آخر الأخبار
عقبة أمام المد الشيعي
بعد الثورة الإسلامية في إيران والتي جعلت من أولياتها نشر المذهب الشيعي في العالم الإسلامي واجه القائمون على تنفيذ هذه الأولية عقبة كأداء تمثلت في كون المذهب الشيعي لا يرى مشروعية الجهاد إلا مع الإمام المعصوم،ولم تكن هذه الفكرة محل تقية أو إخفاء لدى مراجع الشيعة كأمثال محمد باقر الصدر في كتابه (اقتصادنا) وهذا يعني للشعوب الإسلامية المتطلعة إلى التخلص من زمن الهزيمة أن عليها تأجيل التفكير في حلول عسكرية إلى أمد غير محدد، وكان مراجع الشيعة على اقتدار تام لتأويل هذا القول أو إيجاد مخارج فقهية له لولا أن التاريخ الشيعي بات أمام جميع المطالعين فقيرا بالرموز الجهادية منذ تأسيسه في مقابل مذهب الأكثرية السنية الممتلئ منذ نشأة الإسلام بعمالقة الجهاد ابتداء بالصحابة الكرام دون استثناء وأبطال الفتوحات الإسلامية من التابعين مروراً بنور الدين زنكي وصلاح الدين والظاهر بيبرس وانتهاءً برموز المقاومة ضد الاستعمار الغربي في العصر الحديث، بل إن التاريخ الشيعي ملطخ بنماذج سيئة مع أعداء الإسلام، كابن العلقمي ونصير الدين الطوسي وإسماعيل الصفوي.
هذه العقبة حتمت على حكماء الشيعة والمسئولين عن تحقيق المطامح الدعوية -وربما التوسعية- للمذهب الشيعي -وربما الدولة الشيعية- أن يقدموا للأمة الإسلامية في هذه الأوقات الحالكة نماذج وضاءة تجيب مباشرة عن أي تساؤل حول الجهاد في المذهب الشيعي دون الحاجة إلى تكلف فتوى بهذا الشأن أو الالتفات إلى التاريخ النضالي الفقير ومحاولة العبث به.
فكان حزب الله اللبناني أنسب ما يكون للقيام بهذا الدور، لاسيما وقد تكاملت فيه عدد من المواصفات لا توجد في فرع آخر من فروع هذا الحزب في العالم الإسلامي.
فليس فرع الحزب في لبنان بحاجة إلى تأسيس أرضية جماهيرية كما هو الحال في الفروع الأخرى، كما أن العدو جاهز ولا يحتاج إلى صناعة، بل هو عدو من الطراز المطلوب؛ حيث يلتقي جميع المسلمين على عداوته كما يلتقون على قبلة واحدة، الأمر الذي يجعل صيتهم ذائعاً فيما إذا حققوا أمجاداً على حساب هذا العدو، كما أن اضطلاع حزب الله بهذه المهمة كفيل بإنساء الذاكرة اللبنانية والعربية والفلسطينية جرائم منظمة أمل الشيعية والتي اقترفتها أثناء الحرب الأهلية بحق المخيمات الفلسطينية، رغم أن هذه الجرائم لم تحض حتى الساعة بظهور إعلامي نظراً للظروف التي أحاطت بوقوعها أو لأمور أخر الله أعلم بها، ونسجل هنا علامة استفهام: هل هذا التجاهل حتى اليوم لكونها منظمة شيعية؟!
إلى هنا ولا اعتراض على القصة؛ إذ لا بأس أن يقال: إن من حق كل طائفة تعتقد صحة تعاليمها أن ترسخ قدمها وتدعوا إلى مذهبها، وليكن من نتائج ذلك تعزيز نفوذها وإحكام سيطرتها، لاسيما إذا صحب ذلك تصحيح بعض مفاهيمها والتكفير عن بعض ما يحسب التكفير عنه من أخطاء الماضي، لا بأس بكل ذلك، لكن القصة لم تنته.
