معالم حقيقة المؤامرة بين إيران والصهاينة

تكبير الخط تصغير الخط

في هذه الأيام يحدث مناوشات بين الكيانين الصفوي والصهيوني أدت فيما أدت إليه وهو الجانب المهم لنا إلى ثقة بعض الناس وأظن أنهم محدودو العدد من السنة بالدعاية الإيرانية  بمزاعم كونهم أنصاراً للقضية الفلسطينية وتحرير القدس وأنهم خصوم أبديون لليهود ، وغير ذلك من الجعجعات الإيرانية حول الكيان الصهيوني ومَن وراءه مِن دول الغرب وأمريكا .

لذلك أحب أن أقتصر على الحديث عن هذا الأمر وكنت قد تحدثت فيه مرات عديدة ، والأمر يدعو اليوم إلى تكرار الحديث .

فأقول إن وجود دولة المعممين من أساسه كان بإردة غربية يؤكد ذلك أن الدعاية الكاملة للخميني والترويج له كان من إذاعة البي بي سي الفارسية ومن دولة فرنسا ، وهذا يعرفه كل من عاصر الحدث ، وكُتِب في ذلك كتابات فرنسية وإنجليزية لم يُكتب لها الرواج ، وأظن ذلك لمخالفتها لبعض الأهواء ، ووقوف أجهزة المخابرات الغربية ضدها .

والهدف من ذلك في ذلك الوقت -كما كان يُظن – رغبة الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة في إيقاف تمدد الاتحاد السوفيتي بقوة دينية طَيِّعة ، وتعين اليهود على مزيد من إضعاف الوطن العربي ، لكن بعد تولي الخميني السلطة بدأ في التعاون مع السوفييت ، وهذه كانت أول خيبة للأمريكان في الخميني ، والعجيب هو الوهم بأن الخميني فعل ذلك إرضاء لله ، والحقيقة أنه فعله إرضاء للصهاينة الذين كان الخميني على صلة وثيقة بهم ، ويعلم جيدا أن إرضاءهم أولى من إرضاء الولايات المتحدة ، كما أن الصهاينة وإن كان يُظن أنهم عيال أمريكا فإنهم يعرفون أن أمريكا تعمل وبجد في تحقيق مصالحهم لذلك فلا ضير في مخالفتها بل ومخالفة مصالحها أحيانا كثيرة ، فلم يكن سقوط الاتحاد السوفييتي في ذلك الوقت تحديدا مناسباً لها وهذا ما جعلها تنهى الخميني عن الصمود له ؛أما إضعاف المنطقة العربية فإيران متفقة مع الصهاينة ومع الأمريكان في أهميتها ، لذلك بدأت إيران بالتحرش بالعراق ، وكان وراء العراق السعودية ودول الخليج ، فلم تستطع أخذه ، وانتهت حربهما لثمان سنوات بهزيمة لا بأس بها لإيران ، ونصرٍ أيضا لا بأس به للعراق ولمن وراءه من السعودية ودول الخليج .

لكن ضعف صدام من الناحية السياسة وطموحه الكبير أوقعه مرة أخرى في المصيدة الأمريكية حيث صرحت له السفيرة الأمريكية بأن تَدَخُلَه في الكويت لا يمثل حرجا أمام القيادة الأمريكية وأن القضية ستعتبر لدئ حكومتها داخلية ، وهنا دخل في أزمة الخليج والتي انتهت بحصاره اقتصاديا وعسكريا من قبل دول العالم ثم إسقاطه ومن ثم تسليم الولايات المتحدة العراقَ لإيران ومن ثَمَّ تسليمها لبنانَ ومِن ثَمَّ سوريا واليمن .

هذه قصص عجيبة غريبة يعرفها الجميع لكن ليس الجميع من يستفيد منها حق الفائدة .

هل العالم الذي استيقظ لإخراج العراق من الكويت ، لم يعلم حتى اليوم إلى من تدين العراق اليوم  المحتلة بالطاعة ، ألا يعلمون أنها تابعة في قراراتها وفي كل ما يدور داخلها لأوامر الولي السفية ؛ لا شك أن سياسيي العالم كلهم يعرفون ذلك ، لكن بقي أناس لم يعرفوا، أو عرفوا ولكنهم تجاهلوا لمأرب ، أو أن العاطفة والحماس غلبت على عقولهم فلم يستطيعوا التفكير جيداً.

