أوباما والطفرة الجينية

تكبير الخط تصغير الخط

فوز أوباما بالانتخابات الأمريكية طفرة جينية في حاجة إلى الوقوف عندها وتأملها والكتابة عنها , لكنها مثل جميع الطفرات الجينية لابد لفهمها من التروي والصبر والتريث في إصدار الأحكام حتى تنجلي كثير من الأمور التي تخفى عادة وقت أول ظهور لهذه الطفرة .

وأسوأ من التعجل في إصدار الأحكام على الطفرات الجينية أن نبني على أحكامنا السريعة توصيات ونصائح ربما يغتر بها البعض ويثبت فيما بعد بطلانها بثبوت بطلان ما بنيت عليه .

من هذا المنطلق أجد أنني منساق إلى نقد كل من مجد الديمقراطية الأمريكية التي منحت حكم الولايات المتحدة الأمريكية لرجل أسود ويشجعني على مواصلة نقدي هذا أن طفرة انتخاب أوباما صاحبها عدد من الظواهر العجيبة وهو أمر معروف لدى المتخصصين الذين يؤكدون أن الطفرات الجينية يصاحبها غالبا ظواهر غير معتادة تنذر بحدوثها .

ومن أبرز الظواهرالغريبة  التي صاحبت انتخاب أوباما الارتفاع غير المبرر عمليا لنسبة المشاركين في انتخابات هذه الدورة فليس للرجل ما يؤهله للفوز سوى كونه أسودا فاتحا وليس أوسودا غامقا فلم يكن الرجل ذا خبرة سياسية أو إدارية ولا يملك ثقافة عالية كما أن جذوره السوداء ليست عميقة في المجتمع الأمريكي كغيره من السود .

إذا لماذا كل هذا التهافت على المشاركة في الانتخابات ؟

ولنتخيل أن المرشح مكان أوبامارجل أبيض ذا خبرة عريضة في الإدارة والسياسة وصاحب فكر ومؤلفات ومعروف بنجاحه الاقتصادي وبعده عن دعوات الحرب والاستكبار , هل كانت الانتخابات ستحضى بمثل هذا العدد من المشاركين ؟

إذا أجبت مثلي بلا , فأنت تسلم معي أن كل ذلك كان ظاهرة مصاحبة لطفرة جينية عجيبة, وهذه  الظاهرة لا تبتعد كثيرا عن طبيعة المجتمع الأمريكي المولع بالإثارة والمشاركة في كل ما هو مثيرولا أعتقد أن أحدا منا ينكر مستوى الإثارة الرفيع الذي تضمنته هذه المنافسة وهي إثارة لا يمكن أن ننفي دورها الكبير في نجاح هذه الانتخابات التي حظيت أيضا بمتابعة إعلامية أمريكية لا يمكن أن نقول إلا أنها استثنائية .

واتفاقنا على الجزم بأثر الإثارة في نجاح هذه المنافسة يؤدي بنا شعرنا أم لم نشعر إلى التقليل من قيمة الديمقراطية في الولايات المتحدة الأمريكية, إذ إن النظام الذي يوصل إلى سدة الحكم رجلا على أساس الإثارة لا يمكن أن يقال إنه أكثر عدلا من نظام يصل فيه الحاكم على أساس الوراثة أو أي وسيلة أخرى .

ولنسلم جدلا أن فوز أوباما جاء لإيمان المجتمع الأمريكي بحقوق الأقلية السوداء وتكفيرا عما نالها من المظالم عل يد الأكثرية البيضاء , إن سلمنا بذلك فهو أكثر هدما لقيمة الديمقراطية من أي افتراض آخر , لأن التكفير عن الذنب وإن كان شيئا جميلا في ذاته إلا أنه يكون قبيحا جدا حين يكون هو  المسوغ الظاهر للوصول إلى الحكم

وربما يقال إن مقامرة الأمريكيين ببلادهم وتنصبهم لمن لا يملك من مؤهلات القيادة سوى لون بشرته دليل واضح على قناعة المواطن الأمريكي بعدم فاعلية الرئيس وأن صاحب هذا المنصب إنما هو ناطق رسمي فقط لصناع السياسة الأمريكية من كلا الحزبين لذلك يرون أنه لا عليهم حين ينساقون وراء وسائل الإعلام ويساهمون  بدورهم المؤثر في هذه المسرحية الانتخابية الكبيرة

أيا من هذين الاعتبارين كان صحيحا فهو اعتبار قادح في مكانة الانتخابات الأمريكية

وإذا وضعنا البعد الاستراتيجي من وراء فوز أوباما انقدح في أذهاننا ما يوحي لنا بأن هذا الفوز صنع له ولم يصنعه لنفسه صنع له ليتجه بالولايات المتحدة لإعادة ما خسرته من تقدير واحترام شعوب العالم لها , فمما هو مسلم به ؟عندي على الأقل ؟ أن أمريكا بعد تدخلاتها الأخيرة في شئون الدول والشعوب فقدت الكثير الكثير مما كانت تحض به من احترام , وأن فوز المهاجر الإفريقي أعاد لها الكثير الكثير مما خسرته , بل ورمت الولايات المتحدة بهذا الفوز تبعات تلك الخسارة على آل بوش وحدهم , لا لعى النظام الأمريكي , ولا أدل على ذلك من أننا نجد كاتبا إسلاميا كان بالأمس القريب يشنأ أمريكا  تغيره سحنة أوباما وتنسيه ما فعلته ديمقراطتها بالأمس , كما يأتي الليل على النهار ليمحو كل معالمه 

 

التعليقات

التعليقات مغلقة.