الخصوصية بين الحقيقة والخيال

تكبير الخط تصغير الخط

تعريف المصطلح وبيان الأهمية:

المراد بخصائصِ الأمم -أو ما يُسَمَّى اليوم بالخصوصية-: كل ما كان له أثرٌ في تشكيل أمة من الأمم، من الدين والتاريخ والجغرافيا والأخلاق واللغة والهيئة الاجتماعية والرؤية للكون والحياة، وما ينتج عن مجموع ذلك من علوم وآدابٍ وعادات وأعراف.

فكلُّ أمّة وكلُّ شعبٍ وكل مجتمع له خصوصيَّاته، وأيّ أمة أو شعب أو مجتمع لا يملك خصوصياتٍ فهو تَجَمُّع بشريٌّ ذائب وفي طريقه للاندثار تحت عباءات الأمم الأخرى، والأمة التي تحفظ خصائصَها وتقوم بواجبها وتُلَقِّنُها أجيالَها هي الأمةُ التي تبقى بقاءَالتأثير والعطاء والْمَنَعَة، لا بقاء الوجود وحَسب؛ وبقدر ما تُفرِّط أيُّ أمة بشيءٍ من تلك الخصائص فإنها تقترب من فنائها، وليس هذا خاصًّا بالأمة الإسلامية، بل هو سنَّة كونيةٌ تتضح لك من خلال سبر تاريخ الأمم جميعها؛ فما من أمة صغرت أم كبرت، زالت أو انصهرت في غيرها، إلا وتجد لتخلِّيها عما اختصَّت به من السجايا والسمات أثرًا في ذلك؛ وما من أُمّةٍ عزَّت وبقيت إلا وكان لاعتصامها بسجاياها ومُثُلِها أثرٌ في ذلك، بصرف النَّظر عن تغلُّبها العسكريّ من عدمه؛ فقد تُهْزَم الأمّة عسكريًّا أو اقتصاديًّا أو سياسيًّا، أو تُهْزَم في كل ذلك، لكنها تبقى حضاريًّا بقاءً يجعل عودَتها أمرًا محتومًا بسبب تمسُّكها بسجاياها التي تظلّ تُلِحّ عليها حتى تعودَبها إلى ميدان الوجود الحضاريّ.

نعم، هناك خصائص للأمم نحكم عليها بالسّوء من منطلقِنا الإسلاميّ، وهذه الخصال السيئة قد تكون ممّا يتعارض مع بناء مجتمعٍ متمدّنٍ، كخصلة العُدْوانية بين مُكوِّنات المجتمع سواء أكانت هذه العدوانية نتيجةَ تنافس زراعيٍّ أم تجاريٍّ، أم تنافسٍ قبَليٍّ.

فالتنافس التجاريّ والزراعيّ يُحَدِّثُنا عنه التاريخ في التجمعات القرويّة الزراعية أو الساحلية؛ كحال اليونان في القرن الرابع قبل الميلاد، وحال إيطاليا في القرن الرابع عشر الميلادية، وحال الكثير من البلاد الخصبة والبحرية حينما تنحسر عنهما السلطة الجامعة.

أما التنافس القبَلي فالأصل فيه أن يكونَ بين سُكَّان الصحراء الذين الأصلُ فيهم أيضًا أن لا تكونَ لهم دولةٌ بسبب عامل اقتصاديٍّ وعامل أمني؛ أما الاقتصاديّ فلأن الصحراء لا تمتلك مواردَ تساعد على قيام الدُّوَل؛ وأما الأمنيّ فلأن فقرَ الموارد يجعَل سكانَ الصحراء يعتمدون على اقتصادِ الحرب؛ أي: جعل الحرب البينيَّة مصدرًا أساسًا أو وحيدًا للدخل؛ ولذلك فإن مشاريع إقامة الدول في الصحراء تفشَل دائمًا، وربما لا يَعْرف التاريخُ محاولات كثيرةً نجحت في تحقيق ذلك؛ وقد حاول العربُ وفشلوا حينما سعَوا لإقامة امتدادٍ لدولة كندة في وسط الجزيرة وشمالها؛ ولو أنَّ دولةَالمرابطين اقتصر بقاؤها على مكان نشأتها -وهو الجانب الغربي من الصحراء الكبرى- لما استطاعت الاستمرارَ؛ لكن بَسْط نفوذها على الأقاليم الشمالية لإفريقيا وجنوب أوروبا حقَّق لها النجاحَ كدولة؛ بينما لم يُلاق جناحُها الجنوبيُّ المنبسط من السنغال حتى غانا النجاح نفسَه، ربما لصعوبةِ تفكيك المجتمعات الإفريقية آنذاك.

قلت: إنَّ الخصائصَ السيئَة التي تتعارض مع التمدُّن لا يُمكن المطالبةُ باستبقائها؛ بل إن استبقاءَها سيكون حتمًا عائقًا دونَ الصعود الحضاريِّ.