فإيران الملالي لها مشروع يتمثل في نشر التشيع ولو بالقوة ، واحتلال المناطق السنية لتكون حاكمة عليها  تمهيداً لعصر  المهدي الذي أظن والله أعلم أنه الدجال في الحقيقة ؛ وهو مشروع يُسَاعدها عليه الغرب والكيان الصهيوني والولايات المتحدة ، لكن لماذا ؟ وماذا يستفيد الغرب من ذلك ؟ 

وللجواب عن ذلك أحب أن أُذَكر بالكتب التي كانت كثيرة الانتشار قبل أربعين سنة وقل اليوم تعاطيها بين الشباب ، من أمثال كتاب :من يحكم موسكو وواشنطن ، وكتاب الدنيا لعبة إسرائيل ، وكتاب حكومة العالم الخفية ؛ تلك الكتب وغيرها لم يعد لها ذكر كبير اليوم ، بل وأصبح الحديث عن المؤامرة العالمية يعد عيباً ، وكل من يقترب من الحديث عن المؤامرة يقول قبل حديثه : أنا لست ممن يقول بنظرية المؤامرة ولكن ..! 

والتذكير بهذه الكتب لأنها تلخص لنا حقيقة ما يجري ، فهناك قيادة تحرك العالم ، وهذه القيادة ليست خفية ، وليس عملها في العالم بأسره خفياً ، فهي تملك المال والإعلام بكل ما فيه من رجال ومنصات وصحف ومحطات ؛ وليس أحد من ملاك تلك المنابر العالمية إلا وهو تحت إدارة هذه القوة الخفية .

وهي القوة التي تكمن وراء مشكلتنا اليوم وهي العلاقة بين إيران والصهاينة والولايات المتحدة والغرب . 

وبهذه الحقيقة – حقيقة المؤامرة – سوف تحل لنا الكثير من مشكلات العالم ، ليست السياسية وحسب ، بل السكانية ، والبيئية والتجارية وغيرها ، كل تلك القضايا تدخلها المؤامرة ، وحكومة العالم الخفية هي المؤثرة الأولى والأهم في هذه الأحداث .

ثم نعود إلى إيران ، فنقول إن الغرب أنفسهم وأمريكا نفسها لا تعي ما تفعل ، ولا تعلم غايتها مِن دعم الصهاينة اليهود ، لذلك ترى الإدانة لِما يفعله اليهود بينهم كبيرة ، والمتولون للإدارة الأمريكية ومنهم الرئيس يقومون بإدانة ما يفعله الصهاينة على استحياء ، وذلك لأنهم غير أحرار في تصرفاتهم ، وأن وراءهم جهة غالبة لا يستطيعون الانفكاك من إرادتها ، وهذه الجهة هي هي وحدها من تدير التناقضات بين الصهاينة اليهود وبين إيران وتفعل كل ذلك من أجل شيءٍ ما .

هذا الشيء  هو إفناء الفلسطينيين أو إخراجهم من بلادهم ، والإيرانيون هم الوحيدون الذين لديهم الاستعداد التام في دعم هذا الأمر ، لأن الفلسطينيين السنة لا يعنون لهم شيئاُ ، بل قتلهم كقتل سائر العامة في مذهبهم ، والعامة عندهم هم أهل السنة الذين يباح قتلهم ، وقد قتل منهم الإيرانيون الكثير في سوريا وفي العراق ، وللأسف لازال شيعة العراق أداة في يد الإيرانيين لهذا القتل الذي فرغوا به مناطق كبار في بغداد من أهلها ، بل سبق وأن قاموا بقتل الفلسطينيين من سكنة العراق قبل عشر سنوات ، وليس هدوءهم اليوم إلا من أجل الانشغال بقتل الفلسطينيين في غزة .

وكيف يقتلون الفلسطينيين في غزة ؟!

