بين رسوم الأراضي والزكاة عليها

تكبير الخط تصغير الخط

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين: قبل سنوات ليست بالكثيرة كان تملك أرض في هذا الوطن الكبير حلمًا يراود كل شاب، فإذا تحقق له بدأ بصياغة حلمه الجديد في أن يبني على تلك الأرض دارًا أمّا اليوم فقد أصبح الشاب في المدن الكبيرة محرومًا حتى من حلم تملّك الأرض؛ لأن العاقل لا يحلم بالمستحيل! فقد أصبح سعر الأراضي في المحافظات الكبرى فوق ما يطيقه الشاب الذي تواضع اليوم في أحلامه لتصبح أولى أمانيه استئجار شقة رخيصة.

والعجيب في الأمر أن حل هذه المشكلة ليس صعبًا، بل ليس غائبًا عن أذهان أصحاب القرار. فقد حصلت فيه نقاشات كثيرة، وأقره مجلس الشورى في تشكيلته الثانية، وأعني به فرض زكاة سنوية على الأراضي غير المعدّة للسكنى والزراعة.

وبالرغم من أنه لم يُتخذ قرار في هذا الأمر ، إلا أننا نجد وزارة الإسكان بدلاً من أن تتحمس لإقراره تأتينا بمشروع جديد يُعرض على هيئة كبار العلماء وهو فرض رسوم على الأراضي البيضاء داخل النطاق العمراني .

وتحتج الوزارة على هذا المشروع بكونه سيساهم في خفض قيمة الأراضي وتُحل من خلاله أزمة الإسكان برمتها ، ووصل البعض إلى القول بأن نسبة انخفاض العقار بعد صدور هذا القرار سوف تصل إلى ٣٠٪ .

والسؤال الذي يُلِحُ عليَّ هنا : لماذا لم تتحمس وزارة الإسكان لمشروع فرض الزكاة وتحمست لمشروع فرض الرسوم ؟

سأتفهم هذا الحماس لو أن مشروع زكاة الأراضي تم إقراره وفشل في خفض قيمة العقار ، أما وأن قرار أخذ الزكاة لم يُتَّخَذ ، فلماذا تتحمس الوزارة لقرار أخذ الرسوم ؟ .

كل المصالح التي تبرر بها وزارة الإسكان فرض الرسوم على الأراضي موجودة في أخذ الزكاة عليها ، فلماذا تُعرِض الوزارة عن الزكاة وتلتفت للرسوم ، مع وجود أضرار كبيرة في فرض الرسوم وخلو فرض الزكاة من أي أضرار؟

إن إجازة فرض رسوم على الأراضي يفتح باباً خطيراً ظل مغلقاً منذ قيام هذه الدولة وهو فرض رسوم على الممتلكات ، ولا أستبعد لو أُقرت رسوم الأراضي أن تبدأ خلال سنوات قرارات فرض الرسوم بالتتابع حتى نجد أنفسنا في دولة ضريبية من الطراز الأول يدفع المواطن فيها الضريبة على كل ما يقتنيه من مأكل ومشرب وملبس كما هو الحال في معظم دول العالم التي تميزنا عنها بخلو نظامنا من الضرائب ، بل بمنع نظامنا لها إلا عند الحاجة وبشرط تحقيقها للعدالة ، كما تنص المادة٢٠ من النظام الأساسي للحكم .

فكيف يمكن لوزارة الإسكان بل للمجلس الاقتصادي الأعلى إقناعنا بالحاجة إلى هذه الرسوم وقدرتهاعلى خفض أسعار العقار وهم لم يُجربوا بعد جدوى فرض الزكاة أو عدمها ؟

أما العدالة فلا يمكننا بعدُ الجزم بأن الرسوم لا تراعي العدالة إلا إذا اطلعنا على آلية تطبيقها ، ونحن حين ننظر إلى ما تقول بعض المواقع الإلكترونية إنها الآلية المُقترحة من قِبل وزارة الإسكان لتنفيذ الرسوم ، نجد أنها مجانفة للعدالة وبذلك يكون فرض الرسوم ساقطاً بموجب النظام الأساسي للحكم من جهتين الأولى عدم ثبوت الحاجة والأخرى عدم تحقيقها للعدالة .

