آخر الأخبار
المرأة السعودية بين الأسلمة واللبرلة
د. محمد بن إبراهيم السعيدي:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وبعد :
يعجبني أن أبدأ حديثي في هذه الندوة بتأمُّل في قول الله تعالى:”ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض)، وقوله تعالى: (وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسمُ اللَّهِ كَثِيراً”.
فعبارة الدفع في الآيتين مطلقة، بمعنى أنها صادقة على الكثير من أساليب التدافع، كما أنَّ عبارة الناس هي من ألفاظ العموم التي تستغرق جميع ما تصلح له.
ومن ذلك يمكن أن نقول: إنَّ سنَّة التدافع بين الناس ليست مقتصرة على شكل واحد من أشكال التدافع، وهو التدافع العسكري كما قد يميل إليه البعض, وكذلك فهذا التدافع ليس منحصرًا في جنسي المؤمنين والكافرين، ومقاومة أحدهما للآخر.
بل سنَّة التدافع يمكن أن يفسر بها جميع أشكال العلاقات بين التيارات المختلفة والمتصارعة، سواء أكان هذا الاختلاف في شكل اقتصادي، أم اجتماعي، أم فكري, وسواء أكان ذلك التصارع فكريًّا أم عسكريًّا أم سياسيًّا.
فكل هذه الاختلافات -أيًّا كان شكلها، وأيًّا كانت وسيلة التعبير عنها- تدخل في دائرة التدافع المؤدي في حقيقته إلى حفظ الأرض من الفساد.
وقد يكون هذا الحفظ كليًّا في صورة منع الظلم والتجاوز مطلقًا, أو يكون جزئيًّا في صورة تحجيم الظلم، والتجاوز في دائرة أضيق.
وقد بلغت هذه السنَّة الكونيَّة من ظهورها أن التفت إليها المفكرون والفلاسفة، وحاولوا تفسيرها بطرق مختلفة, لعل من أبرزها تلك الفلسفة التي تفسِّر حركة التاريخ بتناقض الأفكار والطبقات, ومن ثم هيمنة الفكرة النقيضة على الأصل السائد، لتعود من جديد حركة التناقضات..
ووجه الشبه بين نظرية التناقضات، وفكرة التدافع : أن كلا النظرتين تحيلان استئثار فكرة واحدة بالهيمنة المطلقة أبداً, أما أوجه الخلاف بينهما فكثيرة، ولعل مما يناسب بيانه هنا منها :
أنّ نظرية التناقض تحتم انتصار الفكرة الوليدة على نقيضتها الأم, أما القول بسنَّة التدافع فلا يجعل ذلك حتميًّا إلا في حالة واحدة، وهي عدم استعصاء الفكرة الأم على تصحيح مسارها واستجلادها أمام مسايرة الفكرة النقيضة، أو لنقل المخالفة ومحاولة استفادتها منها.
في ظل الاستعصاء يمكن أن تتفوَّق الفكرة الوليدة أو المخالفة على حاضنتها، وتستغل عجز تلك الحاضنة عن مسايرة المتغيرات للانقضاض عليها والحلول مكانها.
وفي حال استطاع الفكر السائد الاستفادة من الفكر الوليد في إذكاء حركته الداخلية لتصحيح أخطائه، وغلق الثغرات التي يمكن الولوج إليه من قبلها، فإنَّ ذلك مؤشر على أن الفكرة الوليدة ستبقى كما هي وليدة، وستظل السيادة للفكرة الأم مدَّة أخرى من الزمن.
على هذا النسق يمكن أن نفهم الصراع أو الحراك الذي دار في سائر البلاد الإسلامية بين الليبراليين والإسلاميين على مدى قرن أو أكثر من الزمان.
فقد اكتسح الفكر الليبرالي معظم العقول المثقفة في العالم الإسلامي، وطبعها بطابعة في نظرته للمرأة والدين والسياسة والإعلام والفن، حتى انساق المجتمع بأخلاقه وتقاليده، بل وبلباسه وراء التوجُّه الليبرالي الذي ظنَّ أنَّ الفكر الإسلامي لم يعد يشكل أدنى خطر عليه.
وفي أحضان الليبرالية نما الشعور الإسلامي من جديد في أشد المجتمعات امتلاءً بالقيم التحررية، وأصبح يخوض الحرب نفسها التي خاضها ضدّه حاضنه اليوم، ومحضونه بالأمس وهو يؤمل أن تكون الدائرة هذه المرَّة له لا عليه.
من قرابة قرن -حيث كانت المعركة قوية بين التيارين في دول عدَّة من مراكز الإشعاع في العالم الإسلامي- لم تكن الليبرالية غائبة عن بلادنا كما قد يبدو للبعض, بل كانت موجودة في نفوس الكثيرين وأنفاسهم وشيء من تصرفاتهم, لكنها كانت عاجزة عن التعبير عن نفسها؛ لأنَّ العوامل التي ساعدتها في مصر وتركيا وغيرها من بلاد العالم الإسلامي لم تكن مهيأة لها في بلادنا، ومن المستحيل في نظرها أن تظهر على الملأ دون ظروف مشابهة لتك الظروف.
حقًّا لقد استطاع الليبراليون أن ينتصروا في معركة الوجود والتأثير في أكثر أنحاء العالم الإسلامي، وتغلب مفاهيمهم ورؤاهم على كل شيء في تلك المجتمعان، ويتهيأ لهم من الظروف النظامية والإعلامية ما استطاعوا به أن يكيفوا كل شيء لصالحهم, ومع ذلك مرَّت عقود من الزمن وهم لم يستطيعوا أن يقدموا لأمتهم أي إنجاز يمكن أن يصمدوا من خلاله عند المناظرة في جميع الجوانب التي اكتسحوها.
وكان أهم تلك الجوانب هو جانب المرأة التي تعتبر مركزًا في الاهتمام الليبرالي، وأوَّلية في دعايته ووعوده ..
ومع ذلك فلم تتقدم المرأة قيد أنملة في كل بلد علت فيه كلمة الليبرالية والتحريرية، بل أضافت إلى مشكلاتها التقليدية العديد من المشكلات الغريبة عليها.
