تصورات حول المرأة بين الانطباع والعلم [قراءة تحليلية لمقطع الشرفاء الجدد]

تكبير الخط تصغير الخط

بِسْم الله الرحمن الرحيم
تصورات حول المرأة بين الانطباع والعلم
[قراءة تحليلية لمقطع الشرفاء الجدد]
الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف خلق الله وبعد :
فقد شاهدت مقطعاً انتشر بشكل كبير على الشبكة العنكبوتية يحمل عنوان : الشرفاء الجدد ، وتداولته مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات الهواتف الذكية ، ودار حول محتواه سجال كثير هنالك ، وسألني بعض الأحبة رأيي في محتواه فأجبته بما اقتضاه مقام السؤال من الإيجاز ، وكأن الجواب أعجبه رغم إيجازه فسألني الإطناب والتفصيل ورأيت أن الأمر يستحق ذلك فعلاً لما أحدثه ذلك المقطع من السجال ، فرأيت أن أنسب طريق لمناقشته هو التحليل العلمي لمحتواه ، لأَنِّي أعتقد أن العلم وحده هو الحجة التي ينبغي أن تكون بين الناس في خلافاتهم ، وأن الاقتصار على الانطباعات التلقائية واعتبار هذه الانطباعات آراء هو تعبير عن القصور الفكري ، أما إذا تجاوز الأمر ذلك إلى تسويق هذه الانطباعات ومحاولة إقناع الناس بها على أنها حقائق باستخدام مهارات التقنية الإعلامية، فحينئذ يكون الأمر خيانة .
التحليل العلمي هو ما يجب أن يربي الناس عقولهم عليه وليس الاستسلام لانطباعاتهم المباشرة أو تسليم عقولهم لانطباعات الآخرين ، لا لشئ إلا لأنها توافق أهواءهم أو أنها سيقت بطريقة مؤثرة تَعْلق بالعقول والقلوب .
لا أريد بالتحليل العلمي هنا الرد على محتوى المقطع بقدر ما أريد أن أنتهز فرصة أحاول فيها أنا وأبنائي الشباب وبناتي أن نتدرب سوياً على فن تحليل المعلومة ، لأن هذا الفن كفيل بتوفيق الله تعالى أن يحرر عقولنا من الاستئسار للانطباعات تحت تأثير قوة طرح صاحب المعلومة أو تأثير أي عامل آخر ، المهم أن ننفي الزبد ونغوص لما ينفع الناس .

يعتني علم المنطق بما يُسَمَّى فن بناء النتائج على المقدمات ، أي أن كل نتيجة توصل لها العقل يجب أن تكون لها مقدمات صحيحة ، فحين نريد اختبار فكرةٍ ما يجب أن نناقش مقدماتها ، فهذه المقدمات على أربعة أحوال :
إما أن تكون صحيحة وترتبط بالنتيجة ارتباط المسبب بالسبب ، فحينئذ تكون الفكرة صحيحة .
وإما أن تكون المقدمة صحيحة لكنها لا ترتبط بالنتيجة ارتباط المسبب بالسبب فحينئذ تكون الفكرة خاطئة .
وإما أن تكون المقدمات خاطئة وترتبط مع النتيجة ارتباط السبب بالمسبب فحينئذ تكون النتيجة خاطئة .
وإما أن تكون المقدمات خاطئة ولا ترتبط بالنتيجة ارتباط السبب بالمسبب فحينئذ قد تكون النتيجة صحيحة وقد تكون خاطئة ، فإن كانت النتيجة صحيحة فمعنى ذلك أنها ليست في الأصل مبنية على تلك المقدمات وإنما جاء ذكر المقدمات الخاطئة جهلاً من مُقَدِّم الفكرة أو مغالطة متعمدة .
قد يرى البعض أن هذا الكلام فيه شى من الصعوبة ، وأجيب : بأن تدريب العقل على التفكير المنهجي صعب للغاية على من تعود تناول الأمور ببساطة شديدة ، تماما كالتدريبات الرياضية للأجسام الرخوة والمتثاقلة ، ومن لا يُطيق هذا النوع من التدريبات فأحرى به أن يُجَنِّب نفسه التعرض لقضايا الأمة والمجتمع لأن عقله حينها سيكون مطية سهلة لمروجي الانطباعات أو الأفكار الساذجة التي لا يستطيع محاكمتها .