أما الخصال السيئة التي بالرغم من سوئها يُمكن مع وجودِها إنشاءُ مجتمع مدنيّ فهي كثيرة، ومنها الفساد العقديّ والفساد الأخلاقيّ، فقد تبلغ بعضُ الأمم قمَّة مجدها الحضاريِّ في ظل وجود الفسادين؛ كالمجتمعات التي ذكَر الله إهلاكهُ إياها في القرآن، فقد كانت مجتمعاتٍ مدنيّةً فاسدةً عقديًّا وأخلاقيًّا، كما جاء في الكتاب العزيز وصفُ عاد وثمود وقوم فرعون؛ لكنَّ سَبَبَ حضارتِهم ومدنيَّتهم لم يكن ذلك الانحراف، وإنما كان سرُّهما شيئًا من تلك الخصال التي تنشأ بفضلها الحضارات كالعلم والصناعة والمعمار والقوة والأمانة والعدل والصبر والوِحدة والإدارة؛ وكُلُّها خصالٌ لا مانع من أن تقع في أُمَّة مُبْتلاة بالانحراف العقدي والأخلاقي كما كان عليه الحال في الدولة الرومانية التي بنت حضارةً ومجدًا طويلين بفضل ما يملكه الرومان من خصائص ذاتية في أمَّتهم، وخصائص في بِنْيَة الدولة وإدارتها إقليميًّا وعسكريًّا وقانونيًّا، وما عندهم من المعمار والصناعة؛ وبما أننا قلنا: إن الحضارة تنشأ مع وجود الانحرافات في العقيدة والأخلاق فإنَّ هذه الانحرافاتِ تبقى شؤمًا على الحضارةِ حيثُ تبقى تنخَر في المجتمع كما نخرت في المجتمع الروماني إلى أن أصبحَ أضعفَ بكثير من أن يحملَ الأعباء الحضارية؛ إذًا فمثل هذه الانحرافات وإن لم تكن تَحُول دون قيام الحضارة، إلا أن طُغيانها يَحُول دون استمرار الحضارة، ولعل مما يُصَدِّقُ ذلك قول الله تعالى: ﴿وَإِذَا أَرَدنا أَن نُهلِكَ قَريَةً أَمَرنا مُترَفيهَا فَفَسَقوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيهَا القَولُ فَدَمَّرنَاهَا تَدمِيرًا﴾ [الإسراء: ١٦]، فالفسق مُدَمِّر للحضارة وليس مانعًا من نشوئها.

استشكال وجوابه:

وهنا محل استشكال وهو: ألم نَقُل في بداية حديثنا: إنَّ الأخلاق والأعرافَ مع ما أنتَجن من دين ولغة وتاريخ وجغرافيا هن من خصائص الأمم؟! فكيف لنا أن نقول: إن الدين المنحرف والأخلاق الفاسدة يمكن معهما إقامة حضارة، مع أن إصلاح الدين والأخلاق لازِمَان، فهل يتنافى إصلاحهما مع استبقاء الخصائص التي تلزم لبقاء الحضارات؟!

والجواب على نَحْوَين: نَظَرِيٍ وتطبيقي:

أما النظري فنقول: نعم إن الحضارةَ القائمةَ على عقيدةٍ منحرفة وأخلاق فاسدة يلزم أهلَها إصلاحُها، فإن نجحوا في ذلك فإنهم يكونون قد أسَّسوا حضارةً جديدة تنحصر علاقتها بالأولى في الزمان والمكان وحسب.

وأما النحو الثاني التطبيقي: فإن ذلك الأمر المفترض غيرُ واقع تاريخيًّا، فالتاريخ لا يُحَدِّثُنا عن أمة كانت منحرفةً في الدين والأخلاق ثم أصلحت نفسَها في سياق زمنيّ ومكانيّ واحد.

نعود للدولة الرومانية التي أضعفها الفِسق عن حمل أعباء الحضارة، فلم تجد بُدًّا من إضفاء القداسة الدينيّة عليها كي تُغَطّيَ هذا الخواء الداخلي الذي أصبح يُهدِّد أركانها؛ حتى جاء الفتح الإسلاميّ الذي حمل روحًا تُسْقِطُ القداسة عن كل شيء إلا الحقّ،فتهاوت هذه الإنبراطورية بسرعة فائقة أمام جنود الفتح الإسلامي الأقل عددًا وعدَّة بمراحل كثيرة؛ وذلك لأن دعوةَ الإسلام قبل أن تُسْقِطَ البناءَ العسكريَّ والإداري الروماني أسقطَت العمودَ الذي يقوم عليه ذلك البناء وهو دعوى القداسة، فلما سقط الأساس المعنويُّ لتلك الدولة انهارت سائر جوانبها؛ والأمر في الدولة الكسروية شبيهٌ بذلك كلّه.

