تونس القادمة علمانية أم إسلامية

تكبير الخط تصغير الخط

تونس القادمة علمانية أم إسلامية.

بسم الله الرحمن الرحيم

تونس القادمة علمانية أم إسلامية

الفكر العلماني لا يتقبل أي طرح إسلامي مهما حاول الإسلاميون تمييع الدين وتقليص المسافات بينهم وبينه .

حادثة الأربعاء في تونس هي أكبر دليل عملي تقدمه الوقائع وليس التوقعات في عصرنا الحاضر , فهل يستفيد قادة العمل الإسلامي من تجربة الأربعاء ويعيدوا تكوين استراتيجياتهم على ضوء درس التجربة الأخيرة .

ياله من  ظرفٍ عصيب تمر به حركة النهضة بعد أن عقد المجلس التأسيسي يوم الأربعاء الماضي الموافق 24/2/1433هـ  جلسته الثانية لإجراء تصويت يتم على أساسه تكليف الشخصية التي سوف تتولى رئاسة اللجان المنوط بها كتابة الدستور التونسي.

وكان الصراع محتدما فيه بين حزب النهضة وبين شركائه في الحكم من الأحزاب ذات الجذور الاشتراكية والتي يتكون منها ما يَقارب ال55%من أعضاء المجلس , انتهى الأمر بإدراك النهضة أنها لا تملك الأغلبية التي تضمن لها نتيجة التصويت فانسجبت تاركة هذا المنصب الحساس لمصطفى بن جعفر الذي جمع بكلتا يديه بين رئاسة المجلس التشريعي ورئاسة اللجان المُكَوِّنة للدستور التونسي القادم .

لا يخفى على المتابعين أن النهضة لم تدرك عجزها عن حشد أصوات المتابعين من خلال هذا الموقف وحده , بل كان للمجلس اجتماع سابق لهذا الغرض نفسه حاولت أثناءه حشد الأصوات فلم تتمكن من ذلك فأرجأت التصويت على أمل أن تستطيع تنسيق جهودها خارج القاعة لكن هذا الاجتماع جاء وقت وصلت إلى القناعة التامة بأن الانسحاب قبل التصويت هو أفضل الحلول .

والعجيب أن هذا الخبر لم يحض بتغطية إعلامية تتناسب مع أهميته , كما لم ينل من التحليلات التي تناقشه من جانب السياسة ومن جانب أثره على المستقبل التونسي ما يُفترض أن يكون له .

فهذا التصويت في تقديري هو أول اختبار حقيقي لقدرات النهضة في تمرير طرحها الذي جاء بها إلى الحكم وهو الطرح الإسلامي , وكما يظهر فإنها قد فشلت في هذا الاختبار فشلاً ذريعاً  , فمسطفى بن جعفر ذو الاثنين وسبعين عاما , علماني ذو خلفية اشتراكية بل هو أحد مؤسسي حركة الديمقراطيين الاشتراكيين في نهاية السبعينات من القرن الماضي .

فشلت الحركة في إثبات قدرتها على التأثير على حلفائها لتحقيق أعظم هدف يسعى إليه أي حزب إسلامي وهو الإمساك بزمام القيادة في صياغة الدستور .

كما كان هذا الفشل علامة على فشل التكتيك الذي اتبعته النهضة في التحالف مع حزبين علمانيين لائكيين لكل منهما خلفيته الاشتراكية التي لا يتنصل منها ولا يعرف أقطابهما بالتعاطف مع العمل الإسلامي , مع أن المجال كان متاحاً أمام النهضة قبل الانتخابات  وذلك بتقديم تزكيةٍ لأحزاب وطنية تنتظم قيادات إسلامية مثل التحالف الديمقراطي المستقل والذي يضم شخصية مرموقة ذات سابقة في حركة النهضة وهو المحامي عبدالفتاح مورو , وبعد الانتخابات أيضا كان المجال متاحا أمامها في التحالف مع فعاليات أخرى أقرب إلى الطرح النهضوي الإسلامي من حلفائها الحاليين ومن أبرزهم العريضة المستقلة التي يرأسها الإعلامي المعروف الدكتور محمد الهاشمي الحامدي ,والذي حصلت عريضته على المركز الثاني من حيث عدد الأصوات أي أكثر من  أصوات حزب المؤتمر من أجل الديمقراطية والذي يرأسه المنصف المرزوقي الرئيس التونسي الحالي, كما أن العريضة حصلت على المركز الثالث من حيث المقاعد أي أكثر من التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات والذي يرأسه مصطفى بن جعفر .

هذا التكتيك من حزب النهضة فشل في جعل النهضة هي المؤثرة في القرار , وقد كانت تعتقد أن هذين الحزبين سيحفظان الجميل للنهضة ويكونان طيِّعين في يدها , بعد أن أشركتهما في القرار وأعطتهما أصواتها ليحصلا على رئاسة الجمهورية ورئاسة المجلس التشريعي.

بل وقدمت لهما عدداً من التنازلات الفكرية جعلت التمييز بين الطرح الإسلامي الذي تتبناه النهضة والطرح العلماني الذي يتبناه اللائكيون صعب التمييز.

لكن التجربة أثبتت أن تكتيك هذين الحزبين كان هو الأذكى والأبعد نظراً.

فقد ألانا القول للنهضة وأخذا منها كل ما يريدان ولم يُقدما لها شيئا, فقد حصلت النهضة على رئاسة الحكومة قصيرة الأجل ,وحصل الحزبان الحليفان العلمانيان ذوا التوجه الاشتراكي على رئاسة الجمهورية ورئاسة المجلس التشريعي وعلى الكفة العليا في صياغة الدستور .

ورئاسة الحكومة مكسب ضئيل جداً إذا أخذنا باعتبارنا أن الحكومة التي ترأسُها النهضة قصيرة العمر جداً حيث ستنتهي صلاحياتها بعد الانتخابات القادمة والتي يُنتظر أن يتقرر موعدها بعد الانتهاء من إقرار الدستور الذي ستكون الكلمة العليا فيه للأكثرية العلمانية والاشتراكية والشيوعية .

وهو , أي : الدستور مكسبٌ ليس قصير الأجل , والذي يهيمن على كتابته يُعَدُّ نفسه مهيمناً على المُستقبل, لهذا كان تكتيك اللائكيين أذكى وأكثر تقديراً للذات ومعرفة بحدودها وقدراتها. من أصعب الأمور على النهضة الآن تصحيح مسارها فقد وقع الفأس في الرأس وانقلب الأمل في الدستور التونسي الجديد إلى خوف كبير.

فحلم الخلافة السادسة والذي صرح به حمادي الجبالي حين كان يظن أنه قد وضع الأحزاب اللائكية في جيبة عاد إلى موقعه القديم , مجرد حلم .

محمد بن إبراهيم السعيدي

27/2:1433هـ

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.