ليس دعم حماس من جهة إيران بغائب عن اليهود الصهاينة ، بل إن دعمها لهم يأتيهم من تل أبيب ، ومن يقول غير ذلك فقد كذب ، إذ تل أبيب تحتفظ لإيران بأربعمائة مليار في بنوكها ، وقد فضح ذلك رفع العقوبات في عهد أوباما ، إذ رفض الصهاينة أن تكون هذه المليارات جزءًا من هذا الاتفاق؛ إذن فبين إيران والكيان الصهيوني معاملات مالية عالية المستوى وصلت ودائعها إلى هذا المستوى ، فمن يقول بالقطيعة بين الكيانين الصهيوني والإيراني غير صادق ، كما أن القطريين يأتون إلى تل أبيب ليسلموا حماساً ما عندهم من إعانات ، فوصول الإعانات ليس سرا ، لكن لماذا يوافق الكيان الصهيوني على هذا الدعم ؟

الجواب : لأن بقاء الفلسطينيين كيانين متخالفين أمر يسر اليهود ولا يسوؤهم ، أحدهما كيان علماني محض شديد العلمانية ، وكيان إسلامي شديد الثورية ؛ فهذا الانقسام يجعل من اختراق الفلسطينيين أمراً سهلاً ، ويجعل الخلاف بينهما قائما دائما ، فسُلِطت إيران على حماس لتتولى دعمها بإشراف الصهاينة ، وتُركت السلطة للدعم الدولي ولاسيما العربي ، والسعودي بشكل أخص ، ولم يكن الدعم العربي يشمل دعما عسكريا لأنه لا يمكن أن يترك اليهود أحداً من الفلسطينيين في الداخل يُدعم عسكرياً ، إلا من شاءت ، وقد شاءت لحماس أن تُدعم عسكريا كي تَحُل بشكل طبيعي بعض ما يواجه الصهاينة من مشكلات ، كما حصل حين انتفاضة الشيخ جراح ، وهي انتفاضة فيما يبدو لنا حقيقية ، وتداعي لها فلسطينيو الضفة الغربية من كل مكان وكاد أن يكون لها صيت وشأن لولا أن حماس بادرت بإرسال صواريخها إلى الكيان الصهيوني المحمي بالقبة الحديدية ، فنظر العالم كله وليس الفلسطينيون وحسب إلى هذا العدد الضخم من الصواريخ التي تتحطم في الفضاء قبل أن تصل ، وتقلصت انتفاضة الشيخ جراح ، وانتهت حركة حماس بتدمير في غزة وخسائر عظيمة ، ولم يحدث عند الصهاينة اليهود سوى أضرار محدودة ومع ذلك قام العالم الغربي بدعمهم من جديد لقاء ما يُزعم من خسائرهم .

وفي هذه الأيام -من ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ وحتى مايو  ٢٠٢٤ كان اليهود يرومون إجلاء الفلسطينيين إلى شمال سيناء واستثمار أراضي غزة ، فكانت فكرة السابع والعشرين من أكتوبر ، وأسر الأسرى اليهود ، وكان ذلك بإملاء إيراني على يحي السنوار فقط ، إذ صرح قادة حماس كلهم أنهم لم يكونوا يعلمون بما انطوت عليه أحداث ٢٧ أكتوبر من عام ٢٠٢٣ ومع ذلك ظلوا يدافعون عنها وعن إيران حاميتها .

وقد كسبت إيران من ذلك ومما كان قبله من أحداث دعمت فيها حماس تعاطفاً من بعض جهلة المسلمين السنة رغم ما فعلته إيران من منكرات تشيب لها الولدان بالعرب السنة في سوريا والعراق واليمن ولبنان ، ورغم تخلي إيران وحزب حسن نصر اللات عن فلسطين علنا بعدما رأوا أن الزيادة في التوتير لن تكون لصالح الصهاينة .

فإيران والصهاينة يعملون في نطاق واحد لكن لكل منهما أهداف غير الآخر ، فإيران تهدف من عمل حماس إلى قتل أهل السنة في فلسطين ، وتمكين التشييع هناك ، ونشر دعاية لها بين الفلسطينيين الذين كان الإعلام الموجه يجعل دماء سائر العرب لا تساوي دماءهم وكذلك كانت النفسية الفلسطينية كما هو الأغلب فيما يظهر  ، فلم تكن الدماء السنية التي أراقتها إيران تساوي الدماء الفلسطينية التي يُريقها اليهود ، ولم يكن الفعل الإيراني في دماء الفلسطينيين منظوراً أو مشاراً إليه في نكبتهم .

هناك نقطة مهمة وهي ظهور العداء الإيراني لليهود ، فأكثر الناس اليوم يرونه كاملاً ، وحقيقياً ، بل : ولا جدال فيه ، فما دام هناك عقوبات على إيران بل عقوبات شديدة جداً، وما دامت هناك اعتداءات صهيونية على إيران يذهب جراءها بعض قادتهم ، فالعداء لا يمكن أن يكون مزيفاً ، هكذا يقولون .

