آخر الأخبار
مظاهرات ٢٨نوفمبر ودروس الماضي القريب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الهادي لما اختلِف فيه من الحق والصلاة والسلام على أشرف الخلق وعلى آله وصحبه ومن نهج نهجه إلى يوم الدين :
مضى يومان على انتهاء يوم الجمعة السادس من صفر ١٤٣٦ويوافقه الثامن والعشرين من نوفمبر٢٠١٤ وكان موعداً لمظاهرات دعى لها تحالف دعم الشرعية ممثلاً فيمن عبروا عن أنفسهم بالجبهة السلفية ، وبمتابعتي لأحداث ذلك اليوم وما سبقه من الدعوة للتظاهر ، والدعوة المضادة والإجراءات الاستباقية التي قامت بها الأجهزة الأمنية المصرية ، وما تبعه من جُرأة القضاء المصري في إصدار أحكام البرااءة لمبارك ومن معه دون تحسُّبً لأي ردة فعل في الشارع المصري أو نُخَبِه ، بعد هذا التأمل خرجتُ بعدد من الانطباعات سأسردها بعد أن أُبَيِّنَ أن أهمية هذا الحدث لديَ تعود إلى كون ما يحدُث في مصر يؤثر ويتأثر سلباً وإيجاباً بالتوجه الفكري في بلادي المملكة العربية السعودية ، وهذا الأمر لم يعد خافياً على أحد .
أولا: لؤم الكثير من وسائل الإعلام المصرية المرتبطة ببعض التيارات الليبرالية وكيدها لكل توجه ذي خلفية إسلامية يحاول المشاركة في العمل والإصلاح السياسي حتى لو توافَقَت معه في بعض الرؤى ، وليس عداؤهم مقتصراً على الإخوان المسلمين ومن وافقهم وحسب ، بل إن عداء هذه التيارات ومكرها بالتوجهات الدينية المتوافقة معهم في بعض الرؤى السياسية والإصلاحية أشدَّ من مكرهم بمن يختلفون معهم كُلِّياً كالإخوان ومن وافقهم ، ولذلك يحسن بالتوجهات الدينية العاملة في مجال الإصلاح أن تكون شديدة الحذر من أصناف ذلك المكر الذي يتميز بالقدرة على التلون والمخاتلة ومغالطة القيم .
اتضح ذلك من موقف كثير من وسائط الإعلام الليبرالي في مصر من مؤسسة الدعوة السلفية في مصر حيث حاولت هذه الوسائط نسبة المناداة بالتظاهر ورفع المصاحف يوم الجمعة ٢٨ نوفمبر إلى الدعوة مع أن الأخيرة أقامت مؤتمراً صحفياً كبيراً تبرأت فيه من المناداة بهذه التظاهرات ، بل وبينت موقفها المعارض لها وأنها برأيها السلفية لا تصب في صالح البلاد ، إلا أن هذا الموقف الواضح لم يشفع لها لدى أولئك الإعلاميين الليبراليين كي يقولوا فيها كلمة إيجابية ، أو يستثمروا موقفها للمساهمة في الدعاية المضادة لتنظيم المظاهرات ، بل ظلت وحتى كتابتي لهذه الكلمات تحاول بشتى الطرق الإيحاء بارتباط الدعوة السلفية بالداعين للتظاهر والذين رمزوا لأنفسهم بالجبهة السلفية ، وليس ذلك فيما يبدو لي إلا سعياً للإطاحة بهم عبر محاولة تصنيفهم ضمن معسكر التيارات الإسلامية المناهضة للنظام الحالي في مصر.
ثانيا: ظَهَرَ يومَ الجمعة : أن تحالف دعم الشرعية بجميع مُكَوِّناته : الإخوانية والسلفية والوطنية ، ليس لها تأثير يُذكر في جميع الأوساط المصرية نخبوية كانت أم شعبية ، فالأعداد التي خرجت للتظاهر في جميع أنحاء الجمهورية أقل من أن تذكر ، ويبدو لي أن قيادات التحالف لم يكن هذا الأمر خافياً عليها ، ولذلك وجهت النداء باسم الجبهة السلفية.
ثالثا: يحظى الفهم السلفي للدين في مصر بمكانة عالية في الأوساط الشعبية المصرية، والرياح السياسية التي عصفت بجميع النخب المصرية ومنها النخب السياسية لم تؤثر في الإقبال والقبول الشعبي المصري لهذا التوجه العظيم في فهم الدين ، بدا لي ذلك من أمرين ، الأول: محاولة تحالف دعم الشرعية استثارة الشارع المصري للتظاهر عبر اختيار واجهة سلفية للمناداة به ، ولو لم تكن قيادات التحالف تعلم مدى تأثير التوجه السلفي في عموم الناس لما اختارت هذه الواجهة بالذات .