والدُّوَل هي الأوعية الصحيحَة للحضارات، ومن التكلُّف الشديدِ محاولة البعض إثباتَ حضاراتٍ لشعوبٍ لم تنتظِمها دولةٌ؛ كالشعوب البدائية في المناطق المتجمِّدة أو شعوب الصحراء الكبرى، إلا وفق تعريفٍ واسع جدًّا للحضارة يشمل الثقافةَ بمفهومها الواسع الذي يضمّ اللغة واللباس والفنون والمِهَن؛ فعلى ما أخْتَارُهُ من تعريفات فإنَّكلَّ الأمم يكون لها ثقافةٌ حتميَّة تقوم بها حياتُها من معارف بيئيَّة ومِهَنية وفنون وقوانين عُرْفِيَّة، ومعنى كونها حتميَّة: أن الأمَّة لم تُحَصِّلها باجتهادها وسعيها ومثابرتها؛ بل هي معارف فرضت نفسَها على الناس من خلال تراكم المعلومات والخبرات عبر الأجيال الكثيرة المتطاولة؛ مثال ذلك: علم النجوم الذي هو علم دقيق جدًّا،تتوارثه الشعوب البدويَّة في جزيرة العرب والصحراء الكبرى وصحراء منغوليا وغيرها، يعرفون به طُرُقَ السير واختلافَ الفصول وتوجّهات الرياح والأمطار وأوقات الزرع والحصاد وأوقات الصيد، ومع ذلك لا أَعُدُّ هذا العلمَ بهذه الكيفيَّة حضارةً، بل ثقافة أكسبَتهم إياها الحاجة وتراكُمُ الخبرات، وليس طلب العلم والتأمّل والتجربة؛ والشعوب التي تمتلك ثقافات ليس حتمًا أن يكون لها حضارة؛ وقد تكون تلك الثقافات نواةً في أمة لبناء حضارة قويَّة.

الحاصل ممَّا تقدَّم: أن كلَّ أمة من الأمم عبر التاريخ القديم والحديث لها خصائصُ تميزها عن غيرها، وتوجب أن تتعاملَ وأن تُعَامَل وفقَ ما تقتضيه خصائصها.

الحديث عن خصوصية المملكة العربية السعودية:

الحقّ أنني لا أعلمُ لماذا الحديثُ عن خصوصية المملكة العربية السعودية يُغضب البعضَ مع أنَّ جميع المجتمعات في كل أنحاء العالم تتحدَّث عن خصوصيتها، ويدعو مفكِّروها وعقلاؤها إلى عمل ما يمكن عملُه كي لا تُفَرِّط فيها أممهم فتقعَ في الانسياق أو الذوبان وراء كل تحدٍّ ثقافي؟! فمثلًا مفكِّرو دول أوربا الغربيَّة كانوا يخشَون من المدّ الثقافي الشيوعيّ، ومع أنَّ دولهم قائمةٌ على حرية الرأي إلا أنها كانت تَحُول دون تسرُّب الماركسية إلى بلادهم، ولا أعني الماركسية كحزب سياسيّ فقط، بل كلَّ ما يمثِّل الماركسية من أدبٍ وشعر وغِناء؛ وأضرب مثالًا على ذلك بمكسيم غوركي الذي كان أدبه المخلّص للماركسية سببًا لمعارضته في أوربا لدرجة رفض ترشيحه لجائزة نوبل خمس مرات، وكان ذلك في وقت مبكِّر جدًّا،وهو وقت قوَّة الدعاية والقسوة الشيوعية إبَّان حكم لينين وستالين، وعمومًا كانت أوربا الغربية بشكل عامّ حذرة جدًّا من نشر الأدب الماركسي لما يمثِّله من عدوان على القِيَم والتاريخ الأوربيَّيْن؛ وحتى الأدباء الماركسيين الذين شجَّعتهم أوربا الغربية، إنما فعلت ذلك لأنَّ أوربا كانت تُخَاطِب بهم بيئاتٍ بعيدةً جدًّا عن البيئة الأوربية،وهم رعايا الدول الاستبدادية في أمريكا الجنوبية؛ من أمثال مغويلإنجيل، الأديب الجواتيمالي الذي مُنح جائزة نوبل في ستينات القرن الماضي.

وفي داخل أوربا الغربية كان الغرب الأوربي يخشَى من المدِّ الثقافي الأمريكي بعد إنقاذ الولايات المتَّحدة لأوربا من العدوان الفاشي؛ ولا زال الويلزيون والأسكتلانديون والإيرلنديون يواجهون الثقافة الإنجليزية ويحرصون على تدارك ما يمكن تداركه من خصوصياتهم.

بل إن موجات العنصرية التي تجتاح أوروبا اليوم أحد أبرز أسبابها: قلق العنصريِّين على ثقافات بلادهم من المدِّ الإسلامي.

والمفارقة: أنَّ الحديثَ عن مخاطر العولمة كان في أوربّا أكثر منه في البلاد العربية، مع فارق مهمّ وهو أن التحذير منها لم يكن لدَى المثقَّفين الأوربيّين يُوَاجَه بتسطيحٍ وازدراء كما هو الحال عندنا؛ إذ كان كثيرٌ من كُتابنا يوهمون المجتمعَ بأن العولمة تعني استخدامَ التقنيات الحديثة والاطّلاع على ما عند الناس؛ حتى وصل الأمر لأن يَبُثَّ التلفزيون مسلسلًا تمثيليًّا يشرح كيف أنَّ العولمة ليست سوى الانتقال من البيئة القرويَّة المتخلِّفة إلى البيئة المدنية الراقية؛ بينما تُؤَلَّفُ في الغرب الكتب الكبار في بيان مخاطرها ككتاب (فخ العولمة)لهانس بيتر؛ وكتاب (ما هي العولمة) لأولريش بك.