وبالرغم من ذلك فقد تجرأ معتنقوا هذا الفكر على التقدُّم في بلادنا بالمطالب نفسها التي تقدَّم بها إخوانهم في سائر أنحاء العالم الإسلامي، ورفعوا جميع الشعارات التي سبق أن رُفِعت في أماكن شتى من العالم, فلا جديد إذًا.
رفع الظلم عن المرأة، وإعطاؤها كامل حقوقها الهدف المعلن الذي يناضلون من أجله..
أما وسائله: عمل المرأة, والاختلاط, والسفور, والحد من قوامة الرجل, وسفر المرأة دون محرم, ومشاركة المرأة السياسية, لا جديد في هذه المطالب عمَّا كان (قاسم أمين) قد نادى به قبل أكثر من سبعين سنة.
كما أنَّ قاسمًا قدَّم هذه المطالب بأسلوب شرعي ناقش به الفقهاء ليظهر أمام الناس شرعية مطالبه, فالفقه واختلاف العلماء هو الباب الذي لا زال الليبراليون في بلادنا يلجون منه للتعبير عن هذه المطالب.
ونعود إلى ما بدأنا حديثنا به من سنَّة التدافع، فهل يمكن أن يكون الخلاف بين الليراليين والإسلاميين، أو النصيين والعصريين جاريًا على سنَّة التدافع؟
قد يظن البعض أنَّ ذلك لا يمكن أن يتصوَّر؛ لأن الإسلاميين دعاة إلى كتاب الله تعالى، وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم, ولا يمكن بحال أن نتصور أنهم شر يمكن أن تجري حكمة الله تعالى بدفعه بما هو أشر منه، وهم أولئك الليبراليون الذين ربما تنتهي مطالبهم إلى التقليل من نفوذ الكتاب والسنَّة على حياة الفرد والمجتمع.
والجواب عن هذا التصوُّر يظهر حين نقرِّر أنَّ الحاجة ماسَّة في كل زمان ومكان ليراجع الفقهاء أنفسهم، ويعيدوا تحرير المسائل الفقهية، وتقييم الأعراف والمصالح التي بنوا عليها الكثير من أحكامهم، كما أنَّهم في حاجة ماسة أيضًا إلى الالتفات إلى مؤسساتهم، وإعادة ترتيبها بما يتناسب مع المطالب المرجوة من تلك المؤسسات في كل زمان ومكان.
والفقهاء -كغيرهم من حملة العلوم الأخرى من سياسيين وأطباء واجتماعيين- قد لا يشعرون بالحاجة إلى إعادة النظر في منتجاتهم ومؤسساتهم لاعتقادهم أنها مازالت تلبي مطالب الأمَّة منهم, ولا يمكن أن يعرفوا جوانب القصور لديهم إلا من نظرة خارجة عنهم, وأصدق نظرة يمكن أن نتعرَّف بها على عيوبنا ومواضع النقص فينا هي نظرة خصومنا المتربصين بنا, وكلما كانت النظرة الناقدة أعنف وأقسى كلما كانت أكثر إلجاءً إلى إعادة النظر وترتيب المقاعد من جديد.
من هنا يمكن أن نفهم سنَّة التدافع فيما يقع اليوم بين الإسلاميين والليبراليين بشكل عام، وليس في شأن المرأة خاصة, فالليبراليون في نقدهم الشديد للمؤسسات الدينية لم يكونوا في كل ما قالوه مخطئين، بل إنَّ عددًا من مطالبهم شرعي، وقد سبق بعض الفقهاء إلى طرحه، لكن الطرح بقوَّة، وبشكل يدعو إلى إعادة النظر سواء كان من الليبراليين أو من نحا نحوهم، ومنها على سبيل المثال فيما يخص المرأة –موضوع محاضرتنا – المطالبة بتوظيف النساء كمعرفات في كتابات العدل والمحاكم، والمطالبة باستحداث بطاقات شخصية للنساء، والمطالبة ببيع النساء للملابس النسائية، والمطالبة بتقنين الأحكام القضائية المتعلقة بالحضانة والنفقة والخلع، والمطالبة بحماية المرأة من العنف الأسري..
لا يمكن أن يقال إن الليبراليين لم يتبنوا بقوة هذه المطالب، وأن هذا التبني منهم كان هو المؤثِّر الأكبر في التفات الفقهاء إليها بعد أن لم تكن محل اهتمام كبير منهم, بسبب: أن الأمور كانت تبدو لهم على ما يرام، ولم يكونوا ليستطيعوا الشعور بالمشكلة لو لم يكن هذا الطرح الليبرالي لها.
من هنا يمكن أن نفهم أثر سنَّة التدافع في تصحيح المسارات، وتقويم الذات, وهذا ما استطاع استيعابه فعلاً بعض الفقهاء والدعاة، فأخذوا يتعاملون بإيجابية مع مثل هذه الطروحات التي ينادي بها الليبراليون، بل بدأ بعضهم يحاول أخذ زمام المبادرة فيها، وهذا هو الأجدر لأنهم كانوا أحق بها وأهلها ..
ولم تكن السلبية في التعامل مع هذه الطروحات من قبل الكثيرين من الفقهاء والدعاة، بل الكثيرون من أفراد المجتمع, لم تكن هذه السلبية ناتجة عن عدم القناعة بما طرح, بل أصلها هو عدم القناعة بمن يطرح، والشك الكبير في مقاصد هؤلاء الذين يقدِّمون هذه الطروحات، وهو شك كثر لوم الإسلاميين عليه حتى من بعضهم، لكنه في الحقيقة شك لا يأتي من فراغ, بل إننا حين ننظر بإنصاف إلى دواعي هذا الشك نجدها ترقى به كثيرًا عن أن يكون شكًّا مجردًا، بل يصل إلى الظن الغالب في كثير من الأحيان، فمطالب الليبراليين ليست منحصرة في هذه الأمور الجميلة، بل إنَّ هذه الأمور التي قدمناها لا تمثل عشرة في المائة من مجموع ما يطالبون به, أما التسعون في المائة من المطالب الأخرى فهي أمور لا يمكن أن يتوافقوا هم والإسلاميون عليها، وإن كانت تتفاوت درجة الاعتراض عليها من حيث الحدَّة حسب الكم من الخطر الذي يراه الإسلاميون كامنًا وراء هذا المطلب أو ذلك.
