آخر الأخبار
السلفية والسلفية المعاصرة
السلفية والسلفية المعاصرة
يطرأ في هذه الأوقات مصطلح السلفية المعاصرة عند بعض الكتاب وبعض المحللين السياسيين ، ويختلفون في إطلاق هذا المصطلح ، فبعضهم يُطلٍقه على المنفتحين في فتاواهم على أمور كانت من المحرمات عند السلفيين في زمنٍ ماض كالتبرج للمرأة ، وإباحة اختلاطها بالرجال في العمل ،أو كالربا في البنوك أو العمل الديمقراطي ، وغير ذلك ، مع تمسكهم بأصول السلفية في التوحيد.
وبعضهم يُطلق اللقب على من يقولون بوجوب طاعة ولي الأمر في غير معصية الله ، ومناصحته سِراً ،ما تيسر ذلك.
فتجد هاتين الفئتين تُسميان بالسلفية المعاصرة في سياق الذم وليس سياقاً مثنياً مادحاً ؛ وسوف أقف مع هذا المصطلح قليلاً ، لأقول :
إن السلفية في حقيقة أمرها معاصرة ، أي أنها مواكبة للعصر، بمعنى أنها تسعى لأن يكون العصر على وَفقها ، وليس بمعنى أن تكون هي مُتَغيرةً بِتَغَيُّر ِ العصر ، والمفهوم الآخر هو مَن أودي بكثيرٍ من الناس ،وجعلهم لا يشعرون بانتمائهم لعصرهم إلا إن وافقوه ولو على حساب انتمائهم وسلفيتِهم ، فبدأوا بمخالفته قليلاً زاعمين بأنهم باقون على سلفيتهم ، ثم بدأ التنازل القليل يتبعه تنازل قليل أيضا ، ثم يمضي الرجل في سلك التنازلات حتى يصير بعيداً جداً ، لا عن السلفية وحدها بل عن الإسلام الصحيح أيضاً ، فتجدهم متعلقين بالشوائب لا تكاد ترى أحداً منهم بريئاً منها ، ولا أعني الشوائبَ في العمل فتلك عفا الله عنا وعنهم لن ينجو منها إلا من عصمه الله تعالى وهو خير عاصم ، ولكن أعني الشوائب العقدية والفكرية ،إضافة إلى التعالم ، فهو نسأل الله السلامة يتعالم كي يسوِّغ ما هو عليه من نقائص .
فهذا النوع لا يمكن أن يكون سلفياً فضلاً عن أن يكون سلفياً معاصراً ، وأحسن ما يوصف به أن يقال:هو ليبرالي متأسلم ،أو أي كلمة على هذا النحو يمكن أن تعبر عنه ، وأظنه لن يأباها ، فمصطلح الليبرالية فاتن لمثل هؤلاء يتشفقونه ويترشفونه .
أما النمط الآخر الآخر ، وهو نمط القائلين بطاعة ولي الأمر في المنشط والمكره ، فكل السلفية الصحيحة على هذا المنهج ، لا سيما في عصرنا الحاضر الذي نرى فيه الفتن يميناً وشمالاً ، ولا نرى هذه الفتن تأتي إلا من قِبَل الاختلاف على ولاة الأمور وشتمهم على المنابر وإثارة الناس عليهم ، نعم إن السلفيين لا يقولون بتقديس ولاة الأمر ،كما يزعمه هؤلاء المتربصون أو لنقل المتصيدون ، لكنهم يرون أن نصيحتهم في السر هي الصحيحة إن وُجِد لها مجال ، لأن النصيحة في العلن لن تكون موجهة لولي الأمر ، بل هي موجهةُ لقائلها نفسه ،إذ هو الذي سيكسب منها ملء ثيابه رياء وسمعة ؛ولو كانت سراً لحفظ هذا الناصح نفسه وبلغ ما يريد ، فإن صَدَقَ في نيته فسوف يكون لها أثرُ يقيناً شاهده الناصح أو لم يُشاهده ، فإن لم يكن لها أ ثر فليس على الناصح أكثر من أن يُبَلِّغ .