إن كلَّ شيءٍ صغر أم كبر يتغيَّر في أُمَّة لتُشابه أمةً أخرى فيه يُحْسَبُ في عِداد الخسائر في المعركة الحضارية؛ وقد نتساهل في عادة واحدةٍ أو سلوك واحد نقلِّد به أُمةً أخرى؛ لكننا حين نفعل ذلك لا نُدرك أننا فتحنا بابًا لسيل من العادات والسلوكات تظلّ تَتَّابع حتى تُغَيِّر وجه المجتمع، ومِن ثَمَّ تُسْهم في تغيير أفكاره ورؤاه.

النبي ﷺ والمحافظة على الخصوصية:

ولذلك كان مِن هدي النبي ﷺ حثُّ أمته على مخالفة الأمم الأخرى في سلوكات وعادات قد يستغرب المرء لأول وهلة قوةَ التحذير من التشبّه فيها؛ لكن النبي ﷺ كان يرمي إلى سدِّ باب الانزياح نحو الأمم الأخرى عقيدةً وفكرًا وأخلاقًا، وذلك بتضييق الخناق أمام تسرُّب كلِّ ما مِن شأنه المساس بخصوصية الأمة.

فأمر بمخالفة اليهود والنصارى في إعفاء اللحى وحفّ الشوارب، وأمر بصبغ الشيب، وأمر بتأخير السحور وتعجيل الفطور، والتبكير في صلاة المغرب قبل اشتباك النجوم، إلى غير ذلك من الأمور التي كَثُرَت في طلبه مخالفة اليهود والنصارى؛ حتى قال اليهود كما في صحيح مسلم: “ما يريد هذا الرجل أن يدَع من أمرنا شيئًا إلا خالَفَنَا فيه”، وفي رواياتٍ كثيرة أيضا طلب مخالفة المجوس.

وكان المجوس والنصارى ويمثّلون الأممَ السائدة سياسيًّا وعسكريًّا مما يلي بلادَ العرب، وكان اليهود إليهم المرجعُ في علم الكتاب، فكان الحضُّ النبويّ على مخالفتهم واضحًا في التشريع؛حتى عُدَّت مخالفتهُم مطلبًا شرعيًا، والحِكْمَة في ذلك تبدو ظاهرة،وهي تحصين هذه الحضارة الإسلامية الناشئة من الغزو الثقافي؛لأن مناعتها من ذلك تجعلها أقدر على التأثير في الحضارات الأخرى التي بشَّر الرسول ﷺ بدخولها ضمن الدولة الإسلامية.

المهم: أنَّ تراكم العادات المتسرِّبة عن الأمم الأخرى إلى أمة من الأمم واختفاء العادات الأصيلة تحت وطأة العادات المتسرِّبة يجعلالأمةَ المستقبِلَة في عداد الأمَم المغلوبة، ويُهَيِّئها للانكسار العسكريّ والتبعية الثقافيّة.

ولستُ مُتَأكّدًا إن كان الإنجليز قد قصدوا إلى ذلك أم أنه جاء تلقائيًّا حينما بدؤوا بتصدير عاداتهم في الطعام واللباس للهند قبل غزوها عسكريّا، وأيًّا كان فالوضع آل إلى ذلك كما حكاه الدكتور محمد محمود الساداتي في كتابه عن تاريخ دولة المغول في الهند؛ والشيء نفسه فعله الإنجليز في الصين قبل احتلالها، وإن كان فعلهم في الصين أشدَّ خبثًا بمراحل مما صنعوه في الهند، حيث قاموا بإغراق الصين بالأفيون؛ الأمر الذي أدَّى إلى حَربين انتهَتَاباحتلال الصين من قِبَل بريطانيا، مع أنَّ الأخيرة لم تكن كفؤًا للصين في أيّ شيء كما روى قصة الحربين جواهر لال نهرو في كتابه (لمحات من تاريخ العالم).

ومما يُمكن أن يقال: إنَّ بداية البداية لرحلة الدولة العثمانية نحو السقوط كانت بعد الانفتاح العثماني على الغرب إثر معاهدة كارلوفيجي سنة١١١٠هـ، حيث أصبحت التقاليد الفرنسية هي ما يتسابق إلى تقليده أسرياء إصطنبول، حتى أصبح بلاءً عامًّا في جميع أرجاء الدولة، انتهى بأن تقع كلُّ ممالكها ليس تحت الاستعمار الفكري وحسب، بل تحت الاستعمار العسكريّ الإنجليزيّ والفرنسيّ، ثم القضاء عليها بالكلية.

إذًا فالخصوصية لأيِّ دولة أو شعب أمر مهمّ لا يُمكن لذي تفكير جادّ وحازم أن يخالف في ذلك؛ ولعلنا نقول: إن على الدول التي تخطِّط للبقاء أن تقوم بين الفينة والأخرى بجردٍ لخصوصيّاتها وتضمين حراستها وترسيخها داخل خطَطها الإستراتيجية للبقاء والانتشار الحضاريّ، وإلا فهي تحكم على نفسها بالاضمحلال.

