العالم في حاجة إلى المؤمنين والعقلاء

تكبير الخط تصغير الخط

العالم اليوم على صفيح ساخن ومهيأ لكل أنواع الشرور من حروب شنيعة وجوع وأمراض، ولا نحتاج إلى التفصيل في ذلك فالجميع يعلم ما هو واقع اليوم في الشرق والغرب ، ما بين حروب قائمة وحروب تنتظر من يطلق الرصاصة الأولى ، ثم ما يتبع الحروب من ويلات الخوف والجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات التي لن يكون شرها مقتصراً على بلاد مشعليها ، وإنما سيكون شراً عاماً .

هذا بالإضافة إلى نقمة إلهية ستحل جزماً وليس ظناً بأجزاء من العالم لا مفر من حدوثها فهي كما قال تعالى ﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذينَ خَلَوا مِن قَبلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبديلًا﴾ [الأحزاب: ٦٢] فإن كثيراً من بلاد الدنيا قد استكبرت بشكل لا يعرف له التاريخ مثيلاً على فطرة الله وأمره ونهيه وفُتحت عليهم أبواب كل شيء وفرحوا بما أوتوا ، ولم يبق إلا انتظار الأخذ بغتةً كما قال تعالى ﴿فَلَمّا نَسوا ما ذُكِّروا بِهِ فَتَحنا عَلَيهِم أَبوابَ كُلِّ شَيءٍ حَتّى إِذا فَرِحوا بِما أوتوا أَخَذناهُم بَغتَةً فَإِذا هُم مُبلِسونَ﴾ [الأنعام: ٤٤]

فالنقمة الإلهية حدث قادم لا محالة على أماكن من العالم بعينها بلغت من محاربة الله تعالى حداً لم تبلغه أمة من الأمم التي أخذها الله عز وجل ، لا قوم عاد ولا ثمود ولا الفراعنة ولا قوم لوط ولا قوم تبع ، كل هذه الأمم لم تبلغ ما بلغته أمم الغرب اليوم من فجور ، وقد كان لديهم مع كل ماهم فيه شيء من عدلٍ لعله هو ما كان يؤخر هذه النقمة بتقدير العزيز العليم ؛ وهاهو العدل اليوم الذي كان شعاراً لهم يتلاشى شيئاً فشيئاً ويوشك أن يصبح أثراً بعد عين .

فنحن في انتظار أحد أمرين لا نعلم أيهما يحل بالعالم أولا : كارثة كالكوارث التي حلت بالأمم السابقة يسلطها سبحانه على من يشاء من خلقه ليجعلهم عبرة للباقين كما قال تعالى : ﴿فَلَمّا آسَفونَا انتَقَمنا مِنهُم فَأَغرَقناهُم أَجمَعينَ  فَجَعَلناهُم سَلَفًا وَمَثَلًا لِلآخِرينَ﴾ [الزخرف: ٥٥-٥٦]

أو حرب ضروس هي أيضا من نقمة الله تعالى كما قال عز وجل ﴿قُل هُوَ القادِرُ عَلى أَن يَبعَثَ عَلَيكُم عَذابًا مِن فَوقِكُم أَو مِن تَحتِ أَرجُلِكُم أَو يَلبِسَكُم شِيَعًا وَيُذيقَ بَعضَكُم بَأسَ بَعضٍ انظُر كَيفَ نُصَرِّفُ الآياتِ لَعَلَّهُم يَفقَهونَ﴾ [الأنعام: ٦٥].

ولن يَقِيَ الله الخلق من شر ما هو قادم إلا بصنفين من الناس:

الصنف الأول المؤمنون ، وهم الذين عَرَّفَهم الله تعالى بقوله:﴿قَد أَفلَحَ المُؤمِنونَ  الَّذينَ هُم في صَلاتِهِم خاشِعونَ  وَالَّذينَ هُم عَنِ اللَّغوِ مُعرِضونَ  وَالَّذينَ هُم لِلزَّكاةِ فاعِلونَ  وَالَّذينَ هُم لِفُروجِهِم حافِظونَ﴾ فهؤلاء نسأل الله أن يجعلنا منهم هم الذين متى ما كانوا سواد الأمة وغالب من فيها رفع الله الباس عنها ووقاها شر غضبه وانتقامه وأغدق عليها من واسع فضله كما قال ﴿وَلَو أَنَّ أَهلَ القُرى آمَنوا وَاتَّقَوا لَفَتَحنا عَلَيهِم بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالأَرضِ وَلكِن كَذَّبوا فَأَخَذناهُم بِما كانوا يَكسِبونَ﴾ [الأعراف: ٩٦]

