يا علماء الأمة أفتوا، الأمير خالد الفيصل وتعليق من محب

تكبير الخط تصغير الخط

عنوان هذه المقالة هو صدر بيت من قصيدة [ الهبوب] من الشعر العامي نظمها الأمير خالد الفيصل بمناسبة أحداث ما يُسَمَّى [زوراً] بالربيع العربي ، وتَحَدَّثَت هذه القصيدة عن عدد من القضايا منها : المخطط العالمي لتغيير القيم والأخلاق ومحاصرة الإسلام وأهله واستغلال أحوال الجماهير العربية لخداعهم بالديمقراطية من أجل إحداث الفوضى الخلاقة .
وهذه المعاني لاشك عندي في صحتها بل قد كتبت فيها من بداية قيام الثورة التونسية عدداً من المقالات وووجهت باعتراض جماهيري بسبب الانخداع بفكرة الثورات التي تَحَدَّثَتْ عنها قصيدة الأمير .
لفت نظري في هذه القصيده قوله :
يا علماء الأمة أفتوا
واعطونا بدائل شرعية
وهو في هذا البيت يُعاتب العلماء الذين رفعوا أصواتهم بنقد فلسفة الديمقراطية لكنهم [هكذا فهمت منه] لم يقوموا بواجبهم تجاه تقديم بدائل شرعية عنها .
ولا أظن سمو الأمير المعروف بغزارة ثقافته واطِّلاعه يخفى عليه : أن العلماء قد قاموا بواجبهم في هذا الأمر مع بداية تأليفهم في الفقه السياسي ، وتحدث عن ذلك القاضيان أبو يعلى[تـ٤٥٨هـ] والماوردي[تـ٤٥٠هـ]وابو المعالي الحويني [تـ٤٧٨هـ]وغيرهم ممن كتب في الفقه السياسي الشرعي منذ ذلك التاريخ وحتى وقتنا حيث العديد من المقررات الدراسية ورسائل الماجستير والدكتوراة التي أنتجتها أقسام السياسة الشرعية في جامعاتنا السعودية.
ويًمكن تلخيص هذا البديل بأن قرارات الدولة التي يُمْضِيها الإمام يجب أن تكون مُقَرَّةً من أهل الحل والعقد ، فإذا اختلفوا فالكلمة الفصل هي كلمة الإمام.
وأهل الحل والعقد ليسوا الوزراء أو أعضاء مجلس الشورى الذين لا يعرف أحدٌ في معظم دول العالم ما هي المعايير المُتَّبَعَة لتعيينهم ، وغالب الظن :أنهم مُعَيَّنُون وفق قانون الخليفة المأمون :”أحببناك فوليناك ، أبغضناك فعزلناك ، يدك في الكتاب ، ورجلك في الركاب” ومع ذلك فتعيين القيادات التنفيذية كالوزراء، والقيادات التشريعية كآعضاء مجلس الشورى في البلاد التي تحتوي على مجالس شورى وفق هذا القانون قد يكون ضَرَرُه محدوداً حين تكون القرارات المصيرية للدولة ليست بيدهم ، بل بيد أهل الحل والعقد وعلى رأسهم قائد الدولة ، والذين يُشَكِّلون جهة عليا ونهائية لاتخاذ القرارات المصيرية سلميةً كانت أم عسكرية ، واعتماد الخططِ الاستراتيجية وتوصيف العلاقات الاقتصادية والسياسية بالعالم الخارجي واعتماد سياسات الدولة في الداخل ، كما أن لهم مع قائد الدولة الرقابة العامة على أداء الوزراء وهم أهل الشورى الحقة والتي تُمَثِل السياسة الشرعية الصحيحة ، أما ما يُسَمَّى اليوم بمجالس الشورى ، وهي موجودة في عدد من البلدان الإسلامية ، فوصفها الحقيقي : بيوت خبرة تستعين بها أجهزة الدولة العليا في دراسة أنظمتها وخططها لا غير ، ولذلك ينبغي أن يتغير اسمها ونظامها الإجرائي والإداري ونوعية المشاركين فيها لما يتناسب مع الصواب في توصيفه ومهمته.
أهل الحل والعقد ليسوا رجالاً تُعَيِّنُهم الدولة فيُصَانِعُوها كي لا يخسروا وظائفهم وامتيازاتهم ، ولا يَنْتَخِبُهم الشعب فَيُمالؤوه كي لا يَفْقِدُوا قواعدهم الانتخابية ومكانتهم الاجتماعية كما هو الحال في النظام البرلماني ، بل هم رجال صَنَعُوا بأنفسهم رصيدهم العلمي الغزير، أو خبراتهم العملية المتراكمة، أو قدراتهم الاقتصادية العالية ، أو مكانتهم الاجتماعية الرفيعة ، هم باختصار النُخبة العليا من كبار علماء البلاد واقتصادييها وصناعييها ومخططيها ومفكريها وعسكرييها ، هؤلاء هم مجلس الشورى الحقيقي ، الذين اعتلى كُلُّ واحدٍ منهم بجدارته جبل تخصصه ، فكانوا