فالليبراليون الذين وقفوا كثيرًا مطالبين بتوسيع نطاق عمل المرأة, وقفوا أيضًا ضد المستشفيات النسائية الخاصة بحجَّة أنها مكلفة جدًّا , مع أن هذه المستشفيات التي قررت وزارة الصحة البدء في تجربتها، ثم لم نعد نسمع لذلك ذكرًا، أقول إن تلك المستشفيات ستشجع الآلاف من بناتنا على تقبُّل مهنة التمريض والعمل بها, والعجيب هو هذا الاعتذار بالتكلفة المادية، وهو عذر لا يقبلونه هم حين يقال إن التوسع في توظيف النساء سيؤدي أيضًا إلى تكلفة مادية رفيعة،كما أنَّ التكلفة الكبيرة على افتراض وجودها واقعة في محلها، لا سيما إذا عرفنا أن العمل المختلط في المستشفيات قد ثبت تأديته إلى الكثير من المشكلات الأخلاقية التي تتعرف عليها جيِّدًا حين يرتاح لك خاطر مدير الشئون القانونية في إحدى المديريات الصحية في المملكة، فتذهل من كثرة ما يمر به من الشكاوى، وتذهل أكثر حين تجد أنه من كثرتها لم يعد يستطيع اتخاذ إجراءات صارمة فيها, إذًا فالتكلفة المادية صائرة في موضعها الصحيح، فلماذا نحارب أمرًا فيه حفاظ أخلاقي من أجل كلفة مادية، مع قولنا بالسعي لتحرير المرأة , فمثل هذا التناقض في الطرح يدعم قضية الشك التي تحدثنا عنها قبل قليل؛ لأنه يتضح جليًّا أن عمل المرأة ليس هو المراد لذاته، لكنه طريق جيد لتبرير الاختلاط.
الاختلاط الذي لم يعودوا يجدون حرجًا في المطالبة به صراحة، بعضهم يسوغه للضرورة، ويرى أنَّ حاجة المرأة للتوسع في العمل ضرورة, والبعض الآخر لا يشترط هذه الضرورة، بل يطالب به مطلقًا, لكنهم لا يجدون أمامهم مبرِّرًا مقبولاً للإصرار على هذه المطالبة، رغم رفض المجتمع جملة لهذا الأمر سوى العمل، فيقرنون الحاجة إلى العمل بالحاجة إلى الاختلاط.. وحتى العمل تعتورنا الشكوك في مقاصدهم من المطالبة بالتوسع فيه؛ لأنهم يقولون : إن في التوسع في العمل حل لمشكلات كثير من النساء المالية، حيث يتولين إعالة أهلهن وأطفالهن, وموضع الشك من هذه المطالبة أنهم يريدون حل مشكلة بمشكلة أخرى، وعلاج خطأ بخطأ, فكون المرأة تعول أحدًا أو تتولى المسئولية المالية عن أحد، فهذا خطأ ينبغي أن يطالب بتصحيحه وإلغائه، لا تكريسه بتحميل المرأة مسئوليات لا تتحملها شرعًا ولا طبعًا.
والعجيب أنَّ الاستدلال بأحكام الشريعة، واللجوء إلى خلافات العلماء إنما يكون حيث تسعفهم تلك الخلافات في بعض ما يطالبون به, لأنهم في مثل هذه القضية لا يلجأون إلى أقوال العلماء وأحكام الشريعة؛ لأن أقوال العلماء في هذه المسألة لا تسعفهم, فالفقهاء يجعلون عمل المرأة في دائرة المباح لا الواجب؛ ولا يعلِّقون على المرأة أيَّة مسئولية في عملها المباح هذا مهما كانت إيراداته.
ولو أنَّ هؤلاء المطالبين بتوسيع نطاق عمل المرأة كانوا صادقين في دعواهم رفع الحاجة عنها لدعوا إلى رفع الظلم عنها في هذه المسألة بدلاً من تشريعه, فالمرأة لا تضطر إلى العمل إلا إذا كانت تعول أهلها أو صغارها, وها هنا مكمن الظلم, فمن الذي ظلم المرأة وألزمها بإعالة أهلها ؟
ينبغي أن تكون المطالبة بإلزام العائل الحقيقي بأداء واجبه, فهو إما زوج مفرط مستغل لزوجته، أو مطلِّق مهمل لأولاده، أو قريب منشغل عن قرابته.
فإن لم يكن هناك من يتولى الإعالة، أو كان هناك من يتولى الإعالة ولكن ما يقدمه غير كافٍ, فالإعالة هنا من أوجب الواجبات على الدولة.
لكننا على كثرة ما نرى من المطالبة بالتوسع في إعطاء فرص العمل لا نجد غير القليل من الكتَّاب -وفي أوقات متباعدة- مَنْ يتحدثون عن واجبات وزارة الشئون الاجتماعية في استحداث نظام لإعالة المرأة التي لا عائل لها، ووضع سلم بالرواتب لهذا الشأن بدلا من أن نكلفها بتحمل مشاق العمل، وترك المفرط على حاله من السوء والتفريط.
والكل يعلم أنَّ عمل المرأة إما أن يكون في القطاع العام أو الخاص, أما القطاع العام فلا يشك اقتصادي أنَّ التوسع في عمل المرأة فيه يؤدي إلى البطالة الحتمية التي لا علاج لها إلا بفصل النساء من وظائفهن, فهل نغامر هذه المغامرة، ونتوسع في عمل المرأة كي نجد أنفسنا في حاجة لفصلها من عملها؟
أم نقف عند الحل الصحيح، وهو أن تعمل المرأة فيما نجد أن العمل محتاج إليها فيه، وحين لا يكون للعمل حاجة إليها فلا بد أن تتفرغ لعملها الواجب عليها شرعًا، وهو رعاية البيت وتربية أهله.
