صراع المرجعيات وغياب المشروع الوسطي الرشيد

تكبير الخط تصغير الخط

عبد العزيز النجدي

تتبنى بعض المؤسسات الغربية برامج عدائية تجاه المملكة العربية السعودية وتنسب إليها فكر التطرف والإرهاب، وتلقى هذه المؤسسات الدعم من شخصيات أمريكية مرموقة مثل برنارد لويس الذي شبه المؤسسة الدينية الرسمية في السعودية بجماعة “كوك كلكس كلان” المسيحية المتعصبة، ومثل هنري كيسنجر الذي طالما دعا إلى تقسيم المملكة العربية السعودية.

ويمكن سرد أسماء كثيرة من النخب العسكرية والأكاديمية الغربية التي تدعو إلى إسقاط الحكم في المملكة وتقسيمها على أسس إثنية وطائفية، ومن ضمنهم الضابط المتقاعد رالف بيترز الذي نشر مقالاً (يناير 2002) ذكر فيه أن الحرب على الإرهاب ستبقى ناقصة ما لم تتم معالجة: “قضايا الإرهاب الأصولي والتخريب والكراهية الصادرة من السعودية التي لعبت دوراً في تقويض الأنظمة العلمانية ونشر التطرف في العالم الإسلامي وإعادة حقوق الإنسان إلى الوراء”.

وكذلك لوران موريس الخبير الإسراتيجي بمؤسسة راند والذي تحدث في اجتماع مع بعض المسؤولين بالبنتاغون في شهر يونيو 2002 عن: “دور المملكة العربية السعودية في دعم الإرهاب والتخطيط له وتمويله”، ودعا الإدارة الأمريكية للسيطرة على حقول النفط في المنطقة الشرقية إذا لم تتبنى الرياض إصلاحات جذرية في الحكم.

ومنهم كذلك ماكس سانجر مؤسس معهد “هدسون” للدراسات الإستراتيجية الذي قدم تقريراً لوزارة الدفاع الأمريكية (أغسطس 2002) دعا فيه إلى تقسيم المملكة على أسس طائفية وإنشاء كيان للشيعة الذين يمثلون: “غالبية سكان المنطقة الشرقية، بينما يمثل السنة الوهابيون أقلية صغيرة في هذه المنطقة”.

وتتصاعد نبرة مهاجمة المملكة العربية السعودية كلما ارتفعت نبرة الجماعات الإرهابية، حيث تعمد مراكز الفكر الغربية إلى ربط التطرف بدعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب والأسس “السلفية” للمملكة واعتبارها محضن هذه الجماعات زوراً وبهتاناً، ومن ضمن هذه الجهات مجلة فورين بوليسي التي نشرت مقالاً (22/9/ 2012) ينسب السلفية إلى التطرف والغلو، ويربطه بالتمويل الرسمي السعودي الذي يهدف إلى: “إذكاء فكر المواجهة بين الإسلام والغرب”!

كما نشر مركز “ستراتفور” دراسة رديفة (2 أكتوبر 2012) تحذر من انتشار السلفية ونسب فكر التطرف إلى الحركات السلفية التي: “تحصل على الدعم والتمويل من الرياض”!

مشروع المرجعية الإسلامية البديلة

وبالتزامن مع الحملات التي تشنها جهات غربية باتت معروفة بتوجهاتها ومآربها في مهاجمة الرياض، تعمل مجموعة من أتباع الطريقة النقشبندية على إنشاء مرجعية صوفية بمباركة أمريكية.

وقد تلقت هذه المجموعة دفعة كبيرة عندما تبنتها دولة خليجية، وأخذت تسوق لبرامجها دون الالتفات إلى ما يجره ذلك من مخاطر على أمن دول الجوار، ففي اجتماع “منتدى السلم الأهلي” في مارس 2014 الذي حضره نحو 250 مشارك من مختلف دول العالم اقتصر حضور الوفد السعودي على شخصيات منتقاة على أسس شخصية لا يمكن القول أنها تمثل الخط الفكري للمملكة، وبدا من الواضح في تصريحات المنظمين أن خطاب الإقصاء كان هو السائد طوال فترة المؤتمر، حيث صرح مصدر مقرب من شيخ الأزهر أحمد الطيب في تصريح لصحيفة الشروق (12 مارس 2014) قائلاً: “دور مجلس حكماء المسلمين هو تصحيح مسار لبعض الكيانات الكبرى وسيكون بديلاً لهم ليكمل المشوار إنارة طريق المسلمين”، في حين ظهر الوجه الآخر للفعالية من خلال بيانها الختامي الذي نص على: “أهمية إعادة تثبيت سلطة المرجعية في الأمة”!

وكرر بيان تأسيس “مجلس حكماء المسلمين” في أبو ظبي (يوليو 2014) هذا المفهوم حيث وصف المجلس بأنه: “أول كيان مؤسسي جامع لحكماء الأمة الإسلامية”.

