خالد الغليقة

إيران وسياسة التمسكن… في مذكرات جميل الحجيلان

تكبير الخط تصغير الخط

إيران وسياسة التمسكن…
في مذكرات جميل الحجيلانل

 

ما يحصل هذه الأيام من إيران ووكلائها من تمسكُن وتودّد للعرب، وما يصدر منها نتيجة للحرب التي يشنها العدو الإسرائيلي عليها، من بيانات ودعوات واتفاقيات، تحمل كلمات رنانة وعبارات جميلة وودودة تجاه الإسلام والمسلمين، وتجاه جيرانهم العرب، جعلت من أدرك بعض حقائق هذه السياسة الإيرانية المخادعة في العقود الماضية يتساءل، ويطرح السؤال المهمّ، وهو:
هل ذاكرة السياسة العربية مخرومة ومصابة بألزهايمر إلى هذه الدرجة؟! وهل نسي العرب ما انتهى إليه وزير خارجية العرب بحقٍّ، الأمير سعود الفيصل (رحمه الله)، عندما قال عن تمسكن إيران: “نريد من إيران أفعالًا لا أقوالًا”؟

لا أظن أن سياسيًّا عربيًّا قد خَبٍر وعرف وذاق نقضَ الوعود الإيرانية، كما خبرها الأمير سعود وعرفها وذاقها!
ولا أظن أن دبلوماسيًّا عربيًّا أدرك أن وراء كلّ تصريحٍ رومنسيٍّ إيرانيٍّ تجاه جيرانها العرب هو خيانةٌ وخداعٌ، مثلما أدرك الأمير سعود الفيصل (رحمه الله)؛ ولذلك قال لإيران: “نريد أفعالًا لا أقوالًا”؛ لأنه شبع، حدّ التخمة، على مدار عقود، من العهود والوعود والعبارات الرنانة والجمل الرومنسية، التي يكمن في طياتها الخداع والخيانة للعرب وقضاياهم.
فمن رومنسيات الشاه ووصفه الملك فيصل (رحمه الله) ب(أمير المؤمنين)، إلى عبارات التودد والتمسكن من خامنئي ووزرائه ومستشاريه.

حكى جميل الحجيلان شيئًا من ذلك، وهو مَنْ كُلِّف بأعمال سياسية ودبلوماسية مع إيران، وقد تميّز برصده لهما في كتابه الجديد الجميل (جميل الحجيلان مسيرة في عهد سبعة ملوك)، فقد قال راصدًا أوجه هذه السياسة الإيرانية: “جاء شاه إيران إلى الرياض عاقدًا العزم على أن يقيم مع الملك فيصل خير ما يقام من علاقات، ففي حفل العشاء الذي أقامه الملك فيصل، في قصر المعذر في الرياض، احتفاءً بضيفه الكبير، ألقى جلالة شاه إيران خطابًا رسميًّا خاطب فيه الملك فيصل «بأمير المؤمنين»! (٢٣٧/٢).

بعد هذا الاحتفاء بالملك فيصل وتلقيبه بأمير المؤمنين بأقل من ثلاث سنوات كانت النتيجة أن احتلت إيران الجزر الثلاث التابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة.

يقول الحجيلان عن ذلك: “لقد أعلن استقلال البحرين في 17 أغسطس 1970م، وبعد عام ونصف من اعتراف إيران بهذا الاستقلال، خاطب السيد عباس هويدا رئيس وزراء إيران أعضاء المجلس النيابي في طهران في 30 نوفمبر 1971م، قائلًا: “لقد استكملت قواتنا البحرية هذا اليوم احتلالها للجزر الثلاث (طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبو موسى)، وبذلك عادت تلك الجزر إلى أحضان وطنها بعد 80 عامًا من الاحتلال البريطاني المقيت لها ومعاناته من ذلك الاحتلال”.

ولم تنسَ دول مجلس التعاون هذا العدوان الذي اجتاح عنوة أرضًا عربيةً، وظلت قضية الجزر الثلاث واحدة من أهمّ القضايا التي لا تغفل دول المجلس عن المطالبة بعودتها وتأمين حقّ دولة الإمارات العربية فيها في كل بيان رسمي يصدر عن مجلس التعاون” (٢٤٢/٢)

هل هذه النتيجة صحيحة للتقارب وحسن الجوار بين الشاه والملك فيصل، وهل هل نتيجة منطقية لتلقيب شاه ايران الملكَ فيصل بأمير المؤمنين؟!

سأخرج قليلًا بالقارئ عن عنوان المقال إلى كتاب آخر حكى عباراتٍ رنانةً وجملًا رومانسيةً إيرانيةً موجهة للسعودية، بل إن المؤلف نفسه، وهو أجنبي بعيد عن المنطقة ودينها وأخلاقها، صرّح بأنها عبارات فيها مبالغة.
يقول جوزيف أ. كيشيشيان: “بعد زيارة وزير الدفاع السعودي الأمير سلطان [بن عبدالعزيز] إلى إيران في بدايات شهر أيار (مايو) ۱۹۹۹. فقد أعرب وزير الدفاع الإيراني علي شامخاني إلى نظيره السعودي عن أنه لا يرى أيّة حدود لعلاقات بلاده مع المملكة، وذهب حتّى إلى الادعاء أن كافة الإمكانيات الدفاعية الإيرانية ستوضع بتصرف الأشقاء السعوديين”.
وقد علّق المؤلف على هذه العبارات: “وبغض النظر عن مدى المبالغة في هذه التصاريح، وعلى الرغم من أنه لم يتمّ أي تخطيط لاتفاق رسمي أثناء زيارة خاتمي إلى السعودية” (كتاب الخلافة في العربية السعودية، ص٢١٤).