وإن واجهت قصورًا في مواردها المالية لفقد العائل فلا بد من الإلحاح في مطالبة الدولة ممثلة في وزارة الشئون الاجتماعية من استحداث النظام الذي أسلفت الإشارة إليه، ولا بأس من المطالبة بإعطاء النساء العاملات في بيوتهن رواتب من الدولة إذا نظرنا إلى أنَّ المرأة العاملة على تربية أبنائها منتجة وصانعة للمجتمع، بل هي أولى بمسمى المنتجة، وأولى بفرض راتب من امرأة تأخذ هذا الراتب مقابل تقديمها لبعض الفواصل في الإذاعة والتلفزيون. وعند التحقيق الإحصائي العلمي نجد أن أقل من 24 في المائة من النساء الموظفات هن من يعملن لرعاية أسرهن، وهذه الإحصائية تهون الخطب لمن يتحدثون باستمرار عن التكاليف, وقد جاء ذلك ضمن نتائج دراسة أجريت في جامعة الإمام محمد بن سعود، ونشرتها الشرق الأوسط في 4-9-1419هـ.
وخلاصة نتائج الدراسة أن 35% من الموظفات السعوديات يعملن بدافع الرغبة في تحقيق الذات، وأنَّ 34% من الموظفات يعملن لشغل أوقات الفراغ لديهن، و24%منهن للإنفاق على أسرهن. وهذه النسبة هي أقل من ربع النساء العاملات, فهل الحكمة والعقل يقتضيان قلب عرف المجتمع من أجلهن, أم أنَّ العقل والحكمة في مراعاة الأكثرية، وإبقاء العرف على حاله, والإسراع في تصحيح الخطأ الذي أوقع هؤلاء النسوة في إعالة أسرهن؟
أما العمل في القطاع الخاص فلا يخفى أنَّ بعض جهاته تقوم بتشغيل النساء متمردة على نظام الدولة في منع الاختلاط، والوارد بالأمر السامي رقم (759/8) في 5/10/1421 هـ، والذي ينص على منع الاختلاط في الأعمال والوظائف بين الرجال والنساء، والمؤكد على الأمر السامي ذي الرقم (11651) في 16/5/1403هـ، حيث ينص على عدم السماح للمرأة بالعمل الذي يؤدي إلى اختلاطها بالرجال، سواءً في الإدارات الحكومية، أو غيرها من المؤسسات العامة والخاصة، أو الشركات أو المهن، سواءً كانت سعودية أو غير سعودية، لأن ذلك محرمٌ شرعًا، وقد تم تجاهل هذا الأمر في تعميمي وزير العمل وأمير المنطقة.ب – الأمر السامي رقم 111/8 في 10/2/1408هـ لمجلس القوى العاملة لتحديد الضوابط الشرعية المنظمة لعمل المرأة، وعليه خرج قرار مجلس القوى العاملة رقم 1/م19/1405 في 1/4/1408هـ بعد دراسات عديدة، ومشاورات مع لجنة من كبار العلماء تم تشكيلها بموجب توجيهات سامية، وذلك للنظر في الضوابط الشرعية والتي خرجت بما يلي : الضرورة لعمل المرأة (حاجة المجتمع أو حاجة المرأة نفسها)، وموافقة ولي أمرها، وأن يكون العمل ملائماً لطبيعة المرأة، ولا يعوقها عن أداء واجباتها المنزلية والزوجية، أو يؤدي إلى ضرر اجتماعي أو خُلُقي، وأن تؤدي المرأة عملها في مكان منفصل عن الرجال، وأن تلبس طبقاً للحجاب الشرعي.
أقول إنَّ بعض الجهات الخاصة تعمل متمردة على هذا القرار، وسبب تمردها عليه أنها لا تجد في نشاطها ما يجعلها تفرد للمرأة مكانًا خاصًا مستقلاً عن الرجل، ولأنه لا متعقب لهم يقومون بمثل هذه الأعمال، وكان من الواجب على وزارة العمل أن تلزم هذه المؤسسات وهذه الشركات على تطبيق النظام حتى لو كانت غير مقتنعة به؛ لأن العمل بالنظام ليس من شروطه القناعة به، لكن الذي حصل هو عكس ذلك، فإنَّ النظام له قدسية ما دام يوافق بعض الأهواء، وتنتزع عنه هذه القدسية حين لا يوافق الأهواء الأخرى.
وهذه أيضًا إحدى دواعي الشك في المقاصد الليبرالية، فالنظام له حرمته حين لا يتعارض مع أهوائهم، أما إذا تعارض معها فكأن لا نظام, وليست بعيدة عنا كلمة خادم الحرمين الشريفين، ووصيته للصحفيين بعدم نشر صور النساء في الصحف، ومع ذلك لم يجد هذا الأمر من خادم الحرمين الاحترام المطلوب، وها هي الصحف تنشر صور النساء دون حاجة, ولأضرب المثل الآن بصحيفة ذات رواج تتعمد بشكل شبه يومي متابعة الأفلام السينمائية وجديدها، وتنشر صور الفنانات على صفحاتها, مع أنها -أي الصحيفة- تعلم أنها لن تستطيع أن تأتي بجديد في أخبار السينمائيات مع وجود هذا الكم من القنوات الفضائية المتابعة والمتخصصة في السينما.
والسينما نفسها أنموذج صارخ لمخالفة الأنظمة، فبينما نجد هناك قرارًا ساميًا يمنع التصريح لعرض الأفلام السينمائية، إلا أنَّ جهات دون مستوى المقام السامي تتجرأ لإصدار تصريح بذلك، مع أنَّ الحاجة إلى السينما حتى على سبيل الترفيه لم تعد قائمة مع وجود القنوات الفضائية التي أصبحت الآن تأخذ امتياز عرض كثير من الأفلام مسابقة بذلك دور العرض الذي كان يقضي التقليد بأن لا يعرض الفلم في القنوات التلفزيونية قبل أن يتوقَّف شباك التذاكر عن استقبال المشترين.
