آخر الأخبار
صناع السياسة في بلادنا يُشبهون من ؟
قلت في مقال لي عنوانه ثورات الإصلاح وإصلاح الثورات : إن المحللين السياسيين في عالمنا العربي أندر من الكبريت الأحمر .
والحق أن كل تطور سياسي يمر بنا ويَهُبُ محللونا للحديث عنه يزيدني قناعة بهذه الرؤية ، ولعل آخر هذه التطورات هو التقارب الأمريكي الإيراني ، الذي قام له من يتصدون للتحليل السياسي في إعلامنا العربي ولم يقعدوا بين مُحَذِّر ومُخَدٍّر وصاهلٍ ومزمجر ، وكأن هذا الحدث شئ جديد ومفاجئ ومستغرب .
أرجعني كَمُّ المقالات الكبير عن التقارب الإيراني الأمريكي إلى مجالس العوام والبسطاء والمثقفين وطلبة العلم الذين لم يزعموا لأنفسهم يوماً من الدهر أنهم يفهمون في السياسة فضلاً عن أن يدَّعوا لأنفسهم شرف التحليل السياسي .
كل أُولئك كانت رؤيتهم متطابقة على أن العداء الإيراني الأمريكي محض خرافة وأن الخصومة بين الدولتين ليست استراتيجية وإنما هي تكتيك وحسب .
هكذا كان يقول أولئك البسطاء وهي الرؤية نفسُها التي رددوها عن حقيقة الصراع بين حزب جنوب لبنان الصفوي والصهاينة ، فلم يكن هؤلاء البسطاء يرون تلك الحرب المزعومة سوى مسرحية لاغير .
إذاً فالاتفاق الإيراني الغربي اليوم ليس فيه جديد سوى أن الثورة السورية استطاعت أن تلجئ الغرب والصفويين إلى اللعب فوق الطاولة بعد أن كانوا يلعبون تحتها .
فإن كان صُناع السياسة في السعودية ودول الخليج يفكرون بعقلية المحللين السياسيين العرب ، فلا نقول إلا اللهم سلم سلم ، لأن ذلك لا يعني فقط أنهم فوجئوا بالتقارب الغربي الفارسي وحسب ، بل يعني أن هذه القضية التي فهمها العوام منذ أكثر من عشر سنوات ولم يدركها صُنَّاع السياسة سوى اليوم تُخْفِي وراءها طوامَ أكبر لم يفهمها سياسيوا الخليج ولن يفهموها أبداً ما داموا بهذه العقلية .
أما إن كان صُنَّاع السياسة في السعودية والخليج قد أدركوا قبل عقد من الزمان ما كان يجزم به العوام والبسطاء عن حقيقة علاقة دهاقين طهران بدوقات أوربا وأمريكا ، فأظن أنه لا داعي لأن نأبه كثيراً بهذا الصراخ والعويل والويل والثبور الذي يُطلقه هؤلاء المحللون السياسيون ويتعالون به على صناع السياسة وكأنهم أتوا بما لم تستطعه الأوائل ُ.
إن كان صناع السياسة فكروا في هذا الأمر قبل عقد من الزمان بطريقة عوام الناس وبسطائهم ، فقد ثبت للجميع اليوم أنهم فهموا الأمر على حقيقته وأن رؤيتهم كانت هي الأثقب والأدق والأصوب ، وعند ذاك فلا أشك أنهم قد أعدُّوا لكل أمرٍ عُدته وأضمروا لكل حادث حديثه .
أما إن كانوا فكروا بطريقة أهل التحليل وصُنَّاع الأقاويل ، فلنعلم أنه قد فاتهم وقت العمل وضاق عليهم الخناق واستحكم على معاصمهم السوار ولم يعد بأيديهم إلا ما بين أعينهم ، والله غالب على أمره .
والحق أنني لستُ على يقين في من يشبهون لكنني أميل وأرجوا : أن يكونوا شابهوا في هذه القضية عوام الناس وبسطائهم فقد كان هؤلاء في هذه القضية أوسع أفقاً وأبعد بصراً والله المستعان على كل حال.
محمد بن إبراهيم السعيدي
التعليقات