الآخر : أن من أطلقوا على أنفسهم الجبهة السلفية ذكروا في بيانهم الصادر نهاية يوم الجمعة أن من أسباب عدم الإقبال على تظاهراتهم خذلان السلفية التقليدية لهم ، وهذا إقرار منهم بمدى تأثير السلفية على الرأي العام في مصر ، ومعلوم أن جميع القوى السلفية لم تُرحب بالدعوة للتظاهر ، ومنها حزب الوطن السلفي والذي يرأسه الدكتور عماد عبدالغفور ، وكان أقواها صوتاً هو الدعوة السلفية التي حاولت بعض ىسائط الإعلام نسبة المناداة بالتظاهر لهم .
رابعاً: قوة الدولة في مصر وهيمنتها وإمساكها بزمام الأمور ، وهذا على العكس تماماً مما يروج له تحالف دعم الشرعية والقوى ووسائل الإعلام المساندة له من ضعف النظام وتضعضعه وقرب انهياره ، بسبب الضغط الشعبي والتفكك الداخلي بين أجنحته .
بل وحتى بعد الحكم ببراءة مبارك ورموز نظامه ، حاول البعض استغلال الحدث وإخراج الناس في تظاهرات إلا هذه المحاولات فشلت أيضا ، مما يؤكد أن الجهة الداعية لها لم تعد صدقيتها في القبول لدى الناس كما كانت من ذي قبل .
خامسا: الإعلام الغربي إما أنه كائد أو جاهل أو كلاهما، فقد طفق يُصوِّر تظاهرات ٢٨ نوفمبر بأنها أقوى تحدٍ تواجهه القيادة المصرية منذ إطاحتها بحكم الإخوان ، وأن قيادة السيسي باتت على المحك ، في تحليلات تسعى لإيغار القيادة المصرية وتهييج المواطن المصري ، ومن المؤسف تناقل هذه التحليلات التي ثبت فسادها من لدن الناشطين الإسلاميين في مصر وخارجها بالكثير من الاستبشار ، وكأنهم لم يدركوا بعدُ بالرغم من كثرة التجارب أن الإعلام الغربي ليس مصدراً للحقيقة عن أوطاننا ، وليس هو من يخبرنا بواقعنا وحقيقةِ ما نحن عليه قوةً أو ضعفاً أو إقبالاً أو إدباراً ، إن تصديق الإعلام الغربي والاحتفاء بتحليلاته وتقييمه للأوضاع في بلادنا ، هو من غرس الأقدام في الفِخَاخ ، والإلقاء بالأجداث في المزالق ،وانظر كيف تبين أنَّ توقعاتهم لا تعدو كونها حدساً مجرداً عن أي تقييم علمي فقد فشلت هذه التظاهرات بالرغم من كثرة محاولات الإيقاد فيها وتهييج الناس إليها وتصعيد مواقف العسكر.
سادساً : من سمات العقلاء وخصال المؤمنين تقويم التجارب والاستفادة من الأخطاء ، وقد بدا للجميع خطاُ الحركات الإسلامية في مصر والمشايخ والدعاة الذين تعاطفوا معها في خارجها ، حيث لم تُقَدِّر قوةَ النظام والقاعدة الشعبية المؤيدة له كما ينبغي ، ودفعت بالشباب إلى تظاهرات واعتصامات لم تُنٌتِج سوى ثِمَارٍ مُرَّة ، وقدموا لهم فتاوى لم تكن مبنية على قراءة صحيحة للواقع ، وكان من ثمارها المرة قتل الشاب والفتيات من المعتصمين والمتظاهرين ، وزيادة تسلط الجهات الأمنية على أحوال الناس ، وتقليص دور المؤسسات الدعوية الإسلامية ، وانتفاش المؤسسات الإعلامية التغريبية ، ونفور الناس من القُوَى الإسلامية والوطنية التي يرون أنها تسعى لمفاقمة الأزمة واستمرار الفوضى المضرة بأعمالهم الدنيوية وأموالهم .
فالجدير اليوم بتلك الحركات الإسلامية إعادة النظر في مواقفها والجُرأة على تغيير طريقتها في التعامل مع الموقف كما هو ، لا كما تتصوره أو تُصَوِّرُه للناس ، فلم تعد الأمة تحتمل أي خطأ يعود عليها بالوبال ، فالأوجاع والمصائب في كل اتجاه ، وليست الأمة على استعداد لتحمل المزيد من أجل عناد تيار يأبى التراجع عن مواقفه ويُصِرُّ على المكابرة على خطاياه ويريد من الجميع أن يبقى على تقديره والطاعة له وإن كان بسببه ما كان .