ثم بعد هذه العبارات بأقل من أربع سنوات رأينا ورأى العالم أبشع جريمة في تاريخ المسلمين منذ ظهور الإسلام، وأبشع جريمة في حق العرب منذ خلق الله العرب، وذلك ما قامت به إيران بعد احتلال العراق عام ٢٠٠٣، والتي سبق أن تعهدت إيران بأنها ليس لها رغبة في أي شبر من الأراضي العربية، وأنها لا تطمع أن تبقى لحظةً واحدةً في غير أراضيها.
يحكي الحجيلان هذه العبارات الرنانة والجمل الرومنسية عن علي أكبر محتشمي، في اجتماعات دامت ثمانية أيام بينهما، لتقريب وجهات النظر بين الحكومتين وإعادة العلاقات السياسية يقول:
“وكرّر آية الله علي أكبر محتشمي بعبارات اختصرت كل ما أتى عليه خلال ثمانية أيام من لقاءاتنا: كان في حديثه معي، يردد أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تحمل في سياستها كل هموم الأمة الإسلامية، وأن كل ما يشاع عن المخاطر التي تهدد البلاد العربية من تصدير الثورة الإيرانية هو محاولة ماكرة خبيثة لإثارة الفزع، وإشاعة الفرقة بين المسلمين، وأني قد أتيت لهذا الاجتماع حاملًا، بل محملًا برسالة القادة في بلادي، وفي مقدمتهم الإمام روح الله الخميني، كي تزيل الشكوك، وتستبعد العوائق، وتعزّز من روابط الأخوة بالثقة الصادقة المتبادلة، وألّا نظل مرتهنين لأوهام العالم العربي، الذي ينذر بمخاطرها أعداؤكم وأعداؤنا. واختتم حديثه بما يكاد يكون حرفيًّا: وفي هذا الصدد، كما اشار مسؤولو إيران، وعلى رأسهم سماحة الإمام – حفظه الله – الجمهورية ليس لها مطامع في أي شبر من الأراضي العراقية أو أي بلد مجاور، ولا تطمع في أن تبقى لحظة واحدة في غير أراضيها، ونحن بلادنا واسعة، وكما قلته وكررته مرارًا هو نقلًا عمّا قاله مسؤولو بلدنا: إن الحكومة الإسلامية ستبقى جنبًا إلى جنب متعاونة مع البلاد الإسلامية، وعلى الأخصّ بلدان المنطقة. وستقدّم كل ما في إمكانها لمساعدتهم لكي يصمدوا أمام أعداء الإسلام والمسلمين.
ثم يقول الحجيلان بعد هذا الاجتماع: “لم تتوقّف طهران بعد اجتماعنا في شهر مايو 1984م عن التعبير عن غضبها من موقف المملكة من الحرب، وجاء تعبيرها عن ذلك الغضب بكل ما وسعها العمل لإيذاء بلادنا…، في داخل المملكة وخارجها. وعندما أيقن حكام طهران أن المملكة العربية السعودية ستواصل مساندتها للعراق خوفًا من انهياره في مواجهة إيران، وأن الضغوط التي مارستها وتمارسها على المملكة لم تفلح في النيل من سياسة الصمود في الدفاع عن العراق، لجأت إلى إشعال الفتنة الكبرى في موسم حج عام 1987م، والتي سجلت في تاريخ حكم الملالي في طهران على أنها واحدة من أقبح الأعمال التي لم تشهد مواكب الحجيج مثلها على مدى قرون.
بادرت المملكة العربية السعودية في أعقاب الفتنة “الكبرى” التي قام بها الحجاج الإيرانيون، إلى قطع علاقاتها الدبلوماسية مع طهران، وجمّدت كل أوجه التعاون بين البلدين” (٢٨٥/٢)
فهل صدقت إيران في عباراتها وكلماتها الرنانة والودودة بأن ليس لها مطمع في أي شبر من الأراضي العربية؟
وهل صدقت في كلامها وعباراتها الرومنسية بأن ليس لديها نيةٌ وعزمٌ على تصدير الثورة الإيرانية الجعفرية خارج إيران؟
وهل صدقت إيران بأنها ترغب بعلاقات ودية مع جيرانها العرب؟
إن ما حصل في العراق وسوريا ولبنان واليمن من احتلال للأرض، وقتل للبشر، وتغيير للدين والأخلاق والعادات والتقاليد ملن بقي من أهل السنة حيًّا، ولم يتمكن من الهرب؛ وما حصل من التغيير الديمغرافي في هذه البلدان؛ لهو شاهد على أكبر كذبة، وأعظم خداعٍ وخيانةٍ ومكرٍ وكيدٍ ونفاقٍ للعرب والمسلمين!
ولهذا كتب الحجيلان بعد سرد ما فعلته إيران في العراق وسوريا ولبنان، في آخر الفصل الخاص بالعلاقة مع إيران، فقال: “هل كان إذن مخادعًا؟!”؛ وهو يقصد ما ذكره علي أكبر محتشمي في كلامه السابق عن سياسة حكومته.
فهل ينتهي العرب تجاه إيران من حيث انتهى الأمير الراحل سعود الفيصل، أم يبدؤون من حيث بدأ؟

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.