأعني القيادة التركية والقيادة القطرية اللتان لا أظن أنه يخفى عليهما ضعف موقف الإخوان في مصر وبعد فُرَصِهم الذاتية في العودة وأن آخر فرصة للانحنا، للعاصفة هي الفرصة الراهنة وبعدها ليس سوى السقوط الذريع والذي لو كانت الخشية مقتصرة على كونه سقوطاً للإخوان وحسب لما كان الأمر بتلك الخطورة ، لكن الخشية أن تكسر الريح أبوابا يتدفق منها شر لا يتوقف إلى يوم الدين .
حين تقوم تركيا وقطر بهذا الدور فإنهما يُثْبِتان حقاً شفقتهما على هؤلاء المحكومين وحَدَبَهُما على مصر وشعبها ، أما إذا أبت هاتان الدولتان فعل ذلك ، فليعلم الإخوان أنهما تُقَامِرَان بهما في لُعْبَة خاسرة .
ثالثا: إقناع القيادة المصرية بمقابلة استجابة الإخوان _إن حصلت هذه الاستجابة _ باستجابة مُقابِلَة تبدأ بالتفاوض وتنتهي بإسقاط أحكام الإعدام عن تلك القيادات تحت أي توصيف دستوري ، سواء أسُمي عفواً رئاسياً أو استجابة لرغبات كثيرة دولية أم عربية أم محلية، المهم أن تأتي النتيجة بانفراج الآزمة .

ما قدَّمتُه يقوله أكثر العقلاء في مجالسهم ومنهم من كتب ذلك، وهو الموافق لعدد من القواعد الشرعية ، كقاعدة درء المفاسد مقدم على جلب المصالح وقاعدة إذا اجتمعت مفسدتان يقدم أقلهما ضرراً.
كما يتوافق مع القاعدة السياسية التي طالما سمعنا قادة الإخوان يُدَافِعُون بها عن أنفسهم حين يُقْدِمُون على تقديم التنازلات وهي : السياسة فن الممكن .
أما التعويل على الاستنكار الأمريكي والألماني وما تقوله الصحف في تلك الدولتين فأنخداع عظيم بمن سبق وتمت تجربته ولم يجد شيئا ، ولا أعلم سبباً أو تجربة ناجحة للإخوان مع الغرب تدعوهم للانسياق وراء مثل هذه التصريحات والوثوق بها .
وأخيراً : أسأل الله أن يُعِز مصر وأهلها وأن يُجَنِبَها الفتن ما ظهر منها وما بطن .

د محمد بن إبراهيم السعيدي

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.