مواطن الاتفاق مع حماس ومواطن الاختلاف

تكبير الخط تصغير الخط

الحق في حماس كما الحق في غيرها ، معرفة حسناتها وما نتفق معها عليه فيُحمد بقدَره ،دون زيادة بادِّعاء أو تضخيم ؛

وكذلك معرفة سيئاتها ، ونقدُها بها وتبيان آثارها دون كذب أو فجور .

فمما نتفق عليه مع حماس : حق الفلسطينيين في مجاهدة المحتلين ، ووجوب أن تبقى روح الجهاد متوقدة في نفوس المسلمين عامة وأهل فلسطين خاصة ، وألَّا يشعر الغاصبون بالراحة في أرض اغتصبوها ، وأن تكون قضية فلسطين متحركة دائما عربياً وإسلامياً ودولياً وتبقى هي الأولى في نفوس المسلمين رغم تعدد قضاياهم وتكاثر همومهم .

وحينما يكون الجهادُ جهادَ دفعٍ لا جهاد طلب ، فلا تُشترط القوة المكافِئة للعدو ؛ بل جهادُ الدفع في حال الضعف متردد بين الجواز والوجوب على حسب ما تقتضيه المصلحة المظنونة للمسلمين ومدى النكاية في العدو ؛ لكنه لا يحرم إلا إذا عُدِمت مصلحته وتحققت مضرته .

وما يحصل في فلسطين اليوم هو جهاد دفع لا جهاد طلب ، فالعدو مستولٍ على الأرض والأنفس والأموال والمقدَّرَات .

ففي كل ما تقدم لا أقول إننا نتفق مع حماس ؛ بل أقول إن حماس تتفق معنا فيه أو تدعي ذلك ، فهذا ما عليه أهل السنة والجماعة من أتباع السلف الصالح عليهم رضوان الله تعالى.

وهذا الأمر الذي نؤمن به أشد الإيمان هو ما يزايد علينا به ويَدَّعِي علينا ضِدَّه مَن تطرفوا في حب حماس،  أو من انخدعوا بهذه الحرب الأخيرة وما قبلها .

وإيمانُنا بالجهاد، لا يمنعنا من التأكيد على أن  بقاء المجاهِد وحده خير له من حليف غادر كاذب لا يؤمن بحقه في مجاهدة عدوه ولا يُخلص له؛ بل الواجب التخلص من هذا النوع من أدعياء الحِلف ، فقد أخبر الله بحالهم حين قال ﴿لَو خَرَجوا فيكُم ما زادوكُم إِلّا خَبالًا وَلَأَوضَعوا خِلالَكُم يَبغونَكُمُ الفِتنَةَ وَفيكُم سَمّاعونَ لَهُم وَاللَّهُ عَليمٌ بِالظّالِمينَ﴾ [التوبة: ٤٧]، وهذا مما نختلف فيه مع حماس ،ونقوله عن علاقتها بالعدو الصفوي الإيراني ، فإن لدينا من الإيمان الذي يستحيل أن يتطرق إليه في قلوبنا الشك بأن 

 إيران لا ولن تعمل لمصلحة قضية فلسطين ، أو تسعى إلى تحريرهم من اليهود ؛ وإنما العكس من ذلك تماماً هو ما نؤمن به ، فيقيننا الصادق بحمد الله أنها لا تسعى إلا لما فيه صالح الصهاينة وعزهم وتمكينهم منذ أن قامت عام ١٣٩٩ للهجرة وحتى يومنا هذا .

ولدينا على ذلك العديد من الأدلة القطعية منها حربهم التي بدأوها من أول أيام حكمهم  على عقيدة أهل السنة ،ومشروعُهم الكبير في صرف أهلها عنها ليُحِلوا محلها عقيدة الأثني عشرية التي نص عليها دستورهم ، وهي عقيدة ثبت في مدوناتها وتاريخ أهلها أنها لا تعادي اليهود ولا تقدس فلسطين .