الآن نريد أن نعرض النتيجة التي توصل إليها صاحب المقطع على ما أورده من مقدمات ، كي نصل نحن إلى قرار صائب في حق فكرة هذا العمل .
رسالة المقطع ، أو لِنَقل [نتيجته ] كشفها صاحبه في آخِره حين صرَّح : أن الذي يريد أن يصل إليه ، هو : [أن أساليب شيطنة المرأة في عين الرجل لم تعد تأتي بنتيجة فالمرأة تعلمت والرجل أيضا تعلم وبضغطة زر أصبح الجميع يستطيع أن يأتي بالحقائق ويعرف الرأي والرأي المخالف ].
لم يشرح مُراده من شيطنة المرأة ، لكن من خلال عدة إشارات في شريطه يتبين لنا أن كل من يخالفه في قيادة المرأة والاختلاط والعمل المطلق للمرأة هو ممن يقولون بشيطنة المرأة ، وبطلان هذا التلازم المزعوم أوضحُ من أن نحتاج إلى تفنيده .

لكن بما أن هذه هي الرسالة التي أصدر المقطع من أجلها ، فالسؤال الذي سأنشغل بالإجابة عنه :هل المقدمات التي أتى بها للوصول بِنَا إلى هذه النتيجة مُوصِلَة إليها حقاً ؟
ننظر سوياً .
استخدم للوصول إلى هذه النتيجة مجموعة من المعلومات مما يُسمى في علم المنطق بالتصديقات ، والتصديق عند المناطقة هو نفسه يحتاج إلى إثبات تَحَقُقِه ، أي :إثبات كون التصورات التي تم بناؤه عليها تصورات صحيحة ، أو إثبات كونه مُكَوِّناً صحيحا لهذه المعلومة أي إثبات النسبة بين طرفي المعلومة التي يسمونها في علم المنطق بـ[التصديق] .

بدأ شريطه بتقديم ثلاثة نماذج ذكرهم بأسمائهم ، يجمع بينهم أنهم يؤمنون بصحة سلوكات مجتمعية في التعامل مع المرأة هو لا يؤمن بها ، ويؤمنون بِجدوى مؤسسة الهيئة في المحافظة على المجتمع ، ومع ذلك فقد ضُبِطُوا في مخالفات صارخة لما يؤمنون به و تهدف مؤسسة الهيئة للحفاظ عليه.
فالأول يُلتقط له صورة مخلة والثاني يُمارس في مجال عمله مخالفات كبيرة لما يعتقده والثالث يُغَرد بما يتوافق مع ما كان قد أنكره على غيره .
وهذه الأمثلة لا يمكن أن توصلنا للنتيجة التي أراد الوصول إليها ، لأن هؤلاء وببساطة أناس خالفوا سلوكات يؤمنون بصحتها ، ومخالفتهم لها قد تُسقِطهم ، لكن لا تسقط ما يؤمنون به .
فالقِيَم والسلوك ، لا تُقَاس بعدد المؤمنين بها ، ولا بعدد من يخالفها ، بل لها مقاييس ليس هنا مجال الحديث عنها ، فَلَو فرضنا أن الناس جميعَهُم يكذبون ، فليس في ذلك دلالة على بطلان الصدق ، بل لو أن الناس كلهم كفروا لما كان في ذلك دلالة على بطلان الإسلام ، فكيف يصح لنا القول بأن وقوع شخص ينكر الاختلاط فيه يعني بطلان الفصل بين الجنسين ، أو أن عمل الآخر مع النساء في مجال التمثيل يعني صحة ما قام به .

لقد أخبر الله عز وجل أن هناك من الذين آمنوا من يعصون الله تعالى ويخالفون ما يأمرون الناس به فقال عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ . كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾
فوصفهم الله وهو ربهم الذي أمرهم ونهاهم وتركوا شيئاً من أمره ونهيه بالإيمان ولم يلمزهم بما يشينهم كما فعل صاحب المقطع حين لمز مخالفيه بقلة الشرف .