وعند النظر في العقوبات نجد إيران تستمتع بدلا بنفط العراق منذ عام ٢٠٠٣ وليس لها منازع فيه ، فما هو ضرر العقوبات حينذٍ ، كما أن إيران تتمتع بعلاقات فوق الممتازة مع الصين وروسيا ، وإلى حدٍ ما مع الهند ، فماذا سوف تصنع العقوبات في بلد له مثل هذه العلاقات ، سوى أنها ذرٌ للرماد في عيون بعضهم وذر للكحل في عيون أخرى ، لكن تبقى العقوبات غير مجدية في شيٍ ، وكيف تكون مجدية ونحن نرى إيران في دعمها العسكري لحزب اللات الذي لا يمكن أن يقال إنه يتم بسرية أو دون علم أمريكا ، ويفعل هذا الحزب ما يشاء دون حتى أن يوصف بكونه إرهابياً ، ثم كذلك الأمر في جماعة الحوثي والجماعات التي عاثت فساداً في سوريا والعراق ، ولنضف إليها نشاط التشييع في جميع أنحاء العالم ، وإنشاء جماعات مسلحة في السنغال ونيجيريا ، وقد تم الكشف عن تسليح إيران للجماعة في السنغال في منطقة تمرد ، ثم لا أعلم ما الذي تم بعد ذلك ، أما في نيجيريا فكانت جماعة مسلحة ولا أعلم بم انتهى الأمر بهم ، ولعل الليالي والأيام تكشف عن مزيد مما يخبئون .

الشاهد من ذلك أن هذه الأغراض لم تنقطع حتى اليوم مع استمرار العقوبات أو مع انقطاعها ، فالحال واحد مما يؤكد أن الغرب يسير في نفس النهج الذي يسير فيه اليهود .

أما قتل أمريكا أو الصهاينة لبعض قادة إيران ، فهذا أمر ليس بمستغرب إذا عرفنا أن الصهاينة والأمريكان لم يقتلوا يقضوا على كتائب إيران التي تسرح وتمرح في الفضاء المتاح لها ، بل لم يقتلوا حسن نصر اللات وهو قريب منهم ولا يتحدث أحد بأنهم يجهلون مكانه ، ولم يقتلوا عبد الملك الحوثي وهو يزعم أنه يتهدد الصهاينة ، كل ذلك لم يفعلوه ؛ ومن قتلوهم أو أي قوة إيرانية تعمدوها فهي زيادة عن المتفق عليه ، وما كان زائداً عن المتفق عليه فلا شك أن الطرف الأقوى سوف يتخلص منه ، وهذا التخلص قد يكون بهجوم عسكري أو اغتيال ، أو غير ذلك ، وليس للطرف الأضعف أن يعمل المثل لو تجاوز الطرف الأقوى ، إلا أن يكون هناك سر لا نعلمه مثل قتل حزب اللات في الثمانينات مائتين من البحرية الأمريكية في لبنان ، فهذه لا أعلم حقاً سر سكوت الأمريكان عليها إذ لا أذكر في ذلك التاريخ أنهم ردوا ، لكن الأيام تحمل في جوفها كل جديد .

وهذه الأيام أيام تفاوض بين الصهاينة وحماس في القاهرة ، وسوف تنتج عن أشياء لصالح اليهود حتماً ، ومنها بقاء حماس على قيادة غزة ، هذا لا أشك فيه ، ومن المنطق أن يطالب اليهود بإقصاء حماس أو أن يجعلوا ذلك من شروطهم للصلح ، لا سيما والسلطة الفلسطينية تسير وفق رغبات اليهود ولا تعارضهم ، لكن الأمر كما ذكرت ، من صالح اليهود بقاء الانقسام كما هو .

وأحب أن أُشيد هنا بموقف مصر التي تمتنع حتى الآن عن الاستجابة لليهود والسماح للفلسطينيين بالفرار إلى مصر ، وهذا في تقديري سوف ينهي الحرب بسرعة لكنه سيغير جذريا من الحالة التي تقلق اليهود ليجعل أمانيها وطموحاتها أبعد مما تصورت في  ٧ أكتوبر .

والله أعلم .

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.