ثم كانت محاولاتُهم العديدة لإحداث الفوضى في مكة المكرمة  والمدينة ؛وَسَرْد تاريخ ذلك يطول ، ومن يروم الإفساد في الحرمين ، لن يروم الإصلاح في أُولى القبلتين ، ثمَّ حربُهم على العراق التي أرادوا من خلالها إفراغه من أهل السنة وتهيئته لدولة إسرائيل الكبرى ، فلمَّا لم تنجح حربهم عبر قُوَّتهم الذاتية سَلَّمت 

 الولايات المتحدة لهم العراق ، وقاموا ولا زالوا يقومون بهذا العمل نيابة عن الصهاينة ، وكان طرد الفلسطينيين أولَ ما بدأوا به من أعمال إفراغ العراق من أهل السنة ، وزادوا على ذلك بإفراغ الشام من أهله ، سوريا ولبنان ، وللتذكير فقد كان فلسطينيو مخيم اليرموك في دمشق أول ضحايا الإيرانيين في سوريا ، ولو تهيأت لهم الفرصة لفعلوا بالأردن ومصر الفعل نفسه لإسقاط القوى البشرية والعسكرية والعقدية للدول المحيطة بالكيان الصهيوني ، ولا تخفى خططهم لاستكمال ذات المشروع في السعودية عبر قلب الحكم في اليمن وتسليمه لعملائهم من الحوثيين الذين لم ينسوا مهمتهم الأساسية وهي التغيير العقدي ، فظلوا حتى الآن وأثناء الحرب يعملون بقوة على التغيير العقدي بشكل ممنهج وطويل النَّفَس  ؛ ثَُم محاولاتهم العديدة لإثارة الفتنة دخل السعودية وشرقها خاصة ، ودعم عملائهم في البحرين للانقضاض على الدولة ، ويعملون اليوم على إيجاد قاعدة للحرس الثوري في منطقة النخيب العراقية المحاذية للسعودية .

وكل ذلك ليس إلا خدمة للكيان الصهيوني لإضعاف المنطقة بأسرها من أجل درء أي خطر محتمل عليه .

فإيران والولايات المتحدة والصهاينة ، حلف واحد ، كما أثبته بالوثائق تريتا بارسي ، في كتابه التحالف الغادر .

وعزونا إلى هذا الكتاب لمزيد من اطمئنان القارئ ، وإلا فالتحالف تثبته الوقائع.

ونقطة توافق هذا الحلف  تغيير الخارطة العقدية للمنطقة  بإضعاف أهل السنة بتهجيرهم وتشييع المتبقي منهم ، وهدف الصهاينة من ذلك توسيع دولتهم ، وهدف الإيرانيين توسيع رقعتهم المذهبية ، وهدف الأمريكان خدمة المشروع الصهيوني .

من أجل ذلك فإن أي تحالف مع إيران لتحرير فلسطين والمسجد الأقصى لا يمكن تصديقه ، لأنه نقيض مشروعها الأصلي، فمن يتحالف مع الإيرانيين لتحرير فلسطين كمن يتحالف مع الصهاينة أنفسهم لتحرير فلسطين!

وحماس حين تفعل ذلك إنما تُكرر  بشكل أعنف تجربة منظمة التحرير الفلسطينية ، فقد كان ياسر عرفات أول قائد عربي يزور إيران ،ووصف ثورتها  بالمُبَارَكَة وزلزال أصاب إسرائيل وضياء ووهج سيعم المنطقة كلها ، ثم ماذا حدث ؟ 

 حدث أن إيران عبر منظمة أمل وراء ما أصاب الفلسطينيين من نكبات ومذابح شنيعة وقعت على الفلسطينيين من أشهرها مذبحة صبرا وشاتيلا التي لا يعرفها شبابنا اليوم وقُتِل فيها أكثر من سبعة آلاف فلسطينيا بينهم شيوخ وأطفال ونساء ، ويمكن للقارئ مراجعة الوثائق المصورة على الشبكة الإلكترونية ومنها أفلام وثائقية من إنتاج قناة الجزيرة القطرية الداعمة لإيران ولحماس معاً ، ليتحقق من مسؤولية إيران عن تلك الجرائم بالتعاون من جيش الصهاينة وجيش لبنان الجنوبي الموالي لهم ، ثم انتهى أمر المقاومة الفلسطينية بإجلائهم بالكامل من لبنان إلى تونس .