يمكننا أيضا أن نعكس الأمر ونقول لصاحب المقطع ومن اقتنعوا بطرحه : هناك أشخاص يقولون بجواز الاختلاط وقيادة المرأة وعملها المطلق كما هو بالضبط رأي صاحب المقطع ووقعوا في مخالفات شنيعة ، فمنهم من تم ضبطه في حفلة ماجنة ومنهم من ضُبط في بيت دعارة ومنهم من ضبط ومعه امرأة في البرية .
فَلَو سرنا على طريقة صاحب المقطع في فهمه للأمور لقلنا إن هذه العينات تعبر عن كل من يملأون الأرض ضجيجاً بالمطالبة بما يعتبرونه حقوقاً للمرأة وأولهم صاحب المقطع ، لكننا بالطبع لن نقول ذلك ، بل نؤمن أن هناك كثيرون يخالفوننا في قضية الاختلاط والقيادة وعمل المرأة ونقابها ومع ذلك نُجِلُّهم مع تأكيدنا على خطئهم فيما ذهبوا إليه ، ولا نجعل أولئك الذين تم ضبطهم بجرائم فاضحة معبرين عن سواهم.

قام بعد ذلك بالتنبيه إلى عيوب حقيقية نتفق معه على وجودها في المجتمع ، أمٌُ مصلية صائمة تغش الناس بولدها ، شاب يتماجن على بنات المسلمين مع غيرته على أهله.
يرى صاحب المقطع أن هذين المثالين موجودان في مجتمعنا وبكثرة حتى قبل وسائل التواصل الاجتماعي ، ثم يعطينا طريقة للتعرف عليهم :
فهم كل من يمنع الاختلاط
كل من يمنع قيادة المرأة
كل من يمنع عملها في جميع المجالات .
هذا الانطباع التعميمي الخطير يُلقيه صاحب المقطع لتستقبله العقول التي تعودت على التأثر بالانطباعات دون أن يُقدم عليه دليلاً عليماً إحصائياً .
مشكلة كبرى أن نتغنى بالعلم والتطور والحضارة والأخلاق والشرف ثم نضرب بهن جميعاً عرض الحائط .
أين العلم في أن تتجرأ على كلمة [كل]دون أن تأتي بإحصائية واحدة .
أين الشرف وأنت لا تبالي في أن تتهم المجتمع في شرفه من أجل أنك تختلف معه .
أقول المجتمع لأَنِّي لا أعرف استطلاعاً للرأي داخل السعودية أُجري لإحدى هذه القضايا إلا كانت نتيجته لصالح المانعين بأغلبية ساحقة ، وأُذَكِّر بأن إحدى الصحف فتحت تصويتاً إلكترونياً على موقعها وبعد أن تجاوز عدد المشاركين مائتي ألف اضطرت لإغلاق التصويت قبل موعده ، لا لشيء سوى أن من صوت بـ لا ٨٢٪ .
ولا أخفي أنني سُررت باتهام صاحب المقطع لكل من خالفه بانعدام الشرف لأنني وجدتُ فيه رداً على اتهام انطباعي آخر وليس علمياً مفاده أن من يمنعون من قيادة المرأة يتهمون أخلاق من يطالب بها ، بل نقلت صحيفة عكاظ عن إحدى عضوات مجلس الشورى أسفها من أن الموافقين على ذلك أصبحوا مدانين أخلاقياً .
نعود إلى نتيجة المقطع أو رسالته التي أراد إيصالها [ إن أساليب شيطنة المرأة لم تعد مجدية ] ما علاقة كل هذا الكلام بالنتيجة ؟
الجواب لا علاقة حتى الآن .
إذاً فرسالة المقطع لازالت معلقة حتى الآن دون أي مقدمات منطقية علمية .

يخلص صاحب المقطع من هذه الأمثلة ومن تشكيكه في شرف المجتمع إلى بيان السبب في أزمة قلة الشرف التي يعاني منها المجتمع .
[التنشئة الاجتماعية أدخلت إلينا محظورات وتحريمات ما أنزل الله بها من سلطان]
منطقياً لا علاقة إطلاقاً بين هذا الجملة وما قبلها ، فهذه الجملة اتهام للمجتمع بأن تنشئته منعته من مباحات كثيرة ، وما قبلها اتهام لأناس مخصوصين بمخالفة ما يؤمنون به .
هل يعني : أن كثرة المحرمات التي ما أنزل الله بها من سلطان بزعمه هي التي أوقعت هؤلاء بفعل ما يَنْهَوْن عنه ؟

إن كان يقصد ذلك فالأمثلة التي ذكرها لا تُساعده ، بل هي ضده تماماً .
فهل المرأة التي تغش الناس بولدها ، أو الشاب الذي يؤذي بنات الناس ارتكبوا محرما ما أنزل الله به من سلطان ؟!
بالطبع : لا وهذا محل اتفاق ، إذاً ما علاقة هذه الأمثلة بهذه القاعدة الذهبية !؟
الجواب لا علاقة مطلقاً .