وجاء إعلان التأسيس هذا في ظل حملة يقودها إعلام الدولة المضيفة على تلميع دور الأزهر ومحاولة فرضه كمرجعية دينية للأمة الإسلامية في ظل غياب تمثيل أساسي لمؤسسات دينية لها احترامها الواسع في العالم الإسلامي، وذلك بالتزامن مع حملة غير مبررة ضد الفكر السلفي، ودعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب.

ويمكن العثور في الموقع الرسمي لمؤسسة “طابة” على مادة وفيرة حول الفعاليات التي تعقدها هذه المجموعة للتسويق لنهجها باعتباره الامتداد الطبيعي للإسلام، ومن ذلك تصريح علي الجفري مدير المؤسسة في مؤتمر بالقاهرة أكد فيه أن الأزهر: “يقوم على قواعد ثلاث أصيلة: أهل السنة والجماعة من الأشاعرة والماتريدية، والفقه القائم على المذاهب الأربعة مع احترام المذاهب الأخرى، والتصوف وتزكية الأنفس، بحيث لا نجد سنداً واحداً متصلاً لروايات القراءات القرآنية أو كتب الحديث يخلو من صوفي أو أشعري أو ماتريدي في طريقه”، وذلك ضمن حملة يشارك فيها أعضاء المجلس الاستشاري بمؤسسة طابة للتسويق للطرقية الصوفية ذات الاتجاه الأشعري الماتريدي على أنها تمثل الإسلام التقليدي، وهي فكرة يعتبر هشام قباني أول من أسسها ودعا إلى ترسيخها في أروقة البيت الأبيض عام 2003.

المشروع التركي الموازي

والحقيقة هي أن محاولات احتكار المرجعية الدينية في العالم الإسلامي لا تقتصر على مجموعة (طابة-منتدى السلم-مشيخة الأزهر)، بل تواجه هذه المجموعة منافسة مريرة من قبل رئاسة الشؤون الدينية في تركيا للاستحواذ على المرجعية الدينية تحت مظلة صوفية بديلة.

فبالتزامن مع إعلان تأسيس مجلس الحكماء في أبو ظبي، نظم رئيس الشؤون الدينية في تركيا محمد غورمز مؤتمراً عالمياً في 17 يوليو (أي قبل يومين من إعلان تأسيس مجلس حكماء أبو ظبي) تحت عنوان: “مبادرة علماء العالم الاسلامي إلى تبني السلم والاعتدال”، وأسفر المؤتمر الذي شارك فيه علماء ومفكرون من 32 دولة عن تشكيل وفد يعمل على وقف حالة الصراع الداخلي والقيام بمبادرات استباقية لوقف الحروب في البلاد الإسلامية دون الدخول تحت تأثير الأطراف السياسية.

ويمكن ملاحظة التشابه الكبيرة بين ما أعلنته مجموعة (طابة-منتدى السلم-مشيخة الأزهر) في الإمارات وبين مشروع المؤتمر العالمي لرئاسة الشؤون الدينية في تركيا ضمن مجموعة يطلق عليها (مجموعة أوراسيا) والتي تضم كتلة سنية أكبر من الكتلة التي يمثلها مجلس الحكماء الناشئ، إذ يمارس الأتراك نفوذاً واسعاً على طوائف صوفية في رقعة واسعة تفوق الرقعة الجغرافية التي يصارع شيخ الأزهر وأشياعه على التحكم فيها.

وتحدثت المصادر عن ميل رئيس الشؤون الدينية في تركيا إلى تأسيس تلك المرجعية على مفهوم التقريب بين السنة والشيعة مستفيداً من موقع تركيا الوسط ومكانتها بين دول العالم الإسلامي، ولوحظ في ذلك المؤتمر مشاركة الوفد الإيراني بتمثيل غير مسبوق في ظل غياب ممثلين عن مصر والسعودية، وتم ربط ذلك بمشروع تركي قديم للتقريب بين السنة والشيعة من خلال استقطاب المتصوفة من الفريقين والتسويق للنموذج التركي الذي يجمع بين علمانية الدولة والتدين الشكلي.

جدير بالذكر أن المجموعة المرتبطة بمؤسسة طابة ومنتدى السلم الأهلي قد واجهت اتهامات مشابهة بتبني برنامج رديف للتقريب بين السنة والشيعة من خلال تلاميذ الشيخ عبد الله بن بيه في الغرب الذين قطعوا شوطاً في استقطاب زعماء اللوبي الإيراني في واشنطن وعلى رأسهم سيد حسن القزويني وفالي نصر ووالده سيد حسين.

وفي ظل التنافس على المرجعية ومشاريع التقريب، تتعرض المملكة العربية السعودية لحملة كراهية غير مسبوقة، في حين تنأى الرياض بنفسها عن الانخراط في أي من هذه المشاريع السياسية التي تتستر بأهداب الدين.

فهل يمكن للمملكة العربية السعودية بحكم موقعها الوسيط ونهجها الوسطي أن تقود حراكاً رشيداً لتبني مشروع جامع يرتكز على الشمولية ويعزز ثقافة الحوار، ويعمل على جمع الأمة بدلاً من أن يفرقها؟

نقلاً عن موقع 

شؤون إسلامية http://cutt.us/L9kN9

 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.