إذًا فهناك رغبة في معاندة المجتمع بكل فئاته لا معاندة المؤسسة الدينية وحسب كما يحب بعضهم أن يصوروا ذلك.
لماذا هذه المعادة؟
يعبِّر أحد الكتَّاب الليبراليين والإعلاميين النافذين السعوديين (هاني نقشبندي) عن سبب معاندة المجتمع في لقاء له على قناة (الجزيرة) في برنامج (أكثر من رأي)، قال: (إنَّ السعوديين لديهم إشباع ديني لا يوجد في مواطني أي دولة خليجية أخرى، بل لا يوجد في أي دولة عربية, ولو فرضت الديمقراطية في السعودية في هذه الظروف فسوف تؤدي إلى كارثة، حيث سيكون جميع المنتخبين من الإسلاميين، وهذا ما لا تريده الدولة التي تسعى إلى تخفيف الإشباع الديني، وبعدها يبدأ المد الديمقراطي بدخول السعودية، حيث نكون قد ضمنا قلَّة عدد المنتخبين من الإسلاميين، كما أنَّ الدولة في ذلك الوقت ستكون قد تحرَّرت كليًّا من وهَم أنَّ الدِّين وحده هو أساس نشأتها، ووصلت إلى قناعة بأنها لم تعد بحاجة إلى الإسلاميين).. أما ما تحدَّث به عن الدولة فإننا نعتقد جزمًا أنه كاذب فيه؛ لأن تصريحات أقطابها تتوالى في كل حين لتؤكد على إسلامية الدولة ونظامها الملكي، وأنَّ أساس نشأتها هو الإسلام, لكن ما عدا ذلك من كلامه ناطق بسبب المعاندة لتوجهات المجتمع بأسره بشأن المرأة التي يُراد منها أن تكون وسيلة لامتصاص هذا الإشباع الديني, وماذا يا ترى ضد الإشباع الديني، إنه القفر الديني، أي الفسوق، فهل يريدون أن تكون المرأة مفتاحًا للفسوق؟ أستطيع أن أجزم أنَّ ذلك مطلب للكثيرين منهم..
إنَّ المنتدى الاقتصادي في جدة -الذي هو في حقيقته منتدى المرأة، وليس منتدى الاقتصاد- قد اشتمل على مخالفات شرعية ونظامية كثيرة، ومع ذلك ظلَّت السخرية ممن ينتقده وينتقد ما فيه من مخالفات هي طابع الكتابات الصحفيَّة عنه.
وكذلك القنوات الفضائية الماجنة التي تروج للفساد الخلقي والاستهتار بالمرأة لا تجد من هؤلاء الليبراليين أي نقد، رغم أنها -باتفاق العقلاء- تنتقص من كرامة المرأة، وتسعى إلى امتهانها.
إن عددًا من الأستاذات الجامعيات المربيات الفاضلات أنشأن جمعية لحماية الفضيلة من وسائل الإعلام، وكان حقًّا على الكتَّاب الليبراليين -إذا كانوا وطنيين حقًّا، ويسعون إلى مصلحة المرأة حقًّا- أن يعاضدوا هذا المشروع ويؤيدوه، لا سيما وأنَّ شعار هذه الحملة أو الجمعيَّة كان أخلاقيًّا صرفًا، والأخلاق -كما هو مفترض- رابط ينبغي أن يتفق عليه الجميع، ولنستمع إلى جزء من بيان هذه الجمعية أو الحملة :
أيها المحترمون .. ملَّاك القنوات التجارية والخاصة : إننا بصفتنا المستهدفين من هذه القنوات، ولأنَّ العميل دائماً على حق، ولأن رضا المشاهد هو غاية ما تسعى إليه القنوات الفضائية التجارية الخاصة، من أجل ذلك .. فسوف نبادر بكتابة المفردات الأولى في هذه الصفحة الجديدة .. وهي على النحو الآتي :
• إننا لن نسمح بعد اليوم بعرض تلك المسلسلات العربية أو الأجنبية المدبلجة، المليئة بالخيانات الزوجية، والأبناء غير الشرعيين .. ومشاهد العري والقبل الساخنة، واللقاءات الحميمة .. والحوارات الرديئة الساقطة.
• إننا لن نسمح بعد اليوم بعرض الإعلانات التجارية ذات الإيحاءات والإشارات والأفكار القائمة على الاستغلال الجنسي للمرأة، أو تشجيع السلوكيات المنحرفة.
• إننا لن نسمح بعد اليوم ببث عروض الأزياء الفاضحة، سواءً للملابس الداخلية، أو النوم، أو لباس البحر، أو تلك الفساتين المناسبة لعروض (الستربتيز) الشهيرة .
• إننا لن نسمح بعد اليوم بعرض أغاني الفيديو كليب ذات الملابس العارية، والأوضاع المخلَّة، وحركات الإثارة الجنسية، أو تلك الأغاني ذات الكلمات الداعية للرذيلة والمحرضة عليها.
• إننا لن نسمح بعد اليوم للمذيعين والمذيعات بتبادل كلمات الغزل، وتداول النكات المبطنة، والكلمات المفخخة بالجنس، والتعابير ذات المعاني المزدوجة .
• إننا لن نسمح بعد اليوم بعرض البرامج الحوارية المستفزة لثقافة المجتمعات العربية، التي تصدم المجتمعات بالنماذج الشاذة من البشر ، وتفتح لهم الشاشات للإعلان عن انحرافهم، وتبرير سلوكياتهم، وتهيئة المجتمع لقبولهم.
• إننا لن نسمح بعد اليوم بعرض برامج المراقص والكباريهات والملاهي الليلية، التي نقلت العالم السفلي إلى كل بيت عربي، حيث تتزاحم أجساد الراقصين، وهي تنز بالعرق المشحون بالشهوة الذي يزكم الأنوف .
• إننا لن نسمح بعد اليوم باستمرار هذا الضغط الإعلامي من بعض القنوات التجارية التي تسعى بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى استلاب الهوية الثقافية، وإعادة صياغة شخصية المجتمعات العربية، وقولبة الشباب العربي ضمن إطار ضيق لا يمثل سوى شريحة محدودة للغاية، قصرت اهتمامها على الاستهلاك المحموم، والتقليد الأعمى للطبقات الدنيا من الدول الأخرى.