بعد ذلك يسوق صاحب المقطع قاعدة جديدة فيقول :[ التنشئة الاجتماعية ولدت الكبت في نفوس كثير من الشباب حتى أصبحوا يعيشون الجنس ليل نهار]

لم يُقَدِّم لنا مراده من التنشئة الاجتماعية ، هل يعني بها أن وُجود آباء وأمهات منحرفين يؤدي إلى نشوء جيل منحرف ؟
نظرياً هـذا صحيح ، لكن الخطأ هو أن الانحراف ليس أصلاً في المجتمع السعودي ولله الحمد .
والذي يظهر لي أنه يعنيه هو التزام المجتمع بسلوكيات لا يراها هو صحيحة كالمنع من الاختلاط وتحديد أنماط العمل للمرأة ، وهذا ما يدل عليه سياق كلامه .

لم يُقَدِّم لنا دليلاً علمياً إحصائيا على أن كثيراً من الشباب يعيشون الجنس ليل نهار ، وأعتقد أن قوله [كثيراً] لا يفيده في الخروج من التعميم ، لأنه وجه تهمة خطيرة للتنشئة الاجتماعية كلها ، وليس حيِّزاً محدوداً فيها ، وهذه التنشئة مشتركة بين الجميع فيكون المتهم هم الجميع وإن حاول أن يفتح له مخرجاً بكلمة كثير .
أما الدراسات العلمية فهي تخالف هذا الانطباع الذي حاول صاحب المقطع تقديمه للناس على أنه حقيقة ،
ولن أستغرق في سردها لكنني أكتفي بذكر أمرين أحدهما : الدراسة التي أجراها الصندوق الخيري بجدة ونقل ملخصها الدكتور عبدالله عمر خياط في جريدة عكاظ في عددها٤٥٩٦في ١٥/ ٣/ ١٤٣٥هـ وكانت بعنوان [الشباب السعودي الأولويات والاهتمامات ] وكان من نتائجها أن اهتمامات الشاب السعودي الجامعي تأتي على الترتيب التالي ١- الاستقرار المادي ٢-فرص الحصول على عمل ٣- الزواج وتكوين الأسرة ٤- مواصلة التعليم .
إذاً فالدراسة تؤكد أن الشاب السعودي أرقى تفكيراً بمراحل مما يتصور صاحب الدراسة ويحاول ترويجه بيننا .
لذلك يسعدني أن أقول هنا للشاب السعودي لا تعبأ كثيراً بمن يحاولون دائما الانتقاص متك وإشعارك باستمرار أنك أقل من كل البشر ، حتى رماك صاحب المقطع بأنك متهالك على الجنس وأنه أكبر اهتماماتك بل إنك تعيشه ويشغله ليل نهار .
الآخر : محرك البحث العالمي قوقل يقدم خدمة حول اهتمامات الشعوب عبر العناصر التي يبحث عنها كل شعب في هذا المحرك ، وحين نبحث في هذه الخدمة عن أول عشر آهتمامات للشعب السعودي خلال عام ٢٠١٤ مثلاً ، لا تجد ذكراً للجنس ولا لأي أمر مخل بالشرف ولله الحمد ، بل إن أكثر عنصر بحث عنه الشعب السعودي عبر قوقل في ذلك العام هو [لمى الروقي] تلك الطفلة التي سقطت في إحدى الآبار،أي أن اهتمامه إنساني بحت لا كما يحاول صاحب المقطع أن يصمه به .
بل حينما تضع كلمة جنس أو ما يقابلها بالإنجليزية في هذا المؤشر وتبحث عن مدى الاهتمام الإقليمي بهذه الكلمة فإنك لا تجد السعودية أمامك في المؤشر بينما تجد دولاً عربية ممن توصف بالانفتاح في قضايا المرأة ، أي أن المرأة هناك على الوصف الذي يحلو لصاحب المقطع ، تعمل في كل شى وتختلط وتقود السيارة.

إذا فنحن حتى الآن في هذا المقطع أمام انطباعات ليس لها أي سند علمي بل وليس لها أي تسلسل منطقي .