نقاط التوافق بين الشيعة والصهاينة ضد المسلمين:
تقاطعت مصالح الشيعة مع مصالح أعداء الإسلام -ولاحظ أنني أقول: تقاطعت، ولم أقل حتى الآن: توافقت، وأقول: تقاطعت، ولم أقل حتى الآن: تآمرت فقوة حزب الله ونفوذه تعنيان استحالة قيام دولة حقيقية في حدود إسرائيل الشمالية، حيث لا يمكن لدولة لبنان نزع أسلحة حزب قوي يتبنى مقاومة المحتل، كما أن هذا الحزب لا يمكنه الانصياع لدولة ما زال يخيفها هاجس الحرب الأهلية، ولا بأس أن يعطي العدو حزب الله بعض المكاسب المعنوية التي تكفل له تحقيق المد الفكري، وهي في حقيقتها لا تؤثر على دولة إسرائيل؛ إذ إنها مطالبات بأسرى لن يخسر اليهود ولو أطلقوهم جميعاً، ومزارع لا تتجاوز مساحتها الأربعة كيلو مترات، تتجاوزها مطامح الصهاينة كثيراً، والخاسر الحقيقي جراء تلك المطالبات هم اللبنانيون جميعهم، والسنة منهم على الخصوص، أما الصهاينة فإن نجاح حزب الله في نشر طروحاته الدينية التي ليس في أصلها معاداة لليهود على حساب طروحات أخر يعد مكسباً لا بأس في أن يدفع ثمناً له مكاسب ضئيلة تعوَّد اليهود على تقديم أكبر منها في سبيل الوصول إلى غايات أكثر بعداً.
وكما أن المقاصد الدينية لدى صهاينة النصارى الأمريكيين تقاطعت مع مقاصد الصهاينة اليهود رغم العداء العقدي والتاريخي بين الفريقين، فكذلك وبالحرف تقاطعت مقاصد الشيعة مع مقاصد اليهود الصهاينة.
فاليهود يقيمون دولة لملك من آل داود، والشيعة يقيمون دولة لمهدي يحكم بشرع داود، واليهود يتوعدون بقتل العرب قاطبة في معركة وادي مجيدون مع ملكهم، ومهدي الشيعة أعظم نكاية في العرب من ملك داود.
وهذه الحقيقة المرة تخفى على الكثيرين حتى من الشيعة أنفسهم؛ إذ يعتقدون أنهم ينتظرون مهدياً يحكم بالإسلام ويعز الله به العرب معدن الرسالة وأصل الأئمة، إلا أن كتبهم ناطقة بغير ذلك.
روى المجلسي في بحار الأنوار([1]): [[ أن المنتظر يسير في العرب بما في الجفر الأحمر –كتاب مزعوم يظهر به القائم المزعوم- وهو قتلهم ]].
وروى أيضاً([2]): [[ ما بقي بيننا وبين العرب إلا الذبح ]].
وروى أيضاً([3]): [[ اتق العرب؛ فإن لهم خبر سوء، أما إنه لم يخرج مع القائم منهم واحد ]].
ولنقف عند هذه الرواية المروعة عند المجلسي في بحار الأنوار([4]) عن جعفر الصادق: [[ لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج لأحب أكثرهم ألا يروه؛ مما يقتل من الناس، حتى يقول كثير من الناس: ليس هذا من آل محمد، ولو كان من آل محمد لرحم ]].
والقارئ لروايات الشيعة في كتبهم المعتمدة حول جرائم مهديهم المزعوم في قتل العرب والمسلمين لا يبعد عنه ما ذكره سفر يوشع بن نون في تعداد مآثره في استئصال الكنعانيين.
والسيد محمد باقر الصدر في كتابه (تاريخ ما بعد الظهور) يؤكد تواتر هذه الروايات، وأن نكاية مهديهم ستكون في المسلمين، بل العجيب أنه بعد تصفيته للمسلمين لا يريق محجماً من دم في سبيل نشر دينه الجديد، هكذا يقول!