خصوصيّات المملكة العربية السعودية:

وحينما نتحدَّث عن المملكة العربية السعودية نجدها تتميَّز بخصوصية النشأة، ‏وخصوصية التاريخ، ‏وخصوصية المعتقد، ‏وخصوصية المكان، وخصوصية المواطن، ‏والتعرف على هذه الخصوصيَّات لازم، والمحافظة عليها مسؤولية عظيمة، والجهل بها مَنقَصة، والتفريط بها مَزَلَّة.

أما خصوصية النشأة: ‏فإنها الوحيدة من بين دول العالم المعاصر التي أنشأها أهلُها بعقيدتهم وسيوفهم ودمائهم على رقعةِأرضٍ لم تتوحَّد في التاريخ سوى مرتين:

‏المرة الأولى: على يد رسول الله ﷺ، ثم انقطعت وحدتها ومركزيَّتها التاريخية بعد بني أميَّة؛ وبعد ذلك لم تكن أيّ من الدول توليها شيئًا من العناية.

والأخرى: على يد الدولة السعودية في طورها الأول، وفي طورها الثالث الذي نتفيَّأ ظلاله. ‏أما طورها الثاني فسقطت قبل أن تستكمل فيه الدولةُ مشروعَها الوحدويّ.

وكذلك في طورها الثالث لم يشارك أبناءَ البلاد أحدٌ في إنشاء الدولة التي تعرَّض نشوءُها لنزاع داخليّ، كما تعرَّض لمحاولات إسقاطٍ من قوى خارجيَّة أولها الدولة العثمانية التي كانت وراء إسقاط الدولة في طوريها الأوَّل والثاني؛ وثانيها بريطانيا التي حاولت تكييفَ الدولة بالشكل الذي تريد لكنها لم تستطِع، ولانهماك الإنجليز في الحربَين الكونيَّتين ولظهور أمريكا منافسًا اضطرَّت لترك السعودية وشأنها، ولا زال بعض المغرِضين يزعمون أن نشأةَالمملكة العربية السعودية كانت بترتيبٍ بريطانيٍّ، وهو كلام منافٍللصحة عقلًا وتاريخًا:

أما عقلًا فليس من المعقول أن بريطانيا المعروفة بقاعدتها الاستعمارية الشهيرة: (فَرِّقْ تَسُدْ) تساعد في تأسيس دولة توحِّد معظم أجزاء جزيرة العرب وعلى أساس عقديّ سلفيّ.

‏وأما تاريخًا فلا يملك أحدٌ أيَّ وثائقَ تثبت هذه الفرية، بل الوثائق على خلافها، ومن راجع مراسلاتِ الملك عبد العزيز مع البريطانيين في الأوقات الحالكة كالحرب العالمية الأولى والحرب الثانية، ومن راجع اتّفاقيات رسم الحدود كاتفاقية دارين والعقير والمحمرة؛ ثبت لديه استقلالية الملك عبد العزيز، وأنه كان يتعامل مع بريطانيا وغيرها من الدول العظمى آنذاك تعامل السياسيِّ المحنك الذي يعرف كيف يأخذ العظيم ويعطي الزَّهيد، وهذا ما فعَله رحمه الله، فقد كاد أن يأخذ الجزيرة بحذافيرها، وما استطاع أن يأخذه منها لم يستطع أن يوحِّده من قبلَه خلا أجداده رحمهم الله.

وكتب التاريخ تحفل بذكر مغازيهِ وحروبه في سبيل توحيد هذه الأقطار، ومن قرأها بإنصاف علم بُعد الملك عبد العزيز عن الغرب بُعدَ الثريا عن الثرى؛ ولا يفوتنَّك ما ذكره محمد أسد في كتابه (الطريق إلى مكة) وكيف كشف هو للملك عبد العزيز كونَ بريطانيا هي من تدعم القلاقل في بلاده وتُرسل جنيهات الذهب في الصناديق للمترِّدين عليه.

وحين تعارضت مصلحةُ بريطانيا مع مصلحة خصمه الآخر الدولة العثمانية أظهر الحياد، وأبطن نصرةَ خصمه العثماني لرابطة الإسلام، ودعمهم ضد بريطانيا في غزوهم لقناة السويس في الحرب العالمية الأولى بأربعة عشر ألف جمل، لكن الله قضى بخسارتهم في هذه الحرب وسقوط دولتهم.

وليس هذا موضعَ استقصاءٍ، وإنما موضع إلماع، والحقّ أن عبدالعزيز هبةُ الله تعالى لهذه الأرض، فرحمه الله رحمةً واسعةً، وجزاه عنا خير ما يجزي الصالحين.