نعود للقاعدة الذهبية التي أتحفنا بها صاحب المقطع :[ التنشئة الاجتماعية ولدت الكبت في نفوس كثير من الشباب حتى أصبحوا يعيشون الجنس ليل نهار]
ولنُسَلِّم جدلاً أن كثيراً من الشباب السعودي يعيشون الجنس ليل نهار ، لو سلَّمنا جدلاً بهذا الأمر ، فكيف سيقنعنا صاحب المقطع بطريقة علمية أن هذا التهالك على الجنس كان بسبب التنشىة الاجتماعية وليس بسبب آخر ، كالإعلام الهابط مثلاً ، أو وسائل الاتصال الحديثة ، لماذا اختار صاحب المقطع أن يجعل تهمته للشباب السعودي بالتهالك على الجنس بسبب التنشئة الاجتماعية ؟
صاحب المقطع لم يُقَدِّم شيئاً علمياً سوى انطباعه هو ، وهو يريد أن يجعل من هذا الانطباع حقيقة دون أن يُكَلِّف نفسه عناء البحث العلمي المحايد .
ولو نَشِطَ للبحث لوجد أن البحث العلمي يقول عكس رأيه ، وهنا سوف أستشهد بالتحقيق الصحفي الذي أجرته صحيفة الرياض عن الجرائم الأخلاقية وأقتطع من الجزء الأول من هذا التحقيق النص التالي [ومن أهم أسباب حدوث الجرائم الأخلاقية هو تفكك الأسرة بسبب الطلاق أو موت أحد الوالدين أو سجن رب الأسرة أو غيابه عن الأسرة لفترات طويلة، ومن العوامل أيضاً سوء التنشئة الاجتماعية وفساد الرفاق، والاختلاط والتبرج، وسوء بيئة العمل، كما يُعد الفقر أو انخفاض مستوى الدخل من أهم أسباب حدوث هذه الجرائم حيث تدفع الحاجة إلى المال إلى الانحراف والجريمة الأخلاقية]
فهذا التحقيق وضع التنشئة الاجتماعية عاملاً واحداً من مجموعة عوامل ، ولا شك أن المراد بها هنا -أي في تحقيق جريدة الرياض- خلاف مراد صاحب المقطع .
كما أن التحقيق يقول بنقيض رأي صاحب المقطع حيث ينص على أن الاختلاط أحد أسباب الجريمة الأخلاقية ، وكذلك التبرج سبب آخر ، وسوء بيئة العمل سبب ثالث .
فالاختلاط الذي تدعوا إليه سبب من أسباب الجريمة الأخلاقية بحسب التحقيق الذي شارك فيه ثلة من الباحثين الاجتماعيين والجنائيين وأجرته صحيفة الرياض التي لا يمكن اتهامها بالصحوية.
والأبحاث كثيرة ولو أن مقصدي الرد التفصيلي لأطلت في الاستشهاد لكنني أقصد فقط إلى التأكيد على اعتماده على الانطباعات وبعده عن العلمية .

ثم ينتقل صاحب المقطع لقاعدة أخرى فيقول [أصبح هناك من يقع فريسة لصوت المرأة وهناك من يقع فريسة لمشيتها وهناك من يقع فريسة لصوت كعبها]
وهنا نقول ما علاقة هذه القاعدة بالنتيجة التي توصل إليها في نهاية المقطع ، وقد كررتُها وأزيد في تكرارها حتى تكون حاضرة في ذهن القارئ : حيث زعم أنه يريد الوصول إلى أن أساليب شيطنة المرأة في عين الرجل لم تعد تأتي بنتيجة.