وقد وقع ذلك كله في أوج قوة ونفوذ الخميني الذي يدعوا له قادة حماس ويمجدونه ويقول عنه أحدهم إن حماس خرجت من عباءته.

فهل تغيرت إيران حتى تتم الثقة بها بهذا الشكل ؟

الجواب :لا ،لذلك فإنني أؤكد على أنَّ حماساً إن لم ترعوِ عن هذا التحالف فإنها تمهد لعشرات من صبرا وشاتيلا على يد اليهود والإيرانيين في غزة والضفة وفلسطين كلها.

بل لا أستبعد أن تكون إيران بنفوذها في غزة هي من تهرب السلاح إلى جماعات التكفير في رفح وسيناء ، وهي حرية بذلك 

نعم إن بعض مسؤولي حماس ذكر أن قرار حماس مستقل ، وقد لامني بعض الإخوة حين قلتُ في مقالي السابق : إن قرارها غير مستقل عن الإرادة الإيرانية ، حتى جاء حديث يحي السنوار مؤكدا التنسيق الكامل بينهم وبين مجرمي نصر الشيطان في لبنان ؛ وبالطبع لن يقتنع كل من يعرف إيران أن الأمر مقتصر على التنسيق فقط ، وعلى افتراض صحة ذلك فهذا التنسيق مقدمة للإملاء الكامل ، لاسيما إذا استطاع الإيرانيون إيصال بعض الفلسطينيين المقتنعين بالتشيع وولاية الفقيه إلى مراكز قيادية ، وهذا قد يكون موجوداً الآن ،فنحن نشعر بالنَّفَس الصفوي عند بعض قيادات حماس كيحيا السنوار ؛ الذي نَقَل بعضُ من كان معه في معتقلات الصهاينة أنه لا يرى فرقا في المعتقد بين السنة والشيعة ، مما يعني على الأقل انخداعه بدعاية التقارب الصفوية إن لم يكن متأثراً بالفكر الشيعي كلِّه .

وفي هذه الظروف فإن الانخداع بالصفويين  سيكون أسهل كثيراً ليس على الفلسطينيين وحسب بل على كثير من العرب بسبب هذا التلميع العظيم الذي يقوم به قياديوا حماس لإيران، وبلغ إلى ارتكاب حماقات وسفاهات كشكرهم للحوثيين، وهذا ما سيسهل اختراق أتباع إيران لحماس بشكل يجعل قرارها كاملاً بيدها ، ومن ثَمَّ يبدأ العمل المباشر دون تقية لصالح المشروع الصفوي صهيوني .

وإذا صحت الرسالة المتداولة من إسماعيل قاآني إلى السنوار فالإملاءات ليست توقعات بل واقع مأسوف عليه.

والسؤال هنا : أين المَخْرَج ، إذا كانت الدول العربية السُّنِّيَة لا تدعم حماساً ، وإنما يأتيها الدعم من إيران كما يقول قادة حماس ؟

الجواب : لن أُجادل هنا في مسألة : هل حماس ذهبت إلى إيران لأن الدول العربية تركتها ، أم أن الدول العربية تركتها لأنها ذهبت إلى إيران ، بل سأُسَلِّم جدلاً بصحة الفرض الأول لأقول :إذا تركت الدول السُّنِّيَّة حماساً فليس لحماس أن تذهب إلى إيران ،لأن إيران ليست عدواً للعرب وصديقة لفلسطين كما يحاول خالد مشعل إقناعنا بذلك؛ بل عدو صادق العداء لفلسطين وأهلها ، وقد أكدت التجربة التاريخية القريبة أن ميليشيات حسن نصر الشيطان الإيرانية ومنذُ أربعين سنة لم تتقدم في فلسطين شبراً واحداً ولازالت حتى اليوم لم تحرر أربعة كيلوا مترات مربعة [مزارع شبعاً] أقامت من أجلها ثلاث حروب وهمية مع الصهاينة وخسرت لبنانُ بسببها مليارات الدولارات ، وأصبحت بالكامل تحت حكم إيران ، ويُراد تكرار التجربة نفسها على يد حماس ، لينتهي بها الأمر كما انتهى مع حزب الشيطان .