ومما يقوله منكراً روايات العامة -أهل السنة- التي تقول: إن المهدي لا يريق دماً مطلقاً: (وبإزاء هذه الأحاديث المتواترة القطعية –يقصد: أحاديثهم في القتل الذريع- يوجد ما ينفي مباشرة الإمام المهدي (ع) للقتل، الأمر الذي سمعنا تكذيبه من الأخبار السابقة). ثم يسوق الأحاديث الكاذبة في زعمه عند أهل السنة([5]).
أما حكم الإمام بحكم آل داود فقد جاء في أعظم مصادر الشيعة وأوثقها عندهم وهو كتاب (الكافي) للكليني حيث عقد باباً في الأئمة إذا ظهر أمرهم حكموا بحكم آل داود، ولا يسألون البينة، ثم روى عن جعفر الصادق: [[ إذا قام قائم آل محمد حكم بحكم داود وسليمان ولا يسأل بينة ]]([6]).
ولا يكذب السيد الصدر هذه الروايات، فقد عقد لها فصلاً بعنوان: المبررات الكافية لاتخاذ المهدي أسلوب قضاء داود وسليمان([7])، ويسوق لتبرير ذلك كلاماً تأويلياً لا يفيده الفهم العربي لتلك النصوص.
إذاً: فإن اليهود والنصارى والشيعة ينتظرون رجلاً يقتل العرب ويقيم دين داود، فهم إذا ينتظرون رجلاً واحداً!
وما يمنعنا أن نصدق ذلك؟!
فكما أننا صدقنا بتوافق اليهود والنصارى على هذه المصلحة رغم ظهور العداوة التاريخية بينهما وأنهار الدماء التي سالت بينهما فما لنا نتوقف عن تصديق توافق اليهود والشيعة وكتابهم (الكافي) في أوثق أجزائه وأصحها عندهم وهو الأصول ناطق بذلك؟!
وهناك نقطة التقاء أعظم وأنكى، وهي: أننا نعلم عداوة اليهود ضمناً للكعبة المشرفة، ولا أعرف عنهم نصاً يدعو إلى هدمها، أما الشيعة فإن هدم الكعبة المعظمة من أبرز أعمال قائمهم!
روى المجلسي في بحار الأنوار([8]): أن القائم يهدم المسجد الحرام حتى يرده إلى أساسه، والمسجد النبوي حتى يرده إلى أساسه.
وهو يهدم المسجد لأن القبلة ستتحول عنه إلى الكوفة، روى الفيض الكاشاني في (الوافي)([9]) عن الصادق: [[ يا أهل الكوفة! لقد حباكم الله بما لم يحب أحداً من فضل؛ مصلاكم بيت آدم وبيت نوح وبيت إدريس ومصلى إبراهيم… ولا تذهب الأيام حتى ينصب الحجر الأسود فيه ]].
ألا يعني كل ذلك تقاطعاً أو التقاءً –قل: ما شئت- في المقاصد الدينية لدى الفريقين؟!
إن هذه المقاصد أبعد ما تكون عن مقاصد أهل السنة، بل أبعد ما تكون عن مخيلتهم، حتى إن من مخلصي أهل السنة وأهل الفكر فيهم من غضب من شك بعض الطلاب بحقيقة الحرب الدائرة بين حزب الله واليهود، فألف مقالة سماها (خدعة التحليل العقدي) حاول فيها أن يرشد إلى إسلوب أمثل في تصور الأحداث وتصويرها، ونحن معه في تبني ذلك الأسلوب الذي دعا إليه، لكن لا في جميع الأحوال؛ إذ نجد أنفسنا عاجزين عن تبنيه في هذه القضية.