واضح جداً أنه لا يوجد علاقة بين هذه القاعدة وبين النتيجة التي توصل إليها في آخر المقطع ، مما يدل على أنه رجل ممتلئ بالانطباعات فارغ من التحقيق العلمي .
ومع ذلك فسوف أناقش هذه القاعدة علمياً .هل يعني صاحب المقطع أن وقوع البعض فريسة لصوت المرأة ومشيتها وصوت كعبها أمر شائع في بلادنا وأنه شذوذ ننفرد به بين سائر أهل الأرض ؟
أحب أن أنبهه إلى أن الانجذاب لصوت المرأة أمر اتفقت عليه الفطر في سائر أجيال البشرية وجهاتها ، ثم في عصرنا الحاضر أكدت الدراسات العلمية هذه الفطرة الخِلقية ومن ذلك ما تناقلته وكالات الأنباء عن بحث أجراه ماركوس كوبنستاينر عالم الأنثروبولوجيا في جامعة فينا ، حيث توصل إلى أنه يمكن للناس الوثوق في التخمينات التي تقول يمكن الحكم على جاذبية وجه المرأة من خلال صوتها وأن الصوت الجذاب يمكن ان يخلق فكرة عامة عما ستبدو عليه المرأة.
إذاً بالانجذاب للمرأة عبر صوتها ليس أمراً يتناقله الشُعراء وتسد الشريعة الذريعة من خلال تحريمها لخضوع المرأة بالقول وتحديدها للحوار مع المرأة بما تقتضيه الحاجة وحسب ، بل هو أمر يُقِرُّه العلم الحديث .
بل إن الوقوع فريسة لصوت المرأة ومشيتها وكل شئ فيها هو ما جعل المخابرات العالمية تعتمد النساء في التجسس ونقل الأخبار الحساسة ، وما جعل العصابات العالمية تستخدم النساء في الوصول للمستهدفين بشكل أسرع .
وما جعل شركات الإعلان ومنتجي الأفلام يعتمدون بشكل أكبر على المرأة ، وهو الأمر الذي جعل وظيفة السكرتارية تكاد تكون في العالم حكراً على المرأة …
والذي لا يختلف عليه أحد أنه لا ينم اختياره لتلك المهن سوى النساء الجميلات ، صوتاً وصورة ، وحين تكون قليلة القدر من حسن الصوت أو المظهر فسوف تكون فرص اختيارها ضئيلة جداً ، حتى لو كانت في أداء عملها أكثر مهارة وإتقانا ، غيرُ الحسناء عملُها في المكاتب الداخلية فقط ، هذا إذا وجدت عملاً .
فالوقوع فريسة لصوت المرأة ظاهرة عالمية وليست مما يوصم به شبابنا
بل إننا في بلادنا ولله الحمد لم يبلغ بِنَا الأمر الى ابتذال المرأة في الإعلان والإغراء التمثيلي ولا الجريمة والمخابرات ، كما هو في البلاد الأخرى التي يعتبرها صاحب المقطع متقدمة في حقوق المرأة.

يقول صاحب المقطع : [أصبح التعامل مع المرأة الواعية صعب عند الكثيرين لم يعد يستطيع أن يتعامل أو يأخذ ويعطي مع مرأة غير أمه وأخته ]

لا أعلم لماذا يقول :[أصبح ] ولم يقل :ضَل ، والذي أعلمه جيداً أن تعامل الرجل مع المرأة في بلادنا هذا شأنه منذ العصور الأول ، لا يتجاوز الحاجة ، فلا نعرف عن أمهاتنا وجداتنا وأمهاتهن أنهن كنَّ يتبادلن مع الرجال أو يتجاوز تعاملهن معهم مقدار الحاجة ، والأمر الآن في الأغلب على ما كان عليه ، فحتى في بيئات العمل السيئة لا يزال الرجال والنساء في الغالب يحرصون على أن يكون التعامل والخطاب بينهم مضبوطاً بضابط الحاجة .
لماذا يا ترى يريد صاحب المقطع من الرجل أن يأخذ ويعطي مع امرأة غير أمه وأخته ؟
استمع إلى جوابه هو :[عند البعض نقص تجاه المرأة لكن عنده أيضا غريزة كيف يقضي عليها ؟
يقضي عليها بالمومس التي يأتي بها لاستراحته أو يسافر لها وإذا لم يجد بحث عن أقرب صورة للأنثى وهو الطفل فتحرص بالطفل ]
إذا كان لا يأتي بالمومس إلا من يشعر بالكبت تجاه المرأة فلماذا أكثر بلاد العالم انفتاحاً أكثرها مومسات ؟
ففي أوربا يوجد ملايين المومسات بلغ وفي بعض الدول كألمانيا والنمسا وفرنسا يصرح لهن بالعمل ولهن معاشات تقاعد ويعاملن كموظفات ، بل بلغ أمر الدعارة من الانتشار حداً أصبحت فيه بعض دول أوربا تستورد المومسات من شرق أوربا وشرق آسيا ووسطها وأمريكا اللاتينية .
فهل الكبت هو الذي أوصل الأمور هناك لما وصلت إليه .
بل أصبحت المومسات في أوربا نشاطاً تجارياً ، ومع ذلك لم يُحفظ الحق للمرأة التي لا تريد المتاجرة بجسدها ، بل أصبحت صديقة ، أي تعمل عمل الزوجة دون أي حق أدبي أو مادي .
الأمر من الوضوح بحيث لا نحتاج معه إلى إحصاءات .
حتى الدول العربية التي لا تتهم بالانغلاق لم تنقطع فيها مأساة الدعارة وتجارة الجنس .