سابعاً: بلغ القنوط بالبعض أن قدم نصحه للإسلاميين في البلاد التي تقوم إنظمتها على المشاركة السياسية ، بعدم الدخول في السياسة مُطلقاً ، زاعماً أن التجارب أثبتت فشلهم فيها ، وأن هذا الفشل عائدٌ لكونهم لا يحسنون العمل السياسي ، أو أن قِيَمَهُم لا تتناسب مع العمل السياسي ، والذي أراه أن هذه النصيحة جائرة ، فالإسلاميون في البلاد التي تقوم أنظمتُها على المشاركة السياسية لا ينبغي لهم ترك الأمر فيها للعلمانيين يتصرفون بمصير الأمة وأنظمتها وأخلاقها وآدابها تحت ذريعة فشلهم في التجربة السياسية .
بل ينبغي عليهم أن يضعوا أيديهم على أسباب الفشل ويجعلوا شجاعتهم في الاعتراف بها ويتولوا معالجتها بصدق وإخلاص وحسن تقدير .
وكيف يُحْكَمُ على الإسلاميين جملة بالفشل في ممارسة السياسة في الدول التي تقوم أنظمتها على المشاركة السياسية وهم قد حققوا نجاحات في دُوَلٍ أُخر ، بل إن حزب النور ذا التوجه السلفي أثبت قدرته الفائقة على فهم الواقع وتقدير احتياجاته والانطلاق منه ، وليس النجاح السياسي إلا هذا ، ولو أن بقية التيارات الإسلامية في مصر حذت حذوه وانحنت للرياح العاصفة وأوسعت لها الطريق ، لاستطاعت رفع رؤوسها بعد تولي الإعصار ، ولكان المشهد في مصر مختلفاً عمَّا هو عليه الآن ، لكنها تعاملت مع حزب النور تعاملاً مشيناً ظالماً ، قائماً على التخوين بل والتفسيق والتكفير ، رافضين الاستماع لوجهة الحزب وكيف تأمل المشهد واحتياجاته وما ينبغي فيه.
ومن المثير في الأمر : أن من نقموا على حزب النور موقفه لم ينقموا على نظرائهم في لبنان تحالفهم مع حزب الكتائب النصراني ذي التاريخ الإجرامي المعروف بحق المسلمين السنة في لبنان ، ولم ينقموا على نظرائهم في العراق تحالفهم مع حزب الدعوة الشيعي وزعيمهسيء السمعة نوري المالكي من أجل الحصول على مقاعد برلمانية في وقت كانت ثورة العشائر السنية على أشدها في العراق .
والأعجبُ من ذلك أنه بعدما تبين للرائين صحة موقف الحزب السلفي ، وبدأ معارضوه في التسلل من صف المناهضين زرافات ووحدانا على استحياء كبير وبكثير من المواربة والتوريات اللفظية ، أقول بالرغم من ذلك ، فإن هؤلاء المتسللين لم يذكروا حزب النور حتى الآن بكلمة عدل ولم يتقدموا له بعبارة اعتذار ، وقد قال الشاعر :
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا
وختاما أقول : إن أراد نُشَطَاءُ العمل السياسي الإسلامي الاستمرار وتحقيق النجاح فعليهم بالعدل مع أنفسهم ومع إخوانهم أولاً ، لأنهم إن فشلوا في ذلك فلن يستطيعوا تحقيقه في ميدان التمكين ، وعليهم بالوقوف مع أخطائهم وقفة صارمة ليس فيها مجاملة لأنفسهم ولا لأتباعهم فالرجوع عن الخطأ خير من التمادي في الباطل .
محمد بن إبراهيم السعيدي
صباح الإثنين
٩/ ٢/ ١٤٣٦هـ
رئيس حزب النور الحالي هو دكتور يونس مخيون وليس الدكتور عماد عبد الغفور
جزاكم الله خيرا
جزاك الله خيرا على هذا الإنصاف فى حق الدعوة السلفية وحزب النور فى مص
استاذ عباس الشيخ قال عماد عبدالغفور رئيس حزب الوطن
نتمنى التواصل مع إخوانكم بالدعوة السلفية بمصر و توضيح الرؤية بالخارج …
جزاكم الله خيرا على الانصاف والحيادية