• إننا لن نسمح بعد اليوم باستمرار هذا الضغط الإعلامي من بعض القنوات التجارية التي تزيد من تأزم المجتمع العربي، وتغرقه باهتمامات النصف الأسفل من الجسد، بينما العالم أجمع يتجه نحو التقدم والتنمية والإبداع والبناء ، ومواجهة التحديات الحضارية الكبرى .
كما أنها تنطلق في توجهها من توصيات ومقررات إعلان مدريد في مؤتمر حوار الأديان الذي رعاه خادم الحرمين حفظه الله تعالى في 15رجب 1428هـ
ومع ذلك لم يشفع لها كل ذلك لتنال دعما من الليبراليين أو الكاتبات الليبراليات، الأمر الذي يؤيد الشكوك في مقاصدهم.. إنَّ ردود الفعل كانت سيئة جدًّا، هذا مثال لأحدها..
كيف تكون جملة “إننا لن نسمح” هي لغة خطاب لجمعية تطوعية، وتكرر عدم السماح أكثر من تسع مرات، وبعمومية غارقة وبدائية، والغريب أن أغلبية أعضاء الجمعية من حملة حرف “الدال”، ولكن عندما تتطلع على موقعهم المخصص لحماية الفضيلة إعلاميًّا تستغرب بالفعل قلة خبرتهم في التعاطي مع الواقع الإعلامي الفضائي العربي والمؤثرين فيه!! وهذه الجمعية تذكرني قبل سنوات بمبادرة المغنية السورية (أصالة نصري) بإعلانها في باريس لجمعية لمحاربة (التعري الغنائي العربي) بعد أن أصبحت أصالة في المراتب الخلفية بعد هيفاء وهبي، ونانسي، وروبي وغيرهن، ولكن أصالة وجدت أن تقليدهن بعمليات التجميل، ومنافسة هؤلاء المطربات هو الحل لاستمرار نجوميتها، أما الجمعيات وغيرها فلن تعدو أحلامًا في أحلام!!.
كيف نصدِّق أحدًا يزعم أنه يدعو إلى تحرير المرأة وهو يسخر بهذا الشكل من عمل فاضل كهذا العمل ؟
بل إن المعارضة الشديدة للقنوات الإعلامية الهابطة من قبل الأمة لم تجد لها أي صدى في كتابات الليبراليين، بل على العكس فقد لاقى النقد الذي وجهه الكتَّاب الإسلاميون لعرض الأفلام المدبلجة الكثير من السخرية والتهكم من قبل الليبراليين، مع أن أحدًا لم يستطع أن يقدم دحضًا لما يمكن أن يكون وراء هذه الأفلام من مفاسد.
إننا لن نذهب بعيدا أبدًا عن ذلك الكاتب الذي صرَّح بأنَّ هدفهم هو إضعاف الإشباع الديني, هذا الهدف الذي يمنعهم دائمًا من الرد على بعضهم، ومنهم هذا الكاتب ولو دفاعًا عن الدولة.
نجد أنهم أيضًا حين يدبجون الردود الفقهية على العلماء يذكرون في كل سطر تقريبًا ضرورة مراعاة حاجات العصر ومتغيراته, ولاشك أنَّ أعظم حاجات العصر هو مراعاة مطالب الأمة, ومع ذلك نجد أنَّ مطالب الأمة عند هؤلاء آخر ما يفكرون فيه، بل إنَّ الأمة عندهم على خطأ ينبغي تصحيحه. فمن الناحية العلمية لا يمكن أن تصمد قضايا المرأة من وجهة نظر ليبرالية أمام أي استبيان علمي في المملكة، وقد جربت جريدة (الحياة) ذلك، وكذلك موقع العربية، والجهاز الثقافي في الحرس الوطني.
وعدم رد بعضهم على بعض سمة واضحة تدل على اصطفافهم رغم أننا لا نشك في اختلافهم الحقيقي، لكن هذا الاصطفاف -حتى لو انتهكت الثوابت- أمر لا يدل على الأقل على نزاهة الموقف .. ومن أمثلة هذا الاصطفاف أنَّ من هؤلاء الكتاب من يظهر في وسائلنا الإعلامية يسخر من شرائع الإسلام دون أن يرد عليه أصحابه.
فهذه كاتبة تسخر من تعدد الزوجات، وتدعو إلى استصدار نظام بمنعه، وترى أن التعدد هو سبب ما استفحل في نظرها من زنا وخروج ومصاحبات.
هي لا تذكر أن سبب هذه المفاسد هو القنوات الفضائية، وضياع وانحسار سلطة الأسرة، بل السبب هو تعدد الزوجات، ونجد أنَّ الردود عليها لا تنشر، وهؤلاء الذين تنشر ردودهم لا يردُّون..
وحين طالبت منظمة (هيومن رايتس ووتش) بإلغاء نظام المحْرَم في المملكة العربية السعودية وجدنا أن هناك من الكاتبات الليبراليات من أيَّد هذه المطالبة من هذه المنظمة (بديعة كاشغري)، وفي المقابل لم نجد أحدًا اعترض عليها من كتَّابنا الليبراليين، ولو من باب كونها تدخُّل أممي في شئون الوطن..
الأمميون طالبوا السعودية بإعطاء المرأة حريَّة الزواج، وحريَّة الطلاق، وحريَّات مشابهة لهذا النوع من الحريَّات، كما طالبوا – أيضاً – بإعطاء الحرية لزواج المثليين رفقاً بهؤلاء الطيبين، وحتى يمارسوا حياتهم بصورة طبيعية!
كل هذه المطالبات والليبراليون السعوديون عنها مجرد نقلة أخبار لا غير، ولا نجد منهم من يتولى استنكار مثل هذه المطالب, لماذا ؟.
أيضًا مما يشككنا في التوجهات الليبرالية في المملكة تجاه المرأة أنها تتزامن مع نداءات وضغوطات دولية على المملكة بخصوص المرأة، كما أنَّ بعض التقارير الصادرة عن مؤسسات دولية تزعم التعاون مع كتَّاب سعوديين في تمرير برنامجها لتغيير المجتمع السعودي كسلسلة تقارير (راند).