يريد صاحب المقطع أن يجعل التعامل منفتحاً بين الرجال والنساء لأن الكبت كما يُزعم يولد الشذوذ الجنسي ، وأنا على يقين أن صاحب المقطع يعلم أن الشذوذ أكثر رواجاً في البلاد التي لا يوجد فيها أي تضييق على علاقة المرأة بالرجل ، بل إن الشاذين للأسف أصبح لهم حقوق مزعومة تتحدث الأمم المتحدة عنها وتقيم المؤتمرات من أجلها وقد بلغ من خطر انتشار الشذوذ في الولايات المتحدة أن صرحت النائبة الأمريكية سالي كيرن أن الشذوذ أصبح أشد خطراً على الولايات المتحدة من الإرهاب وبلغ عددهم أكثر من ١٥٪ من سكان الولايات المتحدة

يتعرض صاحب المقطع لأخطاء لا يقرها أحد ومنها :
السفر لغاية الفساد والسرقة والرشوة ، ويقول إن المجتمع لا يرى ذلك مُخِلاً بالشرف ، وإنما الشرف فقط في فرج المرأة .
أولاً : ما علاقة هذه الملاحظة الاجتماعية بالنتيجة التي زعم أنه توصل إليها وهي أن أساليب شيطنة المرأة لم تعد تأتي بنتيجة ؟
الجواب لا صلة ، بل حسب فهمه هو فإن هذه الملاحظة تدل على أنه لازال المجتمع يؤمن بشيطنة المرأة ولولا ذلك ما قال هذا الكلام ولما أصدر هذا المقطع .

ثانياً: لا أعتقد أن أحداً في الدنيا يرى السرقة والرشوة لا تخل بالشرف ، بل حتى السراق أنفسهم .
أما المرأة فهي حقا أهم من ذلك كله لأن المرأة هي مخزن الأنساب وقوام الأسرة ومربية المجتمع فمن الطبيعي بل من المفترض أن ينظر الناس لها على أنها أغلى ما تجب المحافظة عليه ولاسيما عرضها وشرفها .
ماذا يريدنا صاحب المقطع أن نفعل ، هل يريدنا أن نُفَرط ببناتنا ونترك الحفاظ عليهن بحجة أن فرج المرأة ليس هو فقط الذي يجب الحفاظ عليه ؟
هل يريد ممن يسافر بقصد إلزنا أن يسمح بذلك لأمه وأخته مادام أذِنَ فيه لنفسه .
هو ارتكب جريمة يستحق عليها العقوبة الرادعة ، وبما أن صاحب المقطع ينتقد سفر المعصية كان حقاً عليه أن يطالب بأنظمة رادعة تحول بين الشباب وبين هذا النوع من السفر لا أن يطالب بنزع مصطلح الشرف عن المرأة وعن الأمانة التي تحملها .
كنت أنتظر منه أن يطالب بتجريم وفضح السراق والمرتشين لا أن يطالب هؤلاء السراق بعدم الغيرة على أخواتهم وأمهاتهم .

يقول صاحب المقطع : [السبب في هذه الآفات هي التنشىة الاجتماعية التي أوهمته أن المرأة أخطر من إبليس نفسه وهي أساس البلاء]
المرأة ليست أخطر من إبليس ولم يقل بذلك أحد من المسلمين ، ولم ينشأ على ذلك مجتمعنا المعاصر ولا آباؤنا الأولون ، لكن أصحاب هذا النوع من الطرح يعمدون إلى هذا النوع من التعابير لأنهم لا يتعاملون مع نِتَاج علمي ، ولا يقدمون أفكارهم لعقول تطلب العلم ، بل يقدمونه لعقول تعودت على التأثر بالانطباعات المجردة فيختارون لها ما يجدون أنه يصلح للتأثير فيها.
نعم إن إبليس يستخدم المرأة لإغراء الرجل وكذلك يفعل مع الرجال تجاه النساء ، لذلك جاء أمر القرآن الكريم بأن يتجنب كل فريق منهم الآخر حتى بالبصر.
(( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خيير بما يصنعون . وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ).
فكرة أن المرأة أخطر من إبليس فكرة نصرانية يحاول بعض دعاة التغريب إلصاقها بالمسلمين زوراً وبهتانا ، لا لشئ إلا أن الفتاوى لا تعجبهم .