بهذه الخصيصة التي حَمَلُوهَا وحَمَلَتْهم أقدر الناس على أن يمضوا بالدولة في طريقها الصحيح ، وأقدر الناس على الحياد فيما يُناط بهم من عمل رقابي على مؤسسات الدولة ، لأنهم بحق وصلوا لمكانتهم العالية في الدولة ولم يوصلهم أحد ، فليس لأحد عليهم منة في بلوغهم هذا المنصب إلا لله عز وجل ، ثم أنفسِهم التي بنوها بالعلم والفكر والخبرات المتراكمة حتى نالوا محبة الأمة واحترامها وتقديرها،ليس لأنهم خدعوها بأعلانهم برامج انتخابية تضمنت وعوداً معسولة عبر خطبٍ رنانة ، بل لأنهم تسلقوا جبال الحكمة بأنواعها حتى تسنموها فكانوا أعلى مَنْ في الأمة ، وأجدرهم بتمثيلها والقيام بأمرها مع قائد الدولة في أعلى سلطة لاتخاذ القرار وهي سلطة أهل الحل والعقد.
إن اتخاذ جميع الدول الإسلامية مجلس أهل الحل والعقد أصبح خطوة ضرورية لابد منها في الطريق الصحيح نحو الإصلاح ، وأي تأخرٍ عنها سيجعل الأمور تتفاقم لاسيما في ظل فشل النظام الانتخابي في الارتقاء بآكثر من ١٥٢ دولة من دول العالم ، وكذلك فشل نظام تعيين القيادات التنفيذية والتشريعية في الدول التي تعيش نظاماً نصف ديمقراطي والدول التي تعيش نظاما أُحَادِيَّاً وفق القانون الذي عبر عنه الخليفة المأمون “أحببناك فوليناك”.
فأهل الحل والعقد هم التعبير الصحيح عن مشاركة الأمة في القرار عبر ممثليها الطبيعيين في العلم والفكر والاقتصاد والصناعة والأمن ، وأقول : ممثلوها الطبيعيون ، لأن ألئك الذين يصلون إلى مقاعد البرلمان في الدول الديمقراطية عبر الوعود الانتخابية هم الممثلون المزيفون في أكثر الأحوال لأنهم لا يكسبون صناديق الاقتراع في الغالب الأعم بمواهبهم وإمكاناتهم المؤهِلة للقيام بأمانة صناعة القرار ، بل بالإعلام الذي يشترونه بأموال الجهات المنتفعة من وجودهم تحت قبة البرلمان أو باستغلال التقسيمات العشائرية أو الإقليمية أو الإثنية أو الآيديولوجية في كل بلد .
أما أعضاء مجلس أهل الحل والعقد فوصلوا إلى مكانتهم لأنهم أكابر أهل الفقه والاقتصاد والصناعة والفكر والأمن والتخطيط في البلاد ، فهم في هذه المجالات المهمة يتقدمون الأمة ومن الطبعي أن يمثلوها في دراسة القرارات واتخاذها.
وأهل الحل والعقد في بلاد العالم ليسوا مجهولين ولا إشكال في سهولة معرفتهم، فأنت لا تسأل فقيهاً في أي بلد من بلدان المسلمين عن أكبر الفقهاء عندهم إلا أخبرك عن أسماء محددة ، ولا تسأل اقتصادياً إلا قال مثل ذلك وكذلك الأمر في الصناعيين والمفكرين والعسكريين ، فالتعريف على أعيان أهل الحل والعقد ليست مسألة شائكة .
وليس في المقال فسحة ولا ضرورة للحديث عن طريقة تكليفهم بمهامهم وآلية عملهم فهذه الأمور عند العزم على المضي في هذه الخطوة لن تكون عائقاً ، فالقناعة بالتقدم إليها هو الأمر المهم الآن ، لأن القرارات الأحادية ربما كانت مجدية في أزمانٍ خَلَت كانت الشعوب فيها قليلةً والتحديات الدولية أضعف بكثير مما عليه الحال اليوم ، أما الآن فالعالم كله يعيش وسط تعقيدات لا يمكن معها بأي حال أن يستطيع العقل الواحد مهما بلغ في تفوقه أن يصل بأمته إلى المنفذ الصحيح من بينها ، ومن تجرأ وادَّعى ذلك فقد سعى من حيث لا يدري إلى لف هذه العقد حول أطرافه وعنقه.
وحين نقول بأن المجلسين الأعليين في بلادنا ومجلس الوزراء يمنعن أن تكون القرارات الصادرة مروراً بهن جميعاً قرارات أُحادية فالجواب أن هناك شواهد كثيرة أثبتت أن ذلك غير صحيح ولن أسرد هذه الشواهد ، لكنني أكتفي بالتنبيه إلى أن أعضاء المجلس السياسي والمجلس الاقتصادي هم أيضا أعضاء مجلس الوزراء وأن اختيارهم لمناصبهم وفق آلية الخليفة المأمون يجعل آراءهم لا تخرج عن مسار الرأي الواحد.
د محمد السعيدي