وهذه الخصوصية -أي: خصوصية النشأة- تعني: أن النظام الذي قامت عليه هذه الدولة هو ركيزتها التي ليس لها قيام دونها، فهذه الأنحاء التي تشتمل عليها الدولة لن يصحَّ لها وحدة ولن ينتظمها سلك إلا بهذا النظام لا غير، نظام الحكم الملكي القائم على الدعوة السلفيَّة، وقد حاولت العديدُ من الأسر عَبر تاريخ نجد والجزيرة العربية فعل ما فعله آل سعود من توحيد الجزيرة إلا أن محاولاتهم باءت بالفشل، بينما استطاعَ آل سعود أن يوحِّدوها ثلاثَمراتٍ، وليس مرةً واحدة في تجربةٍ هي الأولى في التاريخ الإسلامي، حيث لم تعرف دولة تقوم بعدما تسقط إلا هذه الدولة، ومع كل سقوط لها لا يستطيع أحدٌ شغلَ مكانها؛ ولذلك فإنه بمجرد أن يُعْلِنَ أحدُ أبنائها تصدِّيه لمهمة إعادةِ الإنشاء حتى تأتلف عليه القلوب، وهذا ما جعل عبد العزيز رحمه الله يتمكَّن -بتوفيق الله له-من كلِّ أنحاء مملكته، من البحر إلى البحر، ومن الشام إلى اليمن،في بضع وعشرين سنة.

أما خصوصية التاريخ: فممَّا تفخر به هذه الدولة أنها تنتمي إلى التاريخ النبوي الشريف؛ فأوَّل من وحَّد جزيرة العرب هو النبي محمد ﷺ، وثاني من وحَّد جزيرة العرب بعد رسول الله هو الإمام عبد العزيز بن محمَّد بن سعود وابنه سعود بن عبد العزيز رحمهم الله جميعًا.

وقد استمرَّ أثر التوحيدِ النبويِّ حتى عصر الخليفة المتوكِّل، ثم صارت السيطرة على الجزيرة اسمية لا فعلية، ثم انفرطَ العقد.

نعم، كان بين انفراط عقد الجزيرة في العهد العباسي وبين الدولة السعودية دولٌ كالدولة العيونية والأخيضرية؛ لكنها دول لم تضمَّ  جزيرة العرب، إضافة إلى أنها لم تكن تحكم فعليًّا إلا على أهل القرى الحاضرين بها، بينما لم يكن لها سلطة على ساكني البوادي.

أما السعودية في عهدها الأوَّل فقد اشتملت أكثر الجزيرة، كما أنها حكمت الحاضرة والبادية؛ والذي لا يعلمه الكثيرون أنَّ الدولة السعودية تكاد تكون هي الوحيدة التي استطاعت في تلك الحقب حكمَ البادية؛ حتى الدولة العثمانية في أوان قوتها لم تكن تحكُم سوى الحواضر والقرى، وأما البادية فكانت تكتفي بإعطاء شيوخ عشائرهم إتاوات مالية يتقوَّون بها على السيطرة على متبوعيهم من فرسان البدو، أو كانت تُقَاوِمُهم بالسلاح كما تفعل مع رعايا الدول الأجنبية.

وعلاقة الدولةِ السعودية بالدولة الأولى للإسلام التي أسَّسها رسول الله ﷺ لم تكن علاقة الاشتراك في توحيد المكان، بل كانت الدولة السعودية أكثرَ الدول التي قامت بعد الإسلام تبعيةً للمنهج النبويّ كما فهمه ونقله إلينا الصحابة وتابِعُوهم؛ وهو الشعار الذي حملَتْهُ طوال تاريخٍ نضاليٍّ صادق في مبادئه، فلم يُنْتَحَل لهذا النضال شعارات كاذبة مستوردة أو يستعمل الخداع لترويجها، فالدولة السعودية الأولى التي وحَّدت الجزيرة من الفرات حتى بحر العرب لم تكن لتصل لذلك دون العظيم من البذل والتضحيات، بذل وتضحيات من أبناء الأسرة الحاكمة، وبذل وتضحيات من الأسرة العلمية التي تولَّت ثقل الدعوة التي هي عصبية الدولة، وبذل وتضحيّات قدَّمها كلُّ من وقف مناصرًا لها حتى حقَّقت أهدافها.

يضاف لذلك أنها دفَعت ثمنَ هذا النجاحِ بعمليَّة السحق التي قام بها الترك والألبان بتآمر دوليّ شديد الوطأة، ولم يكن يتصوَّر أحدٌ أن دولةً يتمُّ سحقها قيادةً وشعبًا بهذا الشكل يمكن أن تقومَثانية وثالثة، وتدفع لقيامها مرتين الأثمانَ الباهضة نفسها من الدماء والأموال والجهود.

إن تاريخ هذه الدولة في أطوارها الثلاثة تاريخ فريد قليل النظير في تاريخ الإسلام، وفيه من القِيم ومكارم الأخلاق والمروءات والفروسية ما ينبغي استحضارُه في كل زمانٍ وحينٍ استبقاءً له؛ لأن تضييع القِيَم التي أحاطت بهذا التاريخ وحمَتْه وحملته تضييعٌ للوجود.

إنَّ الشبهات التي يُطلقُها الآخرون حولَ تاريخ المملكة إنما هي أسلحةٌ لتجريد المواطن السعوديِّ من أبرز مقوِّمات فخره، وإيهامه أنه ينتمي إلى صحراء لا تاريخَ لها ولا نضال، ولا جذور ولا مشاركة حضارية، وهذا الوهم كفيلٌ بملئه بمشاعر النقص التي تجعَله دائمًا في مقام التابع الذي لا يستطيع الوقوفَ في مَنزلةِ الصدارة.

