آخر الأخبار
الخروج في سبيل الله
تزوجت قبل شهرين برجل ذي خُلُق ودين، وهو من رجال الدعوة، ويخرج كل أسبوعين في سبيل الله، وهو يريد أن يخرج في سبيل الله في عطلة الصيف (أربعين يوماً)، ويريدني أن أبقى في البيت لوحدي، وأنا أعارض أن أبقى في البيت لوحدي؛ لأني أخاف أن أبقى في بيت ليس فيه رجال، وحتى عند خروجه ثلاثة أيام أبقى عند أهلي، علماً بأني أرى خارجين في سبيل الله وضعهم الاجتماعي في البيت مزرٍ، وأرى أنهم يلوثون سمعة الخارجين في سبيل الله، علماً أني لا أكره الخروج في سبيل الله. أرشدوني مأجورين.
الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف خلق الله، وبعد:
الخروج في سبيل الله الذي يقوم به إخواننا المنتسبون إلى جماعة التبليغ ليس سنة واردة عن الرسول الكريم، ولا عن أحد من السلف رضي الله عنهم بهذه الصفة التي يفعلونها، وإنما يفعله هؤلاء الإخوة من باب تنظيم أنفسهم، وترتيب شئون الدعوة، وتدريب من معهم على فضائل العبادات ومكارم الأخلاق بأسلوب عملي، والمفترض فيمن التحق بهم أن لا يجعل الخروج معهم أمرا لازما لأنه ليس بسنة، والدعوة إلى الله تعالى كثيرة المسالك ولله الحمد والمنة، وقد جاءت الشريعة الغراء بالموازنة بين المصالح والمفاسد، وقد نص العلماء على أن السنة الثابتة عن رسول اله صلى الله عليه وسلم ولم تكن واجبا أو فرضا إذا كان يترتب على فعلها مفسدة فإن الأولى عدم فعلها، وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب القواعد النورانية (1/21): “ويستحب للرجل أن يقصد إلى تأليف هذه القلوب بترك هذه المستحبات؛ لأن مصلحة التأليف في الدين أعظم من مصلحة فعل مثل هذا كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم تغيير بناء البيت لما رأى في إبقائه من تأليف القلوب، وكما أنكر ابن مسعود على عثمان إتمام الصلاة في السفر ثم صلى خلفه متما، وقال الخلاف شر”. وكان ابن تيمية يتحدث عن بعض السنن المهجورة والتي قد يؤدي العمل بها فجأة إلى نفور العامة الذين لا يعرفون كونها سنة.
وقرر هذه القاعدة الشاطبي رحمه الله في الموافقات، (4/62) وعدد من أكابر العلماء رحمهم الله.
فإذا كانت السنن النبوية يستحب تركها في حال ترتب مفسدة على إيجادها فمن باب أولى أن يترك ما ليس بسنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كان فيه مصلحة مرجوحة.
وفي حال الأخت السائلة لا شك أن ترك زوجها للخروج وبقائه مع زوجه فيه مصلحة راجحة من عدة وجوه: أولها: أن رعايته لبيته وزوجه واجب، والخروج إلى الدعوة على الصفة التي ذكرتها في أحسن أحواله يكون مباحا، والواجب مقدم على المباح، ودليل وجوب رعايته لزوجه قوله صلى الله عليه وسلم: “كلكم راع ومسئول عن رعيته فالرجل راع في أهل بيته ومسئول عن رعيته”.
الثاني: أن المفسدة من إبقاء المرأة وحدها أو في بيت أهلها دون مبرر فيه من المضار النفسية والاجتماعية والصحية ما لا يخفى على عاقل، بينما المفسدة من ترك الزوج الخروج متوهمة لاسيما وأن سبل الدعوة كثيرة ولله الحمد.
وأنصح هذه الأخت الكريمة ببذل النصيحة لزوجها، ومطالبته بأسلوب الرفق أن يسأل الدعاة والعلماء عن فعله هذا، وما دام الرجل من أهل الدين ولله الحمد فإن المأمول فيه وفي أمثاله الامتثال للحق إن شاء الله، وقد يطول الوقت ريثما يقتنع بوجهة النظر هذه، وعليها أن تتذرع بالصبر الجميل إلى أن يهديه الله تعالى إلى الصواب، ولتعلم أنها في صبرها هذا مأجورة إن شاء الله.
كما آمل أن تتذكر هذه الأخت الكريمة أنها حديثة الزواج، وفي الزواج الحديث من المعتاد أن يكون هناك شيء من قلة الألف بين الزوجين، فلعله إن شاء الله إذا طال الزمن بينكما إن شاء الله أن تتمكن بينكما الألفة والمودة مما يجعله يحبذ المقام لديك إن شاء الله من تلقاء نفسه. هذا والحمد لله أولاً وآخر.
التعليقات