فالزكاة وحدها حتى الآن هي الحل الماثل حتى تتم تجربتها ويثبت عدم إفضائها لتخفيض قيمة العقار ، عند ذلك يمكن التفكير في حل آخر .

فعلى وزارة الإسكان المطالبة بإقرار نظام زكاة الأراضي ولا فرق في ذلك بين داخل النطاق العمراني وخارجة ، فالزكاة مطلوبة في مال المسلم المعروض للتجارة سواء أكان داخل العمران أم خارجه.

وأنا أعلم خلاف العلماء في حلول الزكاة على الأراضي، وهل هو عند البيع أو كل عام؟ لذلك لن أناقش هنا رجحان أحد القولين على الآخر، بل سأتحدث عن المصلحة التي تعود على الأمة بأسرها لو تقرر هذا الأمر.

ففي مدينة كبرى من مدننا، تسير فتملأ عينيك ملايين الأمتار من الأراضي غير المعمورة، والتي تتخلل مناطق السكنى، أو تحيط بها، بعضها قد تمت تجزئته وبعضها لم يُجزأ بعد، وتسأل عن أصحابها ولماذا يُبقونها على هذه الحال؟ فَيُقَال: ليسوا محتاجين الآن لأثمانها، ولو احتاجوا فإن حصولهم على تسهيلات بنكية بضمان هذه الأراضي أجدى لهم من بيعها، فهي مال ينمو سعره مع إشراقة كل شمس، وإذا فرطوا به يكونون قد خسروا أمرين مهمين في عالم التجارة، الأول وجود أصول يمكن الاعتماد عليها في استجلاب الأموال من البنوك عند الحاجة، والآخر النمو المتوقع في أسعار هذه العقارات. وحين تقترح على أحد ملاك الأراضي الشاسعة أن يؤدي زكاتها يُجِيبُك: إنه لم يعرضها للبيع، والزكاة إنما تجب في عروض التجارة. وهذا العذر عند التأمل نجده غير صحيح لأن إمساك الأراضي عن البيع تربصًا بها زمن الغلاء هو حقيقة كونها من عروض التجارة، وذلك أن صاحبها لا يحتاج إليها سكنًا، ولا مزرعةً، ولا موضعًا لمُنشأة، فلم يبقَ إلاّ كونها معروضة للبيع، ولكن في زمن آجل، فشابهت من هذا الوجه صورة الاحتكار. وقد أثر حبس الأراضي على هذه الهيئة في أسعار العقار، وكان مبتدأ الأمر أن قل العرض في مقابل الطلب، ثم كثُر تداول الأراضي الخام بين التجار، وزاد ذلك في ارتفاعها حتى أصبحت تكلفة بيعها بعد تخطيطها في غير مقدور المواطن، إلاّ أن يبيع عمره لبنك، أو يتورط في عملية تورّق آسرة. وفرض الزكاة السنوية على العقار الزائد عن الحاجة العُرفية سوف يُلجِئ ملاك العقار إلى أحد ثلاثة أمور لا رابع لها: الأول: أن يُزكوا هذه العقارات سنويًّا، ومصلحة هذا عائدة إلى الفقراء، وهو احتمال أضعف من الاحتمالين التاليين. الثاني: أن يبادروا إلى بيعها خامًا أو مُجَزأة، وهذا الأمر سيجعل العرض مُكافئًا للطلب، أو أقَلَّ منه؛ ممّا سينتج عنه انخفاض تدريجي في أسعار العقار. الثالث: أن يبتكروا الحيل النظامية للتخلّص من هذا الأمر، وهذا الاحتمال وارد بشدّة، لكن توقعه عند إصدار نظام في هذا الأمر كفيل بأن يضيّق مجالاته، أو يجعله غير ممكن أبدًا. ودون سبب وجيه نجد هذا الحل يتنحى ذكره كحلٍ للأزمة العقارية السعودية في وسائل إعلامنا، وتُجعَل الصدارة في الذكر لحلين سيئين جدًّا وضارَّبن بالمواطن على المدى القريب والبعيد، وأعني بهما : رسوم الأراضي، والرهن العقاري. فالرهن العقاري يعني لي -باعتباري مواطنًا يفكر بأولاده- أن مستقبلهم أن يكونوا عبيدًا للبنوك طيلة أعمارهم، فحين يتزوج لابد له من بنك يُتورق عنده، وحين يشتري أرضًا لا بد له من بنك يتورّق عنده، وحين يريد بناء هذه الأرض لابد أن يرهن تلك الأرض التي اشتراها عن طريق البنك لدى البنك نفسه، ومدة السداد خمس وعشرون سنة فقط، أي قبل تقاعد الموظف بعشر سنوات، أي أنه لا يمكن أن يعيش الشاب مرتاح البال إلاّ في العشر السنوات الأخيرة من وظيفته. هذا إذا لم تدخل سوق السندات على الخط، أمّا إن دخلت فلن يهنأ الشاب في حياته أبدًا، لأن البنك سوف يبيع هذا القرض على هيئة سندات، ولا يعود الدائن هو البنك، وإنما المضاربون في سوق السندات، وتبدأ عندها كرة الثلج التي يتحدث عنها الاقتصاديون في النمو المخيف. وبعد الرهن هل سينخفض سوق العقار؟ الجواب: لا، لأن الطلب سوف يزيد، والعرض سوف يبقى على حاله.

إذًا فالحل الأمثل لسوق العقار حتى الآن هو الزكاة السنوية للأراضي وفق نظام يرَاعَى فيه تقدير حد أعلى من الأمتار العقارية التي يمكن لكل مواطن أن يحتفظ بها دون أن تُفرض عليها الزكاة على اعتبار أن هذا المقدار من الممكن عُرفًا أن يملكه الإنسان من غير افتراض تربص الغلاء به.

وهنا سؤال ما الفرق في أن تاخذ الدولة المال من صاحب الأرض بين كونه على هيئة زكاة وبين كونه على هيئة رسم ؟

والجواب : أن الفروق عديدة أهمها أن الرسوم سوف تؤول إلى خزينة الدولة وتكون ضمن مال الدولة العام الذي يمكنها الاستفادة منه في أي اتجاه رأت فيه المصلحة ،

أما حين يؤخذ المالُ زكاةً فإنه لا ينفق إلا على مستحقي الزكاة من الأصناف الثمانية وعلى رأسهم الفقراء والمساكين وهذا ما سيجعل المنفعة من تحصيل المال زكاةً أكبر إذ من المنتظر أن تسهم وفرة أموال مصلحة الزكاة في زيادة دخل الفقراء من الضمان الاجتماعي والإعانات المخصصة للفقراء ، وهذا وحده في تقديري ميزة للزكاة إذ من المعلوم أن إعانات الفقراء الرسمية بمختلف أشكالها في بلادنا لا تصل بالأسرة الفقيرة حتى الآن إلى الحد الأدني من دخل الفرد ، وفي ظني أن نجاح الدولة في اقتطاع الزكاة على الأراضي سوف يسد هذا النقص الكبير ، والله أحكم وأعلم

التعليقات

ردان على “بين رسوم الأراضي والزكاة عليها”

  1. جزاك الله خير الجزاء على هذا التوضيح
    سؤال بسيط احب من فضيلتكم أن تواصلوا في طرحة
    هل زكاة الأراضي أو الرسوم على الجميع من كبير و صغير يعني هل يفرض على اصحاب السمو الملكي و الأمراء و الوزراء و كبار التجار في الدوله
    أم تختصر على التاجر البسيط الذي يملك 3 او 4 قطع ؟
    أم تحسب فقط على من يملك قطعة أرض في هذا الوطن الغني في مساحاته الواسعة. ؟

  2. مقال رصين ..وضع النقاط على الحروف. .
    واظن في الأصل أن هذه الأراضي هي ملك لبيت مال المسلمين .. لا يجوز التصرف بها إلا لمن يستحق لا لمن يطلب .. وهي أمانة بيد المسئول توزع على المحتاجين من المواطنيين بمساحات تكفي لبناء منزل وبالمجاورة ” حي بعد حي “..والباقي للأجيال القادمة .. كما تفعل جارتنا سلطنة عمان..
    ومن الواجب رد المنح الكبرى البور لبيت مال المسلمين لتوزيعها على المواطنيين الذين لا يملكون سكن..
    وشراء ما تم بيعه وبقي بور بسعر البيع .. واعادة كذلك .. لان أصل المنح بتلك المساحات باطل. الا في الاراضي البور الزراعية شريطة تعميرها خلال 3 سنوات . او تعاد توسيا بما فعل سيدنا عمر ابن الخطاب في ارض العقيق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.