وقد رأينا كثيرين ممَّن ابتلِي بشعور النقص هذا، ووجدناه سريعَا لانخداع بدعايات الأعداء، سريع الذوبان والانهزام أمامها، وهذا النوع هم طُلْبَة أعداءِ هذه الدولة المروِّجين للمزاعم المكذوبة حولها وحول تاريخها.

أما خصوصية المعتقد: فإن المملكة العربية السعودية هي الدولةُ الوحيدة في تاريخ الإسلام بعد العصر الراشد التي قامت على مبدأ تصحيح المعتقدات، وإعادة الإسلام إلى ما كان عليه في زمن السلف الصالح، ونبذ الخرافة، وتخليص الدين منها، وتعظيم النصوص الشرعية وفتاوى السلف الصالح وبعث تراثهم في العقيدة والفقه والسلوك.

فالدولة الأمويَّة قامت على عصبيَّة البيت الأمويّ، ثم العصبيَّة النزارية، والدولة العباسية قامت على العصبية الهاشمية والفارسية، والدولة البويهية قامت على العصبية الشيعية الزيدية، والسلاجقة قاموا على العصبيَّة التركية.

وكل تلك الدول كلما ابتعدَت عن العصبية التي استنَدت إليها ذهبَت ريحها؛ فالأمويون حين ضعُف بسبب عوامل عدة اعتزازُهم بأمويَّتهم ونزاريتهم، واستبدلوا القحطانيين بالعدنانيين، وجنحت الدولة عن عقيدة السلف إلى مذهب الجهمية في عهد مروان بن محمد؛ كان ذلك نهاية أمرهم، وحين استبدل العباسيون الترك بالفرس، وضعفت مناداتهم بالهاشمية، أو لِنَقُل: ملَّ الناس هذه المناداة التي لم يكن لها أثرٌ على المتأخِّرين من حكام بني العباس؛أصبحت دولتهم اسمًا لا تأثير له في الواقع، وحين لم يستطع البويهيون الجمعَ بين الدولة والتشيّع والولاء السياسي لبني العباس والولاء المذهبي لآل البيت تلاشَت دولتهم، أما السلاجقة فقد كانت لهم عدد من الإمارات، لكل واحدة منها عوامل للسقوط تختلف عن الأخرى، لكن ربما كان الجامع بينهن: العصبية التركية، التي انتفعوا بها حين كانت دولتهم في فارس وبلاد الترك، أما حين امتدوا إلى الشام فقد كانت عصبيَّتهم تلك داعيةً للتفرق عنهم.

على أن الدولة الزنكية كانت ذاتَ أثر كبيرٍ في إحياء جهاد الصليبيّين وإحياء علوم الشريعة، وكان لعلوِّ نجم صلاح الدين الأيّوبي في قتال الصليبيّين إثر خفوت نجم السلاجقة في ذلك بعد وفاة نور الدين زنكي، أقول: كان لذلك أثر في سقوط الدولة وتحوُّل أنصارها إلى صلاح الدين.

وقد تكون دولة المرابطين قريبةَ الشبه بالدولة السعودية من حيث كونُها قامت لتصحيح عبادات الناس وتعليمهم؛ وهي أيضًا حين تخلَّت عن هذا المنهج وبدأت جماعةُ الموحِّدين تأخذ دورهم في طلب العلم والتعليم، عندها سقطت دولة المرابطين بسهولة لم يتوقَّعها أحد،وأَخَذَ مكانَها الموحِّدون في جميع مناطقها.

فابتناء الدولة السعوديةِ على عقيدة السلف وفقهِهم ليس خصيصةً سعودية على دول العصر الحاضر؛ بل قد تكون خصيصة تميِّزها عن كثير من دول التاريخ الإسلامي.

وليس ما نقوله هنا جَحدًا للكثير والكثير من الخير والبناء والإنجاز الذي أحرزته الدول الإسلامية على مدى التاريخ؛ ولكن كما نذكر فضائلَ الدول الماضية نذكر ما منَّ الله به على دولتنا من الفضائل.

ورغم فتاوى التكفير التي تعرَّضت لها الدولة السعوديَّة الأولى من قِبَل علماء العثمانية، وبالرغم من المذابح التي تعرَّضت لها، إلا أنها ظلَّت محافظةً على هذه المبادئ التي قامت على أساسها في طورها الأول والثاني والثالث، لم تتراجع عن شيء منها؛ وها نحن نعيش في عهد سابع ملوك طورها الثالث ونظامُها الأساسيّ للحكم ينصّ على بقائها على ما أُسِّست عليه قبل قرابة الثلاثمائة عام.