ولذلك فإن أعطم برنامج تعمل عليه أمة من الأمم هو البرنامج الدعوي التربوي الهادف إلى نشر الإيمان العملي بين الناس ، ففائدة نشر الإيمان ليست شخصية أو أُخروية وحسب ؛ بل ذات نفع عام أخروي ودنوي أيضا ، كما هو متضح في الآيات السابقة .

أما العقلاء فأحوج ما نكون إليهم في  قيادات العالم الذين يوقنون أن تحمل الهزيمة في معركة خير من الدمار الذي لا يمكن احتماله ، وأن تغيير المواقف السياسية أقل سوءًا من ضياع الأنفس والأوطان .

لكنَّ المؤسف أن من ينظر إلى قيادات القوى الدولية اليوم يجد أن المتحكم فيهم ليس العقل وإنما  مصالح متوهمة أو مصالح طوائف مختبئة خلف الشعارات الوطنية والحقوقية والحزبية ، فمثلاً الولايات المتحدة ، حين تسأل نفسك أو تسأل الخبراء :ماهي مصالحها كدولة وكشعب من غزو أفغانستان ومن غزو العراق ،ومن انحيازها لإيران رغم كل ما تفعله إيران من الجرائم الدولية التي منها جرائم ضد الولايات المتحدة نفسها ،ومن الدعم المطلق للكيان الصهيوني ، والدعم الخفي للحوثي، ومن المؤسف استغلالها المنظمات الإغاثية والدولية لتمرير ذلك الدعم ضد أقدم حلفائها الدوليين في المنطقة ،ومن إصرارها على فرض العولمة والضغط على الأمم المتحدة والمؤسسات الدينية في العالم وعلى دول العالم الثالث لتَبَنِّي وجهة النظر الأمريكية في الأسرة والمرأة والتربية والاقتصاد ،فإنك مهما اجتهدت لتعرف مصلحة أمريكا من ذلك فلن تصل إلى نتيجة ، بل حتى القادة أنفسهم لا يعرفون ؛ لذلك أؤكد لك أن العقل ليس هو الذي يقودها ، وليست مصلحة ذات الدولة أو الشعب، لأن المصلحة تابعة للعقل ، ومن يبحث عن المصلحة خارج نطاق العقل فهو يعبث بنفسه.

ولو سألت أو استخبرت أيضا عن مصلحة الاتحاد الأوروبي من التوقف في مشروع تطوير هذا الاتحاد ، وبقائهم تحت النفوذ الأمريكي مع قدرتهم لو استمروا في مشروع الاتحاد على الاستغناء عن هيمنتها واتخاذ قرارات تُلغي قُطبيتها ، وتَبَنِّيهم الوجهة الأمريكية في الانحياز لإيران والحوثي ومشاركة أمريكا في تبني مشروع الشرق الأوسط الجديد؟ 

ليس هناك جواب إلا أن نقول ليس العقل وليس المصلحة المحضة هي من تدفع نحو اتخاذ تلك المواقف .