التعليقات

4 ردود على “يا علماء الأمة أفتوا، الأمير خالد الفيصل وتعليق من محب”

  1. مجلس الشورى ، البرلمان ، أهل الحل والعقد ، كلها مصطلحات لما يمكن تسميته بالمصطلح الحديث السلطة الأولى وهي أهم السلطات في الدولة الحديثة ؛ سواء كان هذا المجلس منتخبا من الشعب ، وكان الغرض من الانتخاب هو تحمل أفراد الشعب جزءا كبيرا من المسئولية في إدارة الدولة ؛ ولذلك أرى أنه حتى لو أخذ بمصطلح أهل الحل والعقد ، نصا وروحا ، من دون منحه صلاحيات مطلقة في المساءلة والمحاسبة للجهة التنفيذية ، أيا كانت ، فلن يكتب له النجاح أبدا ، ولذلك مسألة وجود دستور مكتوب ينظم مسئوليات السلطات الثلاث ومسئولياتها وعلاقتها ببعض أصبح ضرورة ملحة ، ووجود نائب عام مستقل استقلالا تاما ، وكذلك الرقابة العامة(ديوان المحاسبة) واستقلاله استقلالا تاما عن السلطة التنفيذية هو أمر ضروري لإدارة مقدرات الدولة بشكل فعال !!!

  2. في هذا المقال علاج لجميع لمشاكل الأمة بدون استثناء .
    لكن كيف السبيل إلى تحقيقه ؟

  3. جزاك الله خير ياشيخ ،،

    “إن خير من استأجرت القوي الأمين ”

    للأسف أصبحت قوة السلطة
    هي ميزة اغلب مسؤولي بلادي ،
    وجُلّهم “يجهل” معنى الأمانة !!

    * لماذا لا تتغيّر طريقة تعيين المسؤولين

    ?مثال?

    * 4 مستشارين ثقات من” خبراء “المجال” في كل جهة
    * يُنظر في السلوك والشهادة وتقدم تزكية قبل تعيينه

    اعتقد افضل من التعيين العشوائي !! والمحسوبية!

    والله اعلم

  4. وفقك الله شيخنا الفاضل هذا هو عين الصواب..اصبحت المناصب مصالح مستركة..ونخشى العاقبة…وخاصة عندما يؤكل اﻷمر الى غير اهله..وقد شاهدنا هذا في الوزراء الجدد…التي تنقصهم الخبرة ..وقد اخطاءو بخق المواطنين..ولا يزالون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.