وأمر آخر تتقاطع فيه مصالح الأعداء مع مصالح الشيعة وهو كذلك العقبة الثانية أمام المد الشيعي، هو السلفية، فالاتجاه السلفي يحضى بعداوة الفريقين الشديدة، فمن جهة شيعية يرى الإمام الخميني في كتابه (الحكومة الإسلامية): أن بالإمكان التوافق مع نظام صدام حسين البعثي في العراق وليس هذا ممكنا مع النظام الوهابي في الرياض، كما أن كتابه (كشف الأسرار) طافح بالبغض الشديد لهذا الفكر وأهله.
وما فتئ علماء الشيعة في كتاباتهم ومناظراتهم يحاولون جاهدين عزل السلفية عن بقية الاتجاهات السنية؛ ليوهموا الناس أن الخلاف الحقيقي ليس بين الشيعة وأهل السنة، بل بين هذين الفريقين من جهة وبين السلفيين من جهة أخرى.
وسر ذلك أن السلفيين هم أشد أهل السنة قولاً في البدع؛ إذ لا تقتصر البدعة عندهم على الجوانب العملية وحسب، بل تسبق ذلك إلى منهج التلقي والفهم لنصوص الكتاب والسنة واستنباط الأحكام والعقائد، مقتصرين في ذلك على طريقة الجيل الأول من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم بإحسان، هذا الجيل الذي يكن له الشيعة بغضاً شديداً، وبقدر ما يكون البعد منه أو القرب يكون البعد عن التشيع بمفهومه المذهبي أو القرب منه.
وهذه الطريقة كفلت للسلفيين حصانة من البدع، وأبقتهم أكثر المسلمين نقاءً من أوضار الخرافة وبعداً عن سفاسف التأويلات، فجعل مذهبهم ينتشر بروحه وبساطته ودون جهد يذكر من أهله في جميع أرجاء العالم الإسلامي، بل ويؤثر إيجاباً على أبناء الفرق السنية الأخرى، حتى إن كثيراً ممن يظهرون مخالفة السلفية في منطلقاتها تأثروا بها شعروا أم لم يشعروا.
فكان السلفيون في طرف والشيعة في الطرف المقابل، وبقي السلفيون علماء وعامة أبعد ما يكونون عن التأثر بمفاهيم الشيعة الذين اجتهدوا منذ الثورة الإيرانية في تصديرها إلى العالم الإسلامي في أغلفة محكمة بكل ما تحمله كلمة تصدير من معنى، وكانت قدرة المجتمعات المسلمة في فك تلك الأغلفة وفضح ما تحتها بقدر ما فيها من قرب من الفكر السلفي.
الحاصل: أن الدولة الشيعية التي يعدونها للمهدي ويأملون وجودها حقيقة في عام (2050) لابد لقيامها من الحد من نفوذ الفكر السلفي وإبعاده عن الطريق فكرياً وسياسياً بأي وسيلة كانت.
وها هي خطط الشيعة في تكوين فيدرالية شيعية بجنوب العراق بالتعاون مع المحتل الأمريكي تواجه وبقوة من المقاومة العراقية التي هي بمختلف أطيافها سنية سلفية، كما يبدوا من تصريحات قادتها التي تذاع من حين لآخر.
وإذا كان السنة أخبث وأنجس عند الشيعة من اليهود فما بالك بالسلفيين منهم الذين هم أبعد السنة عن مقارفة ما عليه الشيعة، قال سيدهم نعمة الله الجزائري([10]) عن حكم أهل السنة: (إنهم كفار أنجاس بإجماع علماء الشيعة، وإنهم شر من اليهود والنصارى، وأن من علامات الناصبي تقديم غير علي عليه).
فإذا كنا عندهم شر من اليهود فما العجيب في أن تتقاطع مصالحهم مع اليهود ضدنا؟
والمفيد لنا هنا أن نتذكر أن المناظرين الشيعة إذا وُوجهوا بمثل هذه النصوص من نعمة الله الجزائري أبوا البراءة منها والقول بخطأ سيدهم، واكتفوا بتأويلها تأويلات باطنية سمجة.