ولا شكَّ أن ما قامت به الدولة العثمانيةُ زمنَ السلطان محمود الثاني من حربِ الدولة السعودية الأولى كان بسبَب معتقدِها الأصيل، تخلُفُها فيه اليومَ دولُ الغرب، وتستخدم الذريعة نفسَها التي استخدَمتها الدولة العثمانية من قبل لتبرير حربها التي لا تمتُّللدين ولا للأخلاق بصلة للدولة السعودية راعيةِ التوحيد وتجديد الدين ونبذ الخرافة؛ وأعني به: الرمي بالتكفير؛ فالمؤسَّسات الأوربية والأمريكية تتحرَّك في ضغوطاتها على دولتنا وفقَ هذا المحرِّك الذي دعمتهم فيه عصابات الإرهابيِّين التي ما فتئت تزعُم زورًا الانتسابَلعلماء هذه الدولة ودعوتها. ولعل الدولة اليومَ تجابه مثلَ هذه الضغوطات بقليلٍ من مراعاةِ الحال ريثما تذهب العاصفة؛مستحضرين تجربتها الأولى حين أبى الأئمةُ الانحناء للعواصِف التي كانت أقوَى منهم بكثير، فانتهى الأمر بكسرهم.

ولا يُشَكُّ أن مراعاةَ الأحوال والانحناءَ لبعض العواصِف الهوجاء هو من أعمال العقلاء، شريطة ألَّا يُتيحَ ذلك المنحني للعاصفة أن تدفنه أو تُغَيِّر طريقه أو تُشَوِّه صورته.

أما خصوصية المكان: فتتمثَّل في معظم مساحة جزيرة العرب التي يئس الشيطان أن يعبد فيها كما هو قول رسول الله ﷺ، ومنبع الإسلام ومنطلق جحافل الفتوح الإسلامية. ‏وفيها أقدس مدينتين على وجه الأرض، كما هي مُنْطَلَقُ دعوةِ التجديد العظيمة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب التي -بفضل الله عليها وعلى الناس، ثم بفضل نصرة الإمام محمد بن سعود لها- كان لها أكبر الأثر في النهضة الفكرية والتحرُّرية الحديثة في العالم الإسلامي.

وهذه الخصوصية تُحَمِّلُنا دولةً وشعبًا مسؤوليةَ حملِ تُرَاث الأُمَّة ونشره، ومسؤولية القدوة له، فإن كلَّ عيب يعتورنا، وكلَّ مسلكٍ خاطئ نتَّبِعُه ليس عُواره مقتصرًا علينا؛ بل على تاريخنا ومستقبلنا ومكان أُمتنا بين الأمم.

المشكلة أن هذا هو مكاننا الذي ليس لنا مكانٌ غيره، وحين نتركه فلن نكون خلف الصفوف وحَسب، بل ربما لن نكون في تلك المسيرة أو الركب أصلا.

أما خصوصية المواطن: فإن أبناء السعودية بحواضرهم وبواديهم هم ورثة أوَّل المسلمين وطلائع الفاتحين الذين حمل آباؤهم على أكتافهم نشر الإسلام بالدعوة والقدوة، وكوَّنوا دولة الإسلام الأولى من الصين حتى فرنسا، هم نسل أصلابهم وورثة دينهم وقيَمهم وأخلاقهم؛ هكذا ينظر المسلمون إليهم في العالم؛ بل هكذا ينظر إليهم العالم أجمَع، وكما أنهم ورثتهم في الأرض فهم أصدق الناس انتماءً لهم من حيث النسَب والخِلْقَة والطبائع، وأقربهم إليهم من حيث بيئة النشأة؛ وكل ذلك يؤكِّد على أنهم الأقدَر على حمل صفاتهم وأخلاقهم التي نشروا بها الإسلام قبل أن يقفوا تحت ظلال سيوفهم.

وختامًا:

فليس المقصود من ذكر الخصوصيات التفاخُر بها؛ بل التذكير بمسؤوليتنا تجاهها مواطنين ومسؤولين وإعلاميين وقادة.

‏إن حفاظنا عليها حفاظٌ على أصولنا التي كانت سبب وجودنا وانتصارنا، ‏وتفريطنا بأي منها تفريطٌ بجزء من كياننا شعرنا أم لم نشعر.

‏ولم أر في عيوب الناس عيبًا​​‏ كنقص القادرين على التمام

أدام الله علينا خير هذا الوطن؛ أمنه ووحدته في ظلِّ شرعه وقيادته، وكفانا شرَّ أنفسنا وشر كل من يريد بنا شرًّا.

ولَنحن من يصدق فيهم قول الشاعر:

‏موطني منبت الرماح وقومي​​‏  أوردوها الأضلاع والأصلابا

‏وهم الضاربون في كل صقعٍ​​‏  للمعــــــاني وللمعــــــالي قِبــــــابــــــا

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

د.محمد بن إبراهيم السعيدي

التعليقات

ردان على “الخصوصية بين الحقيقة والخيال”

  1. يقول محمد ابوعبدالعزيز:

    جزاك الله شيخناعن خير الجزء على هذا الموضوع تمنيت أن يصل هذا الفكر إلى جميع من يسكن على تراب هذه الأرض .
    اقول شكرا واسأل الله لا يرينا في بلدنا مكروه

  2. يقول المهندس عزيز الشريهي:

    السلام عليك يا شيخ محمد كلام جيد جدا لكن بالنسبة لاهل البادية التي كان جدي منهم فلم يكن العامل الاقتصادي السبب لتوفر الماشية لكن كان الترحال هو السبب و السلام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.