سيأتيك من يقول : بل هناك مصالح لهم في تلك المواقف ؛ لكن عند المناقشة ستصل إلى أنها مصالح منتحلة وليست حقيقية ،فالمصلحة الحقيقية في تلك المواقف وفي غيرها هي لجهات لا تعنيها الدولة ولا يعنيها الشعب ، كالصهيونية والماسونية وحفنة من أثرى أثرياء العالم ، والذين لا تهمهم مصالح الشعوب ولا الدول ولو كانت دولةً كالولايات المتحدة التي احتضنتهم وكانت وسيلتَهم الكبرى لما يحظون به اليوم من هيمنة على اقتصاد العالم وكُبرى دولِه ، وإنما تهمهم مصالحهم المالية أو عقائد منظماتهم السرية العتيدة ، وقد يكون من عقائد هذه المنظمات تدمير العالم وإنهاكه بالحروب ، ربما ، فهي منظمات ذات عقائد خرافية لايمكن استبعاد أي فكرة مظلمة ومتهورة وحمقاء عليها ، وهذا يُعيدنا لتصديق ما قاله وليم كار في كتابه أحجار على رقعة الشطرنج ، أو على الأقل تصديق كثير مما قال حيث اتجه في كتابه إلى تحميل وزر الحربين العالميتين العظميين إلى الماسونية العالمية ، وحين نبحث عن المستفيد في الحروب الراهنة لا نرى أمامنا سوى الماسونية مما يميل بنا نحو تصديق وليم كار ونسبة العمل على إشعال حرب كونية ثالثة إلى هذه المنظمة الخفية ، فهي الوحيدة المستفيدة من تجارة الحرب وتغيير خارطة العالم وتبديل القوى المهيمنة فيه .

فهل تستطيع الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا والصين تدارك الأمر وإسناد إداراتهم إلى عقلاء يدركون خطورة ما يمرون به فيُوَجِّهون الحرب نحو هذه القوة التي يعرفونها جيداً والعمل معاً على تفكيكها وقطع أذرعتها في الداخل والخارج .

نعم هذا هو المطلوب حقاً لكن لا أظن أحداً من هؤلاء مستعد اليوم لفعله لذلك فإنه حتى لو انتهت حرب أوكرانيا دون تصعيد ونجحت روسيا في إملاء ما تريد ، وهو ما أتوقعه ،فسوف تعمل هذه القوة الخفية على التفتيش عن أماكن لزرع مصائب جديدة فيها.

لهذا فالمُعَوَّل على قادة العالم الإسلامي ، ومن يشاء اختيار التحالف معهم من قادة دول ما يسمونه العالم الثالث أو العالم النامي ،وإنما خصصت العالم الإسلامي بالذكر لأن دوله هي الألصق ببعضها جغرافياً وهي الأقرب عقدياً وقِيَمِيَّاً ، كي يتداركوا بلدانهم وشعوبهم ويحموهم من كوارث الشمال الأوروبي الواقعة والمتوقعة ، وذلك بالتحالف الاقتصادي والصناعي والعسكري ، وهي أمور دعت إليها السعودية منذ زمن بعيد وعملت من أجلها ولازالت تعمل رغم ما تواجهه من صعوبات دولية ومن خذلان القريب والبعيد ، فهاهي رابطة العالم الإسلامي ومنظمة التعاون الإسلامي بمؤسساتها التجارية والاقتصادية والثقافية والدبلماسية ، والبنك الإسلامي للتنمية،وء الجيش الإسلامي الذي يعد الحلف الإسلامي الأول منذ قرون  طويلة ؛ وكل هذه المؤسسات تَشْعُر حين تتأملها أنه لا وجود فيها حقيقي إلا للسعودية ،أما البقية فمعظمهم أو كلهم مجاملون وحسب ؛ واليوم لم يعد الظرف في حاجة لمزيد من المجاملة بل على قادة العالم الإسلامي تفعيل مواثيق هذه المؤسسات والعمل من جديد على أساسها.

فهذا هو العقل المنتظر منهم ، لِيَتَّقُوا ما سوف ينجم عن البعد عن العقلانية في دول الغرب التي سَلَّمَت مصيرها ومصير كل من يتحالف معها إلى قُوى تُوزع عليهم الأدوار في إدارة العالم لصالحها .

لم يعد أمام قادة الدول الإسلامية ما يجعلهم يُصِرُّون على البقاء تحت مظلة أي دولة غربية واختيارها على منظومة حلف ينبغي أن يكون صادقاً وفاعلاً ومؤثراً إن صدق هؤلاء القادة في التعاطي معه وانتقلوا إلى مظلته بحكمة ودراية وخُطَّة مدروسة محكمة .

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.