ليس من شرط المقاومة أن تكون بصواريخ محدودة الأثر  إذا لم تجد حماس داعماً ؛ بل يمكن   مقاومة المحتل شعبياً دون الحاجة لدعم دولةٍ أصيلة العداوة ، ليعود الأمر كما كان في الثمانينات الميلادية ، وستكون نتائجها أعظم من نتائج حرب الصواريخ التي تم تضخيم نتائجها بشكل عاطفي كبير ، وللمعلومية فإن الاستقلال النسبي للضفة والقطاع ، والذي تحكم حماس تحت شرعيته كان ثمرة لتلك المقاومة الشعبية ، وأما حرب الصواريخ فمنذ عام ٢٠٠٦ لم تستطع حتى فتح معبر واحد .

وقد كادت انتفاضة الشيخ جراح أن تعيدنا لعصر الانتفاضة الأولى والثانية لولا أن حرب الصواريخ وأدتها في مهدها ، ومع أن قادة حماس كانوا يصرحون بأنهم لن يتوقفوا عن إطلاق الصواريخ حتى يلغي الصهاينة قرار منح الشيخ جراح للمستوطنين إلا أننا رأينا كل شيء توقف دون قيد أو شرط من الطرفين بعد إعلان بايدن في ليلة ليلاء .

لا يهمني أن يقول العالم كله إن حماساً انتصرت ؛ بل يهمني ماذا أجد على الأرض ، غير الأمور المعنوية التي لا أنكر أثرها ، لكن ما نقوله عن الانتصار المعنوي يستطيع الصهاينة أن يقولوا مثله ، فيزعمون أنهم أحيوا قضية إسرائل الكبرى في نفوس شعبهم ، وأعادوا القناعة الدولية بمظلومية اليهود وتعرفوا على ثغرات في النفسية الصهيونية ، هذا إضافة إلى الأمر المادي وهو حصولهم على المال الكثير الذي كانوا ولازالوا بحاجته .

لكن هل رافق ذلك تحرير سنتيمرٍ واحداً من فلسطين أو هدم متر من الجدار العازل أو فتح درفة واحدة من أي معبر بين غزة ومصر أو غزة وباقي فلسطين ، الجواب : لا ، إضافة إلى أن الصهاينة لم يغرموا من مالهم درهما واحداً لإصلاح ما أفسدوه من دمار أو قتل .

نعم إن دويلة الصهاينة زائلة لا محالة، حتى كثير من الصهاينة يشهدون بذلك؛ ،لكن كل ما يستخدم اليوم لتحقيق ذلك من أدوات ومنها مقاومة حماس ليس فاعلاً وليس هو السبب في زوالها ولن يكون كذلك أبداً ، والأمر لله من قبل ومن بعد  .

التعليقات

3 ردود على “مواطن الاتفاق مع حماس ومواطن الاختلاف”

  1. يقول حسن خضر:

    بوركت يا شيخنا صقر من صقور السلفيه فى العالم الاسلامى يشبه العلامه المقدم فى مصر

  2. يقول قطرالندى:

    اللهم بارك في عمرك وقلمك استاذنا الفاضل ..فعلا أين الآن قضية الشيخ جراح خمدت ولم يعد يذكرها أحد …بينما ثروا الرماد على العيون الرَّمِدة أصلا التي تنعق بانتصار موهوم ليداروا عوارهم وما تسببوا فيه من خسائر فادحة في الأرواح والأمول …بل وزاد الفرقة بينهم وبين العقلاء من أهل القدس خاصة وعامة الفلسطينيين والعرب بوجه عام .
    فالله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله.

  3. يقول منصور القرني:

    اتفق معك فيما قلت بارك الله فيك وفي قلمك وزادك فضلاً وصحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.