يقول صاحب المقطع في مقام الاست :[لم تكن أم سلمة تدخل على الرسول وتواجه بحقوقها]
فنقول له بلى ، كانت تفعل ذلك وكانت تخلوا بالنبي صَلَّى الله عليه وسلَّم ، لكن أتدري لماذا؟
الجواب : لأنها زوجته ، فيا للعجب كيف لا بلغت قلة العلم بهذا الرجل أن يجهل أن أم سلمة زوجة النبي .

ثم لا ينفك فيقول مستدلاً:]ولم تكن زينب بنت جحش تقابل الرسول وتناقشه[
فنقول له :بلى وهي أيضا زوجته .
لا أدري ما هذا الجهل بأزواج النبي ، ومع هذا الجهل تأتيه الجرأة ويقول [تنشئة مجتمعية أدخلت علينا محرمات ما أنزل الله بها من سلطان ] وكيف تحسن الاستدلال وأنت حتى زوجات النبي لا تعرفهن 

ثم يقول [ولم يكن نساء المسلمين يخرجون في الشوارع ويركبون الدواب ويقضون حوائجهم ]
نقول له نعم : لم يكن نساء المسلمين يخرجن في الشوارع ، بل كان خروج المرأة مرتهناً بالحاجة ، ولم يكنَّ يُخالطن الرجال ولا يتحدثن معهم فوق ما تقتضيه الحاجة المضيقة .
وليس في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم حديث مع النساء فوق ما تقتضيه حاجتهن ، وإن وُجِد فأين هو من سنَّته المنشورة بين أيدي الناس .
أما ركوب الإبل فلم يكنَّ يفعلنه إلا على الهوادج والحدوج، ويقودها بهن الرجال ، هكذا وردت النصوص عن العربيات إلا قليلاً ، والقليل لا يُعْطى حُكمَ الغالب.
يقول صاحب المقطع :[نريد أن نحترم المرأة كمرأة]
وأقول له ونحن كذلك : لا نريد أن تحترمها كعارضة أزياء وعارضة جسد ، نريدها أما واختاً وزوجة وبنتا ، نُريدها حين تعمل أن تعمل لتزداد ، لا أن تعمل لتطعم أولادها وتلم قوت يومها ، نريدها في مكانها الذي لا يحسّن شُغله غيرها لا في المكان الذي يُحسِن الوقوف فيه كل أحد ، نريدها في المكان الذي إن شغله غيرها ضِعنا ، وإن بقيت فيه وجدنا أنفسنا عندها .

وبعد هذا التطواف لعلنا وصلنا معاً إلى الفرق بين صاحب الرأي المؤسس على قواعد منهجية كالمطر يخترق الأرض فتنبت عشبا وكمئا،وصاحب الانطباعات التي هي مثل الريح العاصف تهز الأشجار وتثير الأرض ثم تُوَلِّي غير مأسوف عليها.
أجمل ما سمعت في هذا المقطع قوله [ إن كان صواباً فمن الله وإن كان خطأ فمني والشيطان  ] وأقول له :أؤكد لك أنها الثانية .
محمد بن إبراهيم السعيدي

التعليقات

ردان على “تصورات حول المرأة بين الانطباع والعلم [قراءة تحليلية لمقطع الشرفاء الجدد]”

  1. يقول ابتسام:

    بارك الله في جهودكم و نفع بكم, مقالة رائعة فعلا…

    أرجو التصويب : ((إن الله [خبير] بما يصنعون)) [خبير] بالباء ثم الياء.

  2. اشكرك اخي علي هذا الرد الشافي ورغما عن اني وجدته واضحا لكنني تمنيت ( يحب لاخيه ما يحب لنفسه) لو اختصرته وبسطت لغته ( لا ادري تماما كيف ) ليفهمه عامة الناس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.