أما اليهود فلا نحتاج إلى إطالة في بيان عدائهم لأهل السنة الذين يخيفونهم بما يرونه من مشروعية الجهاد في كل زمان ومكان، إلا أن الطرق الصوفية الغالية والمحسوبة على أهل السنة شغلت نفسها بشعائرها البدعية الداعية إلى انصراف الإنسان إلى نفسه وانعزاله عن كل ما يحيط به في شعائر رهبانية ما أنزل الله بها من سلطان، وكان الجهاد في سبيل الله أحد ما شغلت الطرق الصوفية نفسها عنه من شعائر الإسلام، وكان لتمكن هذه الطرق في مختلف أنحاء العالم الإسلامي وعدم تفاعلها مع الأحداث أكبر الأثر في تمكين الدول الصليبية في مطلع العصر الحديث من الاستيلاء على معظم بلاد المسلمين التي لم تنهض لمقاومة المحتل إلا مع النهضة السلفية في مطلع العصر الحديث، وأصبح لكل بقعة من بقاع المسلمين حظ من مقاومة المحتل بقدر حظه من التأثر بالفكر السلفي وبعده عن الانعزالية الصوفية، وقد وصل التأثير السلفي إلى الصوفية نفسها؛ حيث شهد مطلع العصر الحديث تأسيس طرق صوفية حاولت الجمع بين تزكية النفس الصوفية والالتفات إلى العمل الإسلامي والذي هو من مقومات الفكر السلفي، كما حدث في ليبيا وتأسيس الطريقة السنوسية.
إذاً: فأعداء الإسلام لهم تجارب غير محمودة مع السلفية، جعلت محاربة الفكر السلفي وتشويهه ودعم خصومه من أهم ما تعمل عليه من استراتيجيات في المنطقة.
حقيقة الخلاف بين الشيعة وأعداء الإسلام:
فإذا كان الشيعة يبشرون بقتلنا مع إماهم المزعوم كما يبشر بذلك اليهود والنصارى مع ملك آل داود وإذا كانوا يروننا أخبث وأنجس من اليهود وإذا كانت مصالحهم تلتقي أو تتقاطع ضدنا مع اليهود والنصارى فهل ما يحدث بينهم من عداوة وسجال تمثيلية، كما يقول البعض؟
إن للقائلين بأن ما يحدث هو تمثيلية مبررات لا يمكن أن نستهجنها أو نستهين بها، لا سيما وأن العصر الحديث قد كشف لنا عدداً من مسرحيات العدواة التي سالت فيها دماء حقيقية، ثم تبين بعد عقود أنها كانت مسرحيات هادفة، وليس أقلها خطراً مسرحية ثورة اليهود الهاجانا على الانتداب البريطاني في فلسطين، والتي خرجت على إثرها الدولة المنتدبة لتسلم البلد للثوار اليهود سنة (1948م) وذلك بطريقة قانونية شكلاً، دولة منتدبة سلمت البلد للثوار، هكذا وبكل بساطة!
كما ظهر جلياً من خلال كتابات وليم كار ورجاء جارودي أن المذابح التي لحقت باليهود على يد الألمان كانت مسرحية كبيرة أريقت فيها دماء كثيرة، لكنها مع هذه الدماء ظلت مسرحية هادفة.
إذاً: فالقول بأنها تمثيلية ليس قولاً سقيماً كما يحلو للبعض أن يصوره، لكنه مع توجهه ليس حتى هذه الساعة القول الذي أميل إليه؛ وذلك أن التمثيليات الخطيرة من هذا النوع والتي تراق فيها الدماء ويعبث فيها بعقول الشعوب ومقدراتهم يكون فيها عادة من الإحكام والسرية ما يجعل فضحها أمراً يحتاج إلى عقود طويلة من الزمن، ويظل القول بها نوعاً من التخرص الذي يبعد بصاحبه عن الحلول الواقعية ويدخل به في حمأة جدال لا ينتهي، ثم لا يصل معه إلى أكثر من كونها توقعات، وهذا ما لا نريده.
