دعاء الختم في الصلاة

تكبير الخط تصغير الخط

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فمما يتداوله الناس في الأعوام الأخيرة عبر برامج التواصل في مثل هذه الأيام من كل عام فتاوى لمشايخ فضلاء، وعلماء أجلاء، تقرر عدم مشروعية دعاء الختم في الصلاة المعمول به في الحرمين وغيرهما، مما يُحدث عند العامة تشويشًا، وإشكالًا كبيرًا.

ودعاء الختم في الصلاة أقره الإمام أحمد رحمه الله تعالى، وذكر ذلك الإمام الموفَّق ابن قدامة رحمه الله في المغني، وهذا نص كلامه فيه أنقله بتمامه (2/ 608):

“ﻓﺼﻞ: ﻓﻲ ﺧﺘﻢ اﻟﻘﺮﺁﻥ: ﻗﺎﻝ اﻟﻔﻀﻞ ﺑﻦ ﺯﻳﺎﺩ: ﺳﺄﻟﺖ ﺃﺑﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﻓﻘﻠﺖ: ﺃﺧﺘﻢ اﻟﻘﺮﺁﻥ، ﺃﺟﻌﻠﻪ ﻓﻲ اﻟﻮﺗﺮ ﺃﻭ ﻓﻲ اﻟﺘﺮاﻭﻳﺢ؟ ﻗﺎﻝ: اﺟﻌﻠﻪ ﻓﻲ اﻟﺘﺮاﻭﻳﺢ، ﺣﺘﻰ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻨﺎ ﺩﻋﺎء ﺑﻴﻦ اﺛﻨﻴﻦ. ﻗﻠﺖ ﻛﻴﻒ ﺃﺻﻨﻊ.؟ ﻗﺎﻝ ﺇﺫا ﻓﺮﻏﺖ ﻣﻦ ﺁﺧﺮ اﻟﻘﺮﺁﻥ ﻓﺎﺭﻓﻊ ﻳﺪﻳﻚ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﺗﺮﻛﻊ، ﻭاﺩﻉ ﺑﻨﺎ ﻭﻧﺤﻦ ﻓﻲ اﻟﺼﻼﺓ، ﻭﺃﻃﻞ اﻟﻘﻴﺎﻡ. ﻗﻠﺖ: ﺑﻢ ﺃﺩﻋﻮ؟ ﻗﺎﻝ: ﺑﻤﺎ ﺷﺌﺖ. ﻗﺎﻝ: ﻓﻔﻌﻠﺖ ﺑﻤﺎ ﺃﻣﺮﻧﻲ، ﻭﻫﻮ ﺧﻠﻔﻲ ﻳﺪﻋﻮ ﻗﺎﺋﻤﺎ، ﻭﻳﺮﻓﻊ ﻳﺪﻳﻪ، ﻭﻗﺎﻝ ﺣﻨﺒﻞ: ﺳﻤﻌﺖ ﺃﺣﻤﺪ ﻳﻘﻮﻝ ﻓﻲ ﺧﺘﻢ اﻟﻘﺮﺁﻥ: ﺇﺫا ﻓﺮﻏﺖ ﻣﻦ ﻗﺮاءﺓ {ﻗﻞ ﺃﻋﻮﺫ ﺑﺮﺏ اﻟﻨﺎﺱ}
[ اﻟﻨﺎﺱ: 1]
ﻓﺎﺭﻓﻊ ﻳﺪﻳﻚ ﻓﻲ اﻟﺪﻋﺎء ﻗﺒﻞ اﻟﺮﻛﻮﻉ. ﻗﻠﺖ: ﺇﻟﻰ ﺃﻱ ﺷﻲء ﺗﺬﻫﺐ ﻓﻲ ﻫﺬا؟ ﻗﺎﻝ: ﺭﺃﻳﺖ ﺃﻫﻞ ﻣﻜﺔ ﻳﻔﻌﻠﻮﻧﻪ، ﻭﻛﺎﻥ ﺳﻔﻴﺎﻥ ﺑﻦ ﻋﻴﻴﻨﺔ ﻳﻔﻌﻠﻪ ﻣﻌﻬﻢ ﺑﻤﻜﺔ.
ﻗﺎﻝ اﻟﻌﺒﺎﺱ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﻈﻴﻢ: ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺃﺩﺭﻛﻨﺎ اﻟﻨﺎﺱ ﺑﺎﻟﺒﺼﺮﺓ ﻭﺑﻤﻜﺔ. ﻭﻳﺮﻭﻱ ﺃﻫﻞ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻓﻲ ﻫﺬا ﺷﻴﺌﺎ، ﻭﺫُﻛﺮ ﻋﻦ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﺑﻦ ﻋﻔﺎﻥ”. انتهى كلامه.

فحصول ذلك في أحد القرون المفضلة، وفي حرم مكة الذي هو مجمع المسلمين، ومحل أنظارهم وعنايتهم، ويقره بعض أكابر أهل ذلك الزمن كالإمام أحمد، والإمام سفيان بن عيينة – رحمهما الله – = كل ذلك يدل على أن له أصلاً.

وأقل ما يقال في المسألة: من فعله فله فيه سلف، فلا يُنكر عليه.

وقد استمر العمل على هذا من أزمنة طويلة في الحرمين، وشهده كثير من أهل العلم والفضل دون نكير، بل قال الشيخ ابن باز رحمه الله في مجموع فتاويه (11/ 354):

” لم يزل السلف يختمون القرآن، ويقرؤون دعاء الختمة في صلاة رمضان، ولا نهلم نزاعًا بينهم، فالأقرب في مثل هذا أن يقرأ لكن لا يطول على الناس، ويتحرى الدعوات المفيدة والجامعة. ..

وهذا معروف عن السلف، تلقاه الخلف عن السلف، وهكذا كان مشايخنا مع تحريهم للسنة وعنايتهم بها يفعلون ذلك، تلقاه آخرهم عن أولهم… فالحاصل أن هذا لا بأس به إن شاء الله، ولا حرج فيه، بل هو مستحب لما فيه من تحري إجابة الدعاء بعد تلاوة كتاب الله عز وجل، وكان أنس رضي الله عنه إذا أكمل القرآن جمع أهله ودعا في خارج الصلاة، فهكذا في الصلاة، فالباب واحد; لأن الدعاء مشروع في الصلاة وخارجها، وجنس الدعاء مما يشرع في الصلاة، فليس بمستنكر…
أما في خارج الصلاة فلا أعلم نزاعًا في أنه مستحب الدعاء بعد ختم القرآن، لكن في الصلاة هو الذي حصل فيه الإثارة الآن والبحث، فلا أعلم عن السلف أحدًا أنكر هذا في داخل الصلاة…

فمن قال: إنه منكر، فعليه الدليل، وليس على من فعل ما فعله السلف، وإنما الدليل على من أنكره، وقال: إنه منكر أو بدعة” انتهى كلامه بطوله.

ومن ثمَّ فشدة النكير على فاعليه، واعتبارهم فاعلين لبدعة منكرة!!، والجزم بتخطئة ما عليه العمل في الحرمين = كل هذا ابتعادُ عن الصوابُ، وتشويش على العامة.

والله تعالى أعلم .

كتبه/
أيمن بن محمد الحِبْشي
المحاضر بكلية الشريعة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة على ساكنها الصلاة والسلام
27 رمضان 1435

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.