وعموماً فمن كان على نهج السلف رضي الله عنهم في التوحيد والعبادات ، لكنه يخالف في طاعة ولي الأمر فمنتهى القول فيه :إنه سلفيٌ لديه نزعةٌ خارجية ، وهذه النزعة تكبر وتكبر حتى يكون خارجياً صرفاً ، إلا أنه ليس كخوارج الزمن الأول ،الذين لا يكذبون ، بل نمط جديد يناسب هذا العصر ، فهم يكذبون ويخالفون المعتقد إذا جاءت الأمور على غير ما يشتهون ، فهم حَرِيُّون بأن يوصفوا بالمُعَاصَرة ، لأن الكذب والتغير من أبرز سِمَات العصر .
نعم هناك من السلفيين من غلب عليهم داء الحسد ، عافانا الله وإياهم ، فهم لا يرون رجلاً يبرز ويصبح مسموع الكلمة وله شيءٌ من الصيت ،ولو كان على المنهج نفسه ، أي منهج السلف ووجوب السمع والطاعة في المنشط والمكرة ، إلا حاولوا إقامة الدنيا عليه ،واتهامه وتنقصه ، والإزراء به ، وليس لهم حجة عليه إلا الكذب ،وادِّعاء كونه ليس سلفياً أو إخوانياً أو صوفياً أو ما شاءوا من المفتريات ،فهؤلاء موجودون بالفعل ، لكنهم قليلون بالنسبة للسلفيين ثم إنهم في الغالب الأعم ليسو من طلبة العلم ، وإنما هم من رعاع الناس وإن كانوا يتزيون بزي أهل العلم ، أو يتكلمون على منوالهم ؛ لكن السلفية ليست الوحيدة التي ينتمي إليها أمثال هؤلاء ، بل إن من غير السلفيين من تكون الوقيعة في الناس بانتقاصهم والكذب عليهم خصيصةً من خصائص مذهبهم .
وكذلك هناك قوم من السلفيين لهم تصورات تخص بلادهم ، فيظنون من خالف هذه التصورات مخالفاً للسلفية ، كمن يعيش في بلد تقوم الدولة فيه على الأحزاب ، فيُكَوِّنُ بعض السلفيين حزباً يجري على سالف وطنهم ،يُقِرُّه النظام وتحميه الدولة ، فيعترض عليهم الآخرون ، وليس علينا في ذات هذا الاعتراض إذ قد يكون صحيحا، لكن الذي علينا به هو الإخراج من السلفية ، فهذه الأمور لا تُخرج من السلفية حقيقة ، لكن من السلفيين من يقولون بعدم سلفية إخوانهم الذين دخلوا في هذه ألأحزاب ، ولا شك أن هذا قول باطل قال على خلافه الشيخان ابن باز وابن عثيمين ، اللذان أجازاً المشاركة السياسية في البلدان التي تتيح ذلك ، إما لتقليص الشر أو لزيادة الخير ، كما أن السلفية لا تُعارِض أن يأخذ الإنسان حقاً من حقوقه ، فبما أن هذه الانتخابات وتلك الأحزاب أعطيت من قِبَل الدولة لجميع الشعب ، فعلى ما يأخذ الجميع ما استقر في تلك البلاد على أنه حق ، ويُحرم السلفيون منه ! بل الصواب أن دخول السلفيين في هذه المجالات أمر صائب إذا كانوا بدخولهم يرفعون شراً ، أو يوقعون خيراً ، مع علم الجميع أن الانتخابات غير مشروعة ، وأن الأمر منوط بأهل الحل والعقد ، وشرح ذلك يطول .
وهؤلاء السلفيون الذين يرون من خالف تلك التصورات مخالفاً للسلفية لا يمثلون السلفية الحقة وهم من القلة بمكان ، فلا يمكن مطلقاً أن تنسب السلفية إليهم ويعترض عليها بهم .
إذن فإن السلفية منهج اتباع وليست منهج ابتداع ، وهي من السعة بحيث تشمل كل من يأبى اتباع غير منهج السلف في العقائد والعبادات، وهي من الضيق بحيث يكون من خالف منهج السلف في العقائد والعبادات خارجاً عنها .
التعليقات