ومع أن الليبراليين يشمئزون كثيرًا من مجرد ذكر تقارير (راند)، ويزعمون أنها كتبت للتفريق بين نسيج المجتمع الثقافي السعودي، مع ذلك لم نجد أحدًا منهم تعرض لهذا التقرير بالنقد، أو فكَّر ولو مجرد تفكير في إقامة دعوى ضد كاتبي مثل هذه التقارير.
وجاء تقرير وزارة الخارجية الأمريكية عن الحرية الدينية في العالم، والذي صنَّف المملكة العربية السعودية إلى جانب الصين وبورما، ومع ذلك ضعف الليبراليون عن الجواب، ولم يرد على هذا التقرير سوى الإسلاميين، لكن –للأسف- عبر الإنترنت،
وتأتي (كونداليسا رايس) تتمنى بفارغ الصبر أن ترى المرأة السعودية ضمن الوفد الأولمبي، وتنشر جريدة الرياض هذا الخبر دون أي تعليق، وبغض النظر عن خلافنا حول مشاركة المرأة السعودية من عدمه في الرياضات الدولية, مَنْ يعطي رايس الحق لتتمنى أو لا تتمنى للمرأة السعودية ؟!
إنَّ الأماني الصادقة للمرأة السعودية مصدرها المرأة السعودية نفسها، لا ما تريده رايس .
إنَّ مجرد اشتراكنا مع رايس في شيء يجلب لنا الشبهة في تصرفاتنا، حتى لو كان هذا المشترك مجرد أمنية.
على أي حال فسكوت جريدة (الرياض) عن التعليق -ولو من باب الوطنية- على مثل هذا القول أمر يجعلنا نشك في سر توافق قناعات الليبراليين مع المطالب الأمريكية،
وتكتب جريدة (الوطن) خبرًا عجيبًا يوم الأحد الموافق 2 ربيع الآخر 1427هـ عن باكورة التعاون بين القناة العامة الفرنسية، والتلفزيون السعودي، وذلك بإتمامهما -بإنتاج مشترك- فيلما عن المرأة السعودية، وقد عرض الفلم في القناة الفرنسية في يوم الأربعاء من ذلك الأسبوع, ولكن كيف قدَّم التلفزيون السعودي في إنتاجه المشترك مع التلفزيون الفرنسي؟!
الجواب كان بالالتقاء مع فتيات سعوديات يتمنين أن يكن ممثلات في هوليود، وينكرن مشروعية الحجاب، ويرددن القناعة المطلقة بالحضارة الغربية، ثم لا نجد من جريدة (الوطن) أو أي من الفاعلين في وزارة الإعلام أي اعتراض على هذا التصوير القاصر لمستوى المرأة السعودية!
أشياء كثيرة لا تجعلنا نثق بدعاوى الإصلاح التي ينادي بها بعض الليبراليين السعوديين، كما أنَّ شكوكنا يؤكدها ليبراليون آخرون، أو ليبراليون خارجون عن الليبرالية, من ذلك : أن كاتبة ليبرالية تتنصل من تاريخها الليبرالي لصدمتها في الليبرالية، وقد نشرت ما لقيته من الليبراليين من انحدار أخلاقي، وبعد عن الدِّين، وتآمر ضد الملتزمين في أحد مواقع الإنترنت، لكن هذه الكاتبة لكونها لم تكتب باسمها الصريح حظي مقالها بكثير من الإهمال، وادعاء كون هذا الاسم المستعار إنما هو اسم لبعض الإسلاميين، لكننا فيما بعد وجدنا هذا النقد بعينه يصدر عن كاتبة أخرى، لكنها كاتبة لم تتخل عن ليبراليتها، نشرت انطباعاتها في الجزيرة ( تاريخ الاثنين 5 ذي القعدة 1429 هـ العدد 259 ((أميرة القحطاني)، وهي تصف المجتمع الثقافي بـ(النسونجيين)، إلى غير ذلك من الصفات السيئة التي لم أجد أحدًا من الإسلاميين اجترأ على وصف هذا المجتمع الثقافي بمثل هذه الصفات التي ليس أقلها : إنهم لا يساوون قيمة الحبر الذي يكتبون به، وأنهم يستغلون المرأة استغلالاً غير شريف في سبيل إيصالها إلى الشهرة.
ثم تأتي كاتبة أخرى هي أكثر منها شهرة (نادين البدير) في مقال لها نشر في موقع العربية بعنوان: (الليبرالية السعودية : موضة أم نفاق ؟) وهو مقال يعبر عنه عنوانه، وتصل فيه إلى نتيجة أن الليبراليين السعوديين غير صادقين في دعواتهم، وأنهم يطلبون الشهرة والشهوة بهذه الدعوات، وليس بعيدًا عنهم الليبراليات السعوديات.
إذا كان هذا هو حال الليبراليين السعوديين في مواقفهم الحقيقية بشهادة بعضهم, بل بشهادة المرأة الليبرالية التي يفترض بها أن تكون أول مستفيدة من هذه الحركة الفكرية, فإنَّ شكوكنا في صدقية مواقفهم أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها في محلها
قصص ألَّفها لبراليون فيها الكثير من الإهانة للمرأة السعودية.. نجد أنَّ الكتَّاب الليبراليين مع قدراتهم المتميزة على نقد الاتجاه الديني لم يتفضل أحد منهم على نقد هذه الروايات، ولو من زاوية أدبيَّة، فضلاً عن نقدها من جانب خطئها في تصوير المرأة السعودية.
مع كل ما تقدَّم لا أستطيع أن أفهم ما يريده الليبراليون من المرأة في بلادنا ؟!
إنَّ دعواهم الرغبة في تحرير المرأة وترقيتها تواجَه بكل هذه التناقضات التي قدمتها،
كما لا يمكنني أن أجزم بأنهم يريدون تغريب المرأة ؟
لكن إذا لم يكن تغريب المرأة مطلبهم فأي بلاد الله يختارون لتكون المرأة فيها أنموذجًا لنا نحتذيه في تعاملنا مع المرأة، وتكون نساؤها قدوات لنسائنا ؟
لن يجيب أحد منهم ببلاد الغرب، فإنَّ المرأة في بلاد الغرب قد استهلكت وأصبحت شر نساء الأرض كما يؤكِّد ذلك مؤلفو كتاب (يوم أن اعترفت أمريكا بالحقيقة).
أما بلاد الشرق فأي بلد يريدوننا أن نكون مثله ؟ مصر، المغرب، الكويت، قطر، الهند، الصين؟
كل دولة من هذه الدول يمكن أن تجد فيها شيئًا يسرك فيما يخص المرأة، لكنك لن تستطيع أن تقول أريد المرأة في بلادي مثلها.
فإن كان كذلك فدعوا المرأة السعودية -كما يقال- في حالها، فإنَّ كل ما تحتاجه من الإصلاح لا يمكن أن يكون مستوردًا، لا يمكن أن تجد حلولاً لمشكلاتها إلا من داخل بيئتها، ومن تعاليم دينها.
ولعل من الطرف هنا أن أنقل أجزاء من رسالة الكاتب الأمريكي (غاري نيلر) التي صاحب كتاب لعنة عام 1920 والتي وجهها لخادم الحرمين الشريفين قال : “لقد درست الإسلام الذي بدأ في بلادكم، وقرأت عن التزام ملوك السعودية الثابت نحو الدين الإسلامي، ونحن هنا في الولايات المتحدة لدينا تراث ديني غني، ولكننا – بخلافكم – لم نلتزم بهذا التراث وتناسيناه، ما أدى إلى التراجع والخراب”.
واستشهد نيلر بمقولة الرئيس الأميركي الأول جورج واشنطن: «من بين كل العادات والتصرفات التي تؤدي إلى الازدهار السياسي، فإنَّ الدِّين والأخلاق لا غنى عنهما”.
وأضاف: «أحيي فيك وفي شعبك المحافظة على الدين والأخلاق أولاً وقبل كل شيء، إضافة إلى احترام الخط الحيوي للتمييز بين الرجل والمرأة، والتي هي سبب سقوطنا في أميركا أخلاقياً ومدنياً واجتماعياً». وقال: «لاحظت في الآونة الأخيرة إدانة الإعلام الأميركي لأخلاقياتكم، خصوصاً في ما يتعلق بموقع المرأة السعودية، إنني كأميركي أدرك كيف تخلينا عن حكمة أجدادنا، أعتذر عن حماقتنا، طالباً معذرتكم، وداعياً لكم للمحافظة على مثابرتكم في الحفاظ على المعايير العادلة التي تملكونها». وأضاف نيلر في خطابه إلى الملك عبد الله: «أمتنا تجاهلت حكمة الرئيس (توماس جيفرسون) القائلة بأنه متى ما سُمح للمرأة بالمشاركة والتصويت فإنَّ هذا سيؤدي إلى الفساد الأخلاقي، وأنه لا يمكن للمرأة الاشتراك علنياً في الاجتماعات مع الرجال، والشيء المخجل أن هذا ما نمارسه الآن”.
وتطرق نيلر – في رسالته إلى العاهل السعودي – إلى الأخلاقيات التي دعا إليها «الآباء المؤسسون» للأمة الأميركية، في ما يتعلق بمشاركة المرأة ودورها في المجتمع الأميركي، وحثهم على المحافظة على الأخلاق كمعيار أساس لنجاح الأمة الأميركية.
مشيراً إلى التبعات التي أعقبت إعطاء المرأة حقوقها السياسية في العام 1920، إذ ضرب الفساد الأخلاقي المجتمع الأميركي، والتخلي عن القيم الأخلاقية والمدنية، وانتشار الإباحية والطلاق والإجهاض، حتى أصبحت أميركا – بحسب وصف نيلر -: «الشيطان الأكبر»، الذي لا يمكنه العودة إلى أخلاق الآباء المؤسسين، والتوبة قبل إدراك هذه الحقيقة، مبدياً قلقه حول الوضع الحالي للمجتمع الأميركي، ومعيداً تقديره وامتنانه للالتزام السعودي الراسخ والثابت بالثوابت الدينية والأخلاقية، وراجياً ألا يؤثر «الغباء والحماقة والعمى الأميركي» على هذا الالتزام، ومختتماً بقوله: «سامحنا، لأننا لا نعرف ما نقوم به، وندين الذين هم أكثر صلاحاً منا”.
هذه مبررات يسيرة لبواعث الشك في صدقية مطالب الليبراليين.لكن يمكن أن يشكّك الليبراليون في صدقية مطالب الإسلاميين أيضا ؟
طبيعة الصراع تقتضي أن يقوموا هم أيضا بممارسة التشكيك, لكن فعلهم هذا لن يكون مؤثرًا؛ لأنه شك مبني على عدم محبة وحسب، وليس له ما يدعمه في الواقع، أو يرتفع به عن مستوى كونه شكًّا لا غير.
فالإسلاميون ليس لهم مطالب من المرأة, بل مطالبهم لها لا منها.
بينما الليبراليون يطلبون منها, وكل ما يطلبونه لها إنما هو لتسريع حركتها نحوهم.
فنبذ الحجاب والاختلاط ورفع الولاية عنها, ليست مطالب ناعمة كالحروف التي تكتب بها, بل هي مطالب ساخنة ثورية انقلابية , لا يمكن أن تقوم المرأة بها وحدها، كما أنها تكاليف سوف تفقد المناضلة لأجلها الكثير من كل شيء.
أما الإسلاميون فماذا يريدون منها ؟ لا شيء، فكل مطالبهم إنما هي لها، منها صيانتها،
الرفق بها، تحمل المسؤوليات الحياتية عنها.
ولا يوجد من تصرفات الإسلاميين ما يتناقض وهذه المطالب، فلذلك لا يمكن أن تكون مقاصدهم موضع شك أو قريبًا من ذلك.
هذا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
التعليقات