ونحن وإن قلنا في الشيعة واليهود ما قلنا فلا شك أنهما أمتان متغايرتان متعاديتان لكل واحدة منهما مصالح، وإن تقاطعت مع مصالح الأخرى أو ربما توافقت فترة من الزمن أو في جانب معين إلا أنها لا يمكن أن تتطابق، كما لا يمكن أن تتطابق مصالح أي أمتين على هذه البسيطة.
فما يحدث هو عداوة حقيقية، ولكن لا بأس للأعداء من تمكين بعضهم لبعض وذلك في الأمور التي يخسر الفريقان إذا اتخذا فيها مواقف متغايرة.
فالحرب الأخيرة –مثلاً- كانت حرباً حقيقية، لكن الفريقين سارا فيها سيرة تحقق لكل منهما ما يريده من مكاسب.
أما اليهود فقد أوقعوا بالحزب من الخسائر المادية والبشرية ما يكفل لهم أمن جانبه ولمدة سنوات عديدة، ولم يجهزوا عليه؛ لأن موته يعني وحدة الدولة اللبنانية وقوة السنة في هذه الدولة، وهي قوة لا يريدونها في حدودهم الشمالية بعد أن ذاقوا الأمرين منها لدى السنة في فلسطين في الجنوب والوسط والعرب السنة داخل حدود الثمانية والأربعين الذين تذكر التقارير أنهم بالرغم من محاولات اليهود الجادة منذ إنشاء الكيان الصهيوني لاستيعابهم إلا أن التدين والروح الجهادية والعدائية لليهود تنموا بينهم مع إشراقة كل صباح.
كما أن كيانهم محاط بدول سنية، فكان من مصلحتهم أن يوجدوا لأنفسهم منفذاً شيعياً في الشمال يرون أنه وإن عاداهم إلا أن هذا العداء يمكن استيعابه، على عكس العداء السني.
واستفاد حزب الله أن ظهر بمظهر المنتصر الصامد أمام العدو الصهيوني في وقت يبحث فيه المسلمون عن قيادات دينية تحقق نصراً، وهذا ما أكسب الشيعة قبولاً بين السنة حتى المثقفون منهم، بل وصل القبول للشيعة إلى حد إعجاب كثير من السلفيين بمنجزات الحزب ضد إسرائيل، وهو أمر لم يكن الشيعة ليحلموا به لولا مثل هذا النصر.
وقد سارع الشيعة في استغلال هذا الموقف، فكثفوا من الدعوة إلى التشيع في هذه الفترة الوجيزة، وحققوا مكاسب فعلية، ولا أعني بذلك استقطاب كثيرين إلى التشيع، بل تأسيس أرضية لقبول الاستماع بإنصات إلى دعاة الشيعة، وهو مكسب لا يمكن أن يقال عنه إلا أنه إنجاز خطير لم يكن ليتم لولا هذه الحرب ولمعان حزب الله الجهادي، الذي استحق عند كثير من السنة لقب صلاح الدين العصر الحديث، (وليته كذلك).
وهو إنجاز جعل أحد رموز السنة -وهو الشيخ يوسف القرضاوي والمعروف عنه التساهل في أحكامه ضد الشيعة- يصرخ محذراً من المد الشيعي في مصر واستغلال الشيعة حب المصريين لرسول الله وآله ليحولوهم إلى المذهب الشيعي.
وجاءت تقارير من سوريا تحذر من تغلغل شيعي بين الأكثرية السنية السورية.
هذه بعض التأملات في الواقع الشيعي الحاضر، أسأل الله أن ينفع بها ويحق الحق بكلماته إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
د.محمد بن إبراهيم السعيدي
التعليقات