هل أنت مستاء من صلاة الجمعة اليوم في آيا صوفيا؟

تكبير الخط تصغير الخط

هل أنت مستاء من صلاة اليوم الجمعة فيآياصوفيا؟

هذا نص سؤال أرسله إليَّ أحد أحبتي الكرام ، لكنه فجأةً مسح سؤاله وأبى أن يَسمَع الجواب، لأنه يرى أن الجدل إذا دخل في الصداقة أفسدها ، وأنا عنده كما هو عندي صديق يُضَنُّ به وبصداقته عن أي شيء يفسدها أو يكون ذريعة لإفسادها .

وقبل أن أُجيب عن سؤاله أؤكد أن ما قاله من كون الجدل يُغَيِّرُ القلوب أمر صحيح ، لأنهوهذا مما يؤسف لهأصبح لا يجري إلاعلى سبيل المغالبة والسعي إلى فرض الرأي والانتقاص من المخالف وإساءة الظن به ؛وذلك بسبب فساد النفوس وضعفها أمام أهوائها وغلبة الشكوك عليها ؛ ولو كان الجدل يقع بين الإخوة والمتحابين في الله تعالى على سبيل بيان الحق وطلبه ، ومعرفة ما عندالمخالف ومعذرته فيما يُعذر فيه والشفقة عليه فيما لا يُعذر فيه ،لكان صادراً عن نفوسٍ خيِّرة مؤمنة محبة ، وهي صفات تضعف نفوسنا عن حملها ولا حول ولا قوة إلا بالله .

والآن أُجيب عن سؤال الأخ وأقول :

أنا مسلم يسرني إعادة الصلاة في آياصوفيا واتخاذها مسجداً لاسيما وأنإسطنبول اليوم لم يعد فيها مسيحيون كُثُر ،بصرف النظر عن إن كنت أرى صحة تصرف محمد الفاتح رحمه الله في تحويلها آنذاك مسجداً أم لا ، فهي على كل حال أصبحت مسجداً ، وما اتُخذ مسجداً يبقى مسجداً ؛وبصرف النظر عن هذا العمل الذي قام به أردوغان هل قصد به إعزاز الدين أم كان لغرض سياسيٍ وتعبوي إعلامي بحت ، فالله عز وجل يعلم ذلك ويقبل من الأعمال ماشاء ويرد ماشاء ، وما كان لله يبقى وما كان لغيره يبطل ، والتخرص في هذا ليس شأني ولاينبغي أن يكون شأن أي مخلوق ، فإن كانالرئيس التركي أراد بعمله هذا عز الدين وأهله وإرغام دول النصرانية وإظهار عزة الإسلام عليهم فلن يخفى على الله تعالى ،كما لن يخفى عليه لو كان قام بهذا العمل ليغطي على فشله في سوريا وإشغاله الجيش التركي في العراق وعدوانه على ليبيا، ويجتذب الرأي العام الذي خسر هو أو كاد يخسر جزءًا كبيراً منه في الداخل والخارج بسبب هذه المشكلات وتعدد المعارضين،ويسعى به إلى إيقاع المعارضة في موقف حرج ، فتضطر لتأييده حتى لا تسقط جماهيرياً .

النية أمرها إلى الله إن كان قَصَدَ ذاك أو هذا، أما نحن فأمامنا مسجد أعيدت الصلاة فيه بعد تعطيل قرابة قرن من الزمان فمالنا لانُسَر ؟!

بل نُسَر ونحمد الله ، لكننا لا نسمح لسرورنا هذا أن يجاوز بنا إلى الغلو في آيا صوفيا ،فليس له عندنا من القيمة أكبر من كونه مسجداً كسائر مساجد الدنيا ، لا يحل شدالرحال إليه وليس في الصلاة فيه مزيد أجرعن غيره من المساجد سوى القيمة الرمزية التاريخية .

وقد أكرم الله أهل الأحساء في المملكة العربيةالسعودية بإعادة إحياء مسجد جواثا ، ولم يجعل له أحد من أهل العلم من المنزلة الشرعية فوق غيره من المساجد سوى فضل الصلاة في الجامع العتيق ، مع أن رمزيته التاريخية من أعظم ما يمكن أن يقال ، فهو ثاني مسجد في الإسلام أُقيمت فيه صلاةالجمعة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومع ذلك لم يَدفَع هذا المعنى أهلَ العلم إلى أن يقولوا فيه ما يقوله البعضُ اليوم في مسجد أيا صوفيا من الغلو الذي لم ينزل الله به سلطانا .

كما أن سرورنا بإعادة الصلاة في المسجد منفك عن رأينا في توقيت إعادة الصلاة فيه ،هل هو مناسب أم لا ؟

ولا زال رأيي في ذلك هو رأي أردوغان نفسه قبل عام أو أكثر قليلاً حينما سئل عن إعادة الصلاة في آيا صوفيا فذكر أن ذلك ليس منالمصلحة ؛بل فيه مفاسد كثيرة ، ومنهااحتمال الإساءة للمسلمين ومشاريعهم في أوروبا ، وغير ذلك من الأسباب التي لا أجد أنها تغيرت ، ومع ذلك وبما أن المسجد قد تم فتحه فنسأل الله تعالى أن يجعله فتح خير و يدرأ عن المسلمين ومشاريعهم ومساجدهم كل شر .

كما أن سروري بإعادة الصلاة في آياصوفيا منفك عن رأيي في أردوغان نفسه ،لأن شيئاً مما أمقتُ أردوغان من أجله لم يتغير .

فَقُوَّتُه التي استطاع بها مواجهةَ العالم المسيحي والدول الآرثوذكسية المحيطة به من روسيا واليونان وبلغاريا ورومانيا والمجر ،هذه القوة التي امتَلَكَها أردوغان فجأة في مواجهة هؤلاء ، ألا يستطيع أن يواجه العالم الغربي بها ويُلغي سبعة عشر ألف بيت دعارة مصرحة في تركيا ، ويُعيد بها مادة تجريم الزنا إلى النظام التركي ، ويُلغي الحرية التي منحها للمثليين ويُغلق نقابتهم ؛فإن افتتاح المسجد قد أقام عليه الحجة أكثرمن ذي قبل وأسقط ما كان أنصاره يعتذرون له به من كونه يُسَايِسُ دولَ أوروبا ، فقد بلغ اليوم من القوة ما مَكَّنه من مجابهة الكماليين في بلده والغرب المسيحي بأسره ، ولا شك أن منع تلك المحرمات أولى من فتح المسجد ،ولكن لا بأس هل فَتَحَ المسجدَ تمهيداً لإلغاءالمحرمات ؟

ننتظر .

كذلك لازال أردوغان أكبر ممثل للإسلام الراندي ، أو الإسلام كما يريده الغرب ، وهوالإسلام الذي ليس فيه أمر ملزم ولا نهي ملزم، والذي عبر عنه أردوغان نفسه بالإسلام الذي تعتبر العلمانية جزءًا منه ، وهو ذات التوجه الذي تضغط الدول الغربية وهيئات الأمم المتحدة على سائر الدول الإسلامية باتجاهه ، فيقولون : لماذا لا تكونون مثل تركيا!

ولازال أردوغان كما أقر هو بلسانه في أحد خطاباته شريكاً في مشروع الشرق الأوسط الكبير ، ذلك المشروع الأمريكي الصهيوني الذي لا تُعرف حتى اليوم تفاصيله فما هومشروع الشرق الأوسط الكبير وما هي تفاصيله وما دور تركيا المنوط بها فيه ؟

كل ذلك لا نعلمه ومن حقنا أن نحذر منه .

ولازالت العلاقات التجارية بينه وبين الكيانالصهيوني قائمة على أعلى المستويات ،سفنٌ ذاهبة ، وسفنٌ جائية ، تحمل ما بين الخضروات إلى الأسلحة العسكرية ، فهل يكون فتح آيا صوفيا للصلاة فيه إيذاناً بانتهاء هذه العلاقة ؟!

ولا زالت العلاقات مع الدولة الصفوية قائمة على أعلى المستويات ،وتركيا اليوم إحدى الرئات السوداء التي تتنفس منها إيران نفساً أسود تقتل به أهل السنة في سوريا وتدعم به الحوثيين في اليمن وتدعم من خلاله مشاريع التشييع وإضلال الناس في كل بلدان أهل السنة ومنها تركيا .

ولازال أردوغان ضد بلادي المملكة العربيةالسعودية في حربها على الحوثيين المدعومين من إيران وقد صرح بذلك ، ولم يزل عند رأيه لم يغيره ، ولازال أنصار الحوثيين يتظاهرون في بلاده ضد بلدي!.

ولا يزال أردوغان يرسل قواته لغزو ليبيا و استغلال ثرواتها لصالح حلف الناتو،إضافة إلى أهدافٍ أُخَر محل تكهنات وتحليلات وسوف تكشفها الأيام قريباً أوبعيداً .

كل ما تقدم وغيره مما لا أطيل الحديث فيه لاأزال أنقمه على الرجل ، وليس في تقديري أنه سيتحول إلى ما أحب ، فهو صاحب مشروع لا يعود في مجمله بالخير علىالإسلام وأهله ، وإن كان قد يعود من حيث متاع الدنيا بالخير على أهل تركيا ، وإن كان يستخدم العاطفة الإسلامية دِرعاً له في أدائه.

ولله عاقبة الأمور .

التعليقات

ردان على “هل أنت مستاء من صلاة الجمعة اليوم في آيا صوفيا؟”

  1. يقول محمد بن عبدالله:

    جزاك الله خيرا.. كلام علمي حجة في الباب

  2. يقول م.م:

    احسنت شيخنا يعجبنى حيادك وإنصافك للطرف الأخر وهذا نادر فى عصرنا بارك الله فيك ونفع بك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.