من خواطر التفكير للسعيدي

تكبير الخط تصغير الخط

للدكتور محمد السعيدي[1] مبحث صغير في حجمه، لكنه مهم وكبير في مضمونه جاء في 22 صفحة منشور على الشبكة وموضوعه كما سماه ( خواطر في العدل الفكري)، وفيه خواطر جميلة حول عملية التفكير وما يصاحبها أو يعتريها من مؤثرات وموجهات، رأينا عرضها في هذا المقال لما نلمسه من سلوكيات سلبية ومظاهر في الوسط الثقافي غير سليمة، نزعم أنها ناتجة بالأساس من خلل في التفكير، وضعف وعي به وبطرائقه وما يداخله من مؤثرات وعوامل، ينعكس أثرها على سلوك المفكر وموقفه الثقافي من المخالف أو القضايا التي يعالجها.

التفكير كما يراه الدكتور: صناعة عقلية تلقائية يقوم بها الذهن ليهتدي بها الى الصواب، والتفكير بهذا عملية يتفاوت البشر فيها ويختلفون والبون بينهم شاسع رغم اشتراكهم في امتلاك القدرة على التفكير وممارستهم لها، ويشير الدكتور في مبحثه لثلاثة عوامل مولدة لذلك التفاوت في التفكير، فأولها: ما يتعلق بمدى غزارة المواد التي يشتغل العقل بالتفكير فيها، وسعة أو ضيق ما يفكر به الشخص، وثانيها: ما يتعلق بطريق الذهن في اشتغاله بالمادة التي يفكر فيها ما بين مقتصرٍ على نظر ما تباشره حواسه منها لأول وهلة ، وبين معتنٍ بالإحاطة بكل أجزائها الظاهرة وغائصٍ في أعماقها محسوسة كانت أو مغيبة، وثالثها: ما يتعلق بآلة الذهن في معالجة ما يُفكر فيه ، ما بين ذهن فاقد لملكة التمييز بين المقدمات والنتائج والأسباب والمسبَبات والتصورات، وذهن مُعتنٍ في كل ما يتناوله بتمحيص المقدمات وسبر الأسباب وجمع التصورات مع دقة تامة في الحكم على نتائج ما ينتهي إليه تفكيره ، وبين هذين الطرفين أيضا وسط ليس بقليل العدد والتنوع.
كما يؤكد الدكتور في مبحثه على ضرورة تحديد واختيار طرائق التفكير وفقا لاحتياجاتنا المتنوعة والمختلفة فلكل احتياج أو موقف طريقة في التفكير خاصة، وتنبع أهمية تحديد هذه الاحتياجات كونها تساهم في معالجة إشكالية عامة يقع فيها البعض أثناء عملية التفكير، وهي غلبة نمط من أنماط التفكير على الذهن، بحيث يكون ذلك النمط أو الطريقة هي آلة الذهن للوصول إلى القرار أو الحكم في كل القضايا التي تمر به، مما يحتم وقوعه في الخطأ نتيجة استخدام بعض الأنماط في قضايا لا توائمها.
كما أن لمراتب المعرفة أثرها على التفكير ونتائجه، وأن للأوهام أيضا أثرها المباشر في إحداث خلل بالتفكير، فإعطاء الأوهام حكم المعلومات والتعامل معها على هذا الأساس يجعل الأوهام أو الشكوك أو الظنون بمثابة المقدمات اليقينية فيُبني عليها نتائج جازمة!.
ويشير الدكتور الى مشكلة الوهم وأثرها على التفكير، وأن العقلاء قد يقعون فيها وإن استبعد البعض ذلك من حيث التنظير!، لكن سبراً يسيراً لأخطاء الناس في آرائهم وتعاملاتهم وعلاقاتهم يعطينا نتيجةً هي أن معظم أخطاء الناس في ذلك مبنية على هذا الإشكال، وقد نبه القرآن الكريم على خطورة هذا الخلل في التفكير ، وأنه سبب رئيس من أسباب الكفر ، وحذر عباده من الوقوع فيه، فمن ذلك قوله تعالى( مالهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا).
ولمشكلة الوهم وحصوله أسباب منها ما يقوم به الإعلام من تدوير للمعلومات وتكرارها سواء أكان إعلامياً مؤسسياً أو إعلامياً شعبياً، ويرى الكاتب أن الإعلام الشعبي المتمثل في مواقع التواصل الاجتماعي وقنوات اليوتيوب ونحوها بات أكثر خطراً في قضية إحداث القناعة بالمعلومة المنتحلة ، وذلك لأن له من النفاذ وكثرة الطَّرْقِ على الذهن ما يعزز مكانته في النفوس، وهذا ما يجعل مهمة الخلوص من الاستئسار له في حاجة إلى قوةٍ في شخصية المفكر وقدرةٍ على الصمود أمام تأثيره .
كما أن لدوائر الانتماء والمحيط الفكري تأثيرها الشديد على التفكير، وحالُ المفكرِ الحق أنه يبذل جهداً عظيماً في محاولة انتزاع نفسه من دائرة انتمائه حال قراءته للمعلومة وتقييمها، ويوصي الكاتب من يحاولون التفكير بعيد عن مؤثرات الانتماء الفكري بقوله: ” ينبغي أن لا يكون انتزاع الإنسان نفسه من دائرته الانتمائية تحت وطأة مؤثر سوى إرادةِ الحق ، لأن النفس الإنسانية يعتريها مؤثرات تحملها على مغادرةِ محيطها الفكري كالغضب من موقفٍ ما أو الشعور بوقوع المخالفين لتوجهه تحت وطأة الظلم، فتدفعه همَّتُه لنصرةِ المظلوم ، ومن ثَمَّ الانحياز إليه ، أو كمساندة الآخرين في قضية يراها عادلة ، أو غير ذلك من الأسباب التي كما قدمتُ قد تساهم في انتزاع البعض من تأثير محيطهم ، لكنها بالتأكيد لن تُساهِم في حيادية تفكيرهم ، والسببُ في ذلك أنهم انتقلوا عن النظر من خلال ثُقبِ انتمائهم إلى ثُقبٍ آخر والمطلوب إجالة بصرك بعيداً عن حدود الثقوب”.
يختم الدكتور السعيدي بحثه بعرض بعض من القواعد المنهجية لضبط التفكير، والتي منها السبر والتقسيم، فيقول:” إن كثيرا من قضايانا لا يُكلفنا السبرُ والتقسيم فيها سوى دقائق قليلة، إما لقلة تفاصيلها، وإما لكون تلك التفاصيل لا تقتضي سوى مراجعةٍ للذاكرة قليلا، فالقول إن السبر والتقسيم يحول بيننا وبين اتخاذ الآراء في كل شيء قول غير مستقيم”، ومن القواعد المنهجية تجنب التعميم والإطلاق فيما حقه التخصيص والتقييد، وكذلك تجنب التخصيص والتقييد فيما حقه التعميم والإطلاق.

حمير الحوري

المصدر اتجاهات معرفية

http://itjahat.com/Articles.aspx?id=207

خواطر في العدل الفكري للدكتور محمد السعيدي

https://www.mohamadalsaidi.com/?p=494#